سوريا والانعكاس الحتمي للحرب الروسية

2022.03.10 | 05:22 دمشق

lynxmpei1r04b_l.jpg
+A
حجم الخط
-A

لا يمكن لتداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا أن تبقى محصورة الآثار على البلدين أو على أوروبا فقط. ستكون الانعكاسات لهذه الحرب ذات بعد عالمي وستتأثر بها منطقة الشرق بلا شك على أكثر من صعيد، وعلى المديَين المتوسط والبعيد. سترسِي هذه الحرب متغيرات جيوستراتيجية وستتغير بموجبها توازنات إقليمية ودولية. ولكن بلا شك أن الشعوب هي التي تدفع الثمن غالباً، كما يدفع الثمن الأوكرانيون سيدفع أبناء هذه المنطقة الأثمان في نقص الغذاء والدواء والحاجيات الضرورية بالإضافة إلى الانعكاسات السلبية للارتفاع الكبير في أسعار النفط. 

ستكون سوريا ومحيطها إحدى أهم ساحات الانعكاس للحرب التي تخوضها روسيا. فلاديمير بوتين لم يدخل إلى سوريا إلا بعد تمكّنه من ضمّ القرم سنة 2014. والمؤكد أن الدخول الروسي إلى سوريا كان يحظى بغطاء دولي شامل، أولاً غطاء أميركي من خلال سعي باراك أوباما إلى عدم إقحام أميركا في الصراع مع عدم الموافقة على دعم المعارضة السورية وعدم إسقاط النظام بسبب عدم توفر البديل، كما أن أوباما كان أكثر اهتماماً بالوصول إلى اتفاق مع إيران على حساب أي ملف آخر ولو سلّم سوريا والمنطقة إلى موسكو وطهران. ثانياً، حظي بوتين بغطاء عربي للدخول إلى سوريا انطلاقاً من نقطتين، نقطة الحاجة العربية إلى طرف غير الإيرانيين موجود في سوريا، ونقطة الالتقاء على مبدأ مكافحة الإرهاب والتعاون العربي الروسي في مواجهة أي تحركات في الجمهوريات الإسلامية ضمن روسيا الاتحادية. ثالثاً، استفاد بوتين من جوّ عالمي لمكافحة الإرهاب بالتدخل تحت هذا الشعار مع توفر موافقة أوروبية لذلك وقد كانت العلاقات الروسية الأوروبية جيدة جداً في تلك الفترة. رابعاً حاجة إيران والنظام السوري إلى قوة عسكرية كبرى قادرة على تغيير موازين القوى بعد انعدام أي قدرة في المحافظة على النظام. ولو لم ينجح بوتين في اجتياح القرم وضمّه على مرأى من العالم لما تجرأ على الدخول إلى سوريا. 

حظي بوتين بغطاء عربي للدخول إلى سوريا انطلاقاً من نقطتين، نقطة الحاجة العربية إلى طرف غير الإيرانيين موجود في سوريا، ونقطة الالتقاء على مبدأ مكافحة الإرهاب والتعاون العربي الروسي في مواجهة أي تحركات في الجمهوريات الإسلامية ضمن روسيا الاتحادية

حقق الغرب مصالح كثيرة بفعل التعاون مع روسيا، إلى أن وصل التطور إلى إعادة إشعال الحرب في قلب أوروبا ودفع القارة الأوروبية إلى البحث مجدداً عن العسكرة وإطلاق سباق التسلح. لكن ما قام به بوتين استدعى موقفاً دولياً تصعيدياً تجاه موسكو بدءاً من العقوبات وصولاً إلى محاولات العزل وهو حتماً سيكون له مترتبات. 

وهنا تتعدد الآراء الدولية حول المرحلة المقبلة، فالرأي الأول يقول إنه بعد دخول روسيا في حرب استنزاف وإغراقها في مستنقع، سيكون هناك ارتداد لذلك على كل حلفائها في المنطقة، ومن أبرزهم النظام السوري وبشار الأسد شخصياً. ومعروف أن الأسد يواجه عدوّين لدودين، الأول هي تركيا والرئيس رجب طيب أردوغان، والذي نجح في الفترة الأخيرة بتعزيز مواقعه الإستراتيجية في المنطقة، وانطلاقاً من موقفه في أوكرانيا سينتزع مزيداً من المكتسبات؛ الأولى تتعلق بالغاز والنفط من خلال تعزيز العلاقة الطاقويَّة مع إسرائيل، والثانية ستكون في سوريا من خلال تحصيل تركيا لمزيدٍ من المكتسبات الميدانية والسياسية، وهنا لن يكون الموقف الإسرائيلي في خدمة بشار.

أمّا العدو الآخر فهو الأميركي، الذي يستحيل أن يفكر في الانسحاب من سوريا والخروج من قاعدة التنف، فلا يمكن في ظل هذا التصعيد أن يغادر الأميركي أي ساحة نزاع مع الروس أو ساحة تنافس. وبالتالي فإن الحديث عن انسحاب الأميركيين من شرق سوريا لم يعد مطروحاً في هذه المرحلة.

وهنا لا بد من العودة بالذاكرة إلى مرحلة محاولات الجنرال خليفة حفتر الدخول إلى العاصمة طرابلس، إذ أرسلت تركيا عناصر من الجيش الوطني للقتال في ليبيا وتم استعادة التوازن، هذا الأمر نفسه سيتكرر في أوكرانيا في إعادة رسم المشهد من جديد وربما فرز واقع يتعلق بتقسيم أوكرانيا إلى قسمين، قسم شرقي وقسم غربي. النشاط التركي لن يتوقف عند هذا الحد، بل قد تسعى أنقرة إلى تحقيق تقدم عسكري في سوريا من إدلب إلى حلب. 

نفوذ النظام السوري سيضعف أكثر مع ضعف الموقف الروسي، بالإضافة إلى انعكاس ذلك على الواقع الاجتماعي والمعيشي في سوريا وتحديداً في مناطق النظام سيكون له تداعيات سلبية جداً 

في حين هناك رأي آخر يقول إن نفوذ النظام السوري سيضعف أكثر مع ضعف الموقف الروسي، بالإضافة إلى انعكاس ذلك على الواقع الاجتماعي والمعيشي في سوريا وتحديداً في مناطق النظام سيكون له تداعيات سلبية جداً على واقع النظام الذي لن يكون قادراً على القيام بأي خطوة جديدة لاستعادة نفوذه، وبالتالي سيرتمي أكثر في الحضن الإيراني، ولن يعود قادراً على الخروج من العباءة الإيرانية. وهنا لا بد من الإشارة إلى الموقف الإيراني الخجول جداً تجاه روسيا، حتى إنّ تظاهرة نظّمت أمام السفارة الروسية في طهران رفضاً للحرب. وثمة رأي يستقر على أن التنسيق الروسي الإسرائيلي سيزيد في المرحلة المقبلة ليبقى بشار الأسد في موقعه بلا أي قدرة وبالاستمرار في حالة الضعف، وذلك لعدم توفر البديل وطالما أن إيران لن تكون قادرة على حماية النظام من دون روسيا، ما يعني أن بقاءه سيكون في حالة مترهلة، إلى أن تحين لحظة إقليمية ودولية تتقاطع فيها مصالح متعددة تؤدي إلى تغيير الواقع السوري.