سوريا وأوكرانيا مجدداً

2023.03.03 | 05:46 دمشق

سوريا وأوكرانيا مجدداً
+A
حجم الخط
-A

مع تورط إيران المتصاعد في الحرب الروسية ضد أوكرانيا، باتت خريطة المعسكرات والتحالفات تتضح بشكل غير مسبوق، فالاصطفاف الروسي الإيراني أضحى علانياً، وكل تلك الدول التابعة للمنظومة الإيرانية باتت بحكم الواقع تندرج في الصراع الروسي الغربي، الذي بدأ الغرب بتفعيل تصعيد عسكري ضده غير مسبوق أيضاً، عبر إرسال الدبابات ومنظومات الصواريخ القصيرة المدى والدعم السياسي اللامنتهي، الذي توّج بعقد قمة للاتحاد الأوروبي في كييف، تلتها زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى عاصمة الصمود الأوروبي في وجه العسف البوتيني.

اختارت روسيا منذ البداية أن تجعل جبهات المواجهة الأساسية لها مع الغرب مرتبطة بالبحار الدافئة، فأوكرانيا التي قرر الرئيس الروسي أنها ستكون نقطة الجذب الأقصى للطموح الروسي الشعبوي المعبأ بالغضب تجاه الغرب، عبر تاريخ مشترك افترضه بوتين كافياً لإعلان وصايته على البلد المترامي الأطراف، حيث كان من الممكن أن تكون جورجيا أو كازاخستان أو دول البلطيق هي المسرح لهذه الحرب مع الغرب.. ولكن القيادة الروسية ارتأت أن الخاصرة الأوروبية الرخوة في أوكرانيا ستكون عامل ضغط حاسم على أوروبا، بعد قطع الغاز والضغط الاقتصادي الذي سيولد مظاهرات شعبية ستطيح بأنظمة الحكم الأوروبية وتأتي بحكومات يمينية مشابهة لنظام رئيس الوزراء المجري والبيلاروسي..

جبهات المواجهة حُصرت في البحار الدافئة، الجبهة الأوكرانية للضغط على أوروبا، والجبهة السورية على البحر المتوسط، للضغط على طرق الإمداد الأوروبية

ولكن الصمود الأوروبي وتماسك حلف الناتو كان له رأي آخر معاكس، رغم الخلافات الهائلة في مصير الغزوة الروسية، وكيف يجب تحديد نهاية لها، فمنهم من يعتقد بوجوب تمريغ أنف بوتين في وحل أوكرانيا، ومنهم من يعتقد بضرورة عدم حشره في خانة المهزوم، لسابق معرفة بآلية تفكير الرجل ورغبته الدائمة ببقائه قيصراً ولو على عرش من ورق.

إذاً جبهات المواجهة حُصرت في البحار الدافئة، الجبهة الأوكرانية للضغط على أوروبا، والجبهة السورية على البحر المتوسط، للضغط على طرق الإمداد الأوروبية وإمساك طريق الحرير الصيني، عبر تحقيق ضغط ما وسط أقدم صراع في العالم "الصراع العربي الإسرائيلي".

التحالف الروسي الإيراني، أعلن جهاراً في سوريا، واستطاع بشكل من الأشكال العنيفة المروعة أن يُخضع البلاد المائجة بالمعارك، بعدها بقليل من الوقت في الدونباس تدخل الإيراني علانيةً أيضاً في حرب أوروبا عبر إرسال المسيّرات الإيرانية لمساعدة الجيش الروسي في حرب العصابات التي برع بها الإيرانيون.. قبل ذلك قطعت الحكومة الأوكرانية علاقاتها مع حكومة دمشق، بسبب إرسال الأخيرة مقاتلين غير نظاميين إلى شرقي أوكرانيا، وأيضاً كانت دمشق واحدة من الدول السبع الوحيدة من أصل أكثر من مئتي بلد التي صوتت في الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا.

دون أن ننسى التنسيق السياسي الطويل بين روسيا وطهران، في الاتفاقية النووية وفي كل الخيارات الإقليمية في سوريا وأفغانستان والعراق وحتى في إسرائيل.

بعد كل تلك المعطيات أصبح مفهوم دمج الجبهات واقعاً واحداً غير قابل للتجاهل، فالجبهة الروسية الإيرانية مع ما يسمى حلف المقاومة، أصبحت في خط مواجهة واحد مع أوروبا وأميركا، ويجب على الجميع من الآن وصاعداً الاختيار في أي صف سيكونون، الدول العربية تدرك حجم المواجهة، تركيا التي تربطها مواثيق قوية بحلف الناتو من جهة وروسيا بوتين من جهة أخرى ستجد نفسها في مفترق طرق كبير، الصين تعرف كل شيء وتراقب بهدوء المسافة التي تريدها مع الجميع، وبأدق المعايير دون أي خطأ فهي لا تريد أن تنزلق في أتون معركة يريد الجميع منها أن تدخلها لتقلب المعادلات، لكنها لن تفعل.

الكتلة العربية ممثلة بالسعودية ومصر تحاول بشدة إبقاء النيران بعيدة عن الشرق الأوسط

المواجهات التي تزداد في شرقي أوكرانيا، مع توالي الضربات على الجيش الروسي وخروج الخلافات بين قائد قوات فاغنر ووزير الدفاع شويغو إلى العلن، والتدهور على عدة جبهات هناك، الذي ترافق مع إعلان زيلينسكي حشد القوات قريباً لتحرير القرم، التي أعلنها بوتين خطاً أحمر حتى أن مبدأ طرحها في المفاوضات غير مقبول بالنسبة للروس. هذه المواجهات ستمتد إلى حدود الشرق الأوسط في جبهة المتوسط، فالمؤشرات التي ترسلها إسرائيل من دعم علني لأوكرانيا عبر إرسال منظومات الدفاع الجوي. لا تحتاج إلى تحليل عسكري جيوسياسي، سابقاً كانت التوازنات الروسية الإسرائيلية في سوريا، هي العائق الأساسي لإعلان تل أبيب انحيازها للمعسكر الغربي، ولكن هذا كله بات من الماضي، فالتنسيق الأمني بين هاتين الدولتين في السماء السورية بات غير مجد مع ازدياد الاندفاع الإيراني في الأرض السورية وتصاعد الغضب العربي منه. ولربما ستأتي الترتيبات الأمنية الجديدة مكان تلك القديمة.

الكتلة العربية ممثلة بالسعودية ومصر تحاول بشدة إبقاء النيران بعيدة عن الشرق الأوسط، فهي تدرك حجم الخطر الذي سيفاقم من معاناة سكان وحكومات الشرق الأوسط وسيضرب كل مشاريع التنمية التي تتبناها الدولتان برفقة بقية دول الخليج والكتلة العربية المعتدلة، عرض الحائط.

أما الإيرانيون فيبدو أنهم ومثل كل مرة لن يجدوا مخرجاً لمأزقهم الداخلي إلا بالدخول في حروب خارجية تمكنهم من فرض معادلات جديدة على الداخل المشتعل أصلاً، عبر زجهم مئات ألاف المقاتلين من الدول التي يسيطرون عليها في الحرب. من باكستان وأفغانستان والعراق ولبنان.

ومن هنا سيكون شعار المرحلة المقبلة التي ستحمل اسم إخراج القوات الأجنبية من الأراض السورية، وعليهم ستكون الحملات العسكرية المنسقة التي ستحدد خريطة النفوذ الجديدة في الشرق الأوسط.