سوريا.. ما أكثر المصادفات هذه الأيام

2022.05.29 | 05:57 دمشق

turkey-army-syria.jpg
+A
حجم الخط
-A

أعاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم الإثنين المنصرم وبعد ترؤسه لاجتماع وزاري في أنقرة التذكير بأن تركيا لن تنتظر كثيرا لحسم الأمور في بعض المناطق المتبقية في شمالي سوريا كعقبة في طريق خطة المنطقة الآمنة. بيان مجلس الأمن القومي التركي وتصريحات وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو تلتقي كلها عند وعود أميركية روسية قدمت لأنقرة في تشرين الأول 2019 من أجل أن توقف هي عملية نبع السلام مقابل ضمانات بإخراج قوات سوريا الديمقراطية من المناطق الحدودية المحاذية لأراضيها ولم تنفذ حتى اليوم.

تطالب تركيا بمواقف غربية واضحة حيال المجموعات التي أعلنتها إرهابية لكن ما تريده أيضا هو حسم أميركا لموضوع داعش في شرق الفرات وفتح الطريق أمام مشروع المنطقة الآمنة وإيصاله إلى شمال شرقي سوريا. التطورات العسكرية والسياسية المحلية والإقليمية منحت أنقرة المزيد من الفرص لتحريك ورقة شمال شرقي سوريا ضد مجموعات قسد ومسد ووحدات الحماية وحسم مسألة الجزء الجنوبي الشرقي في مناطقها الحدودية مع سوريا.

تتحدث التقارير الأمنية والإعلامية التركية عن إتمام 90 بالمئة من الاستعدادات للعملية العسكرية التركية باتجاه شمال غربي سوريا وأن مركز الانطلاق قد يكون مدينة أضنه الجنوبية. خصوصية العملية العسكرية المرتقبة هذه المرة هي دمج خطة المنطقة الآمنة لتسهيل عودة مئات الآلاف من اللاجئين السوريين إلى أراضيهم بهدف تركي آخر هو إنشاء المنطقة العازلة التي ترفع شعار إخلاء المناطق الحدودية من نفوذ قسد وتوفير الضمانات الأمنية التي تريدها أنقرة.

ساحة المواجهات وأهدافها والمفاجآت التي ستواكبها قد تكون كثيرة ومختلفة هذه المرة إذا، بسبب المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية التي تناقش العملية العسكرية التركية خلالها

من يقطع الطريق على العملية العسكرية التركية الخامسة طبعا هو ليس صمود قوات قسد أو الاعتراض الروسي بعد الآن، بل دخول أميركي سريع على الخط لإلزام الحليف الكردي بمغادرة المناطق التي تعهدت واشنطن بوضعها تحت تصرف مشروع المنطقة الآمنة. لكن المشكلة هي أنه بين الأهداف الأهم للعملية العسكرية التركية المرتقبة هناك تطهير المناطق الحدودية من نفوذ قسد وتحييد ورقة السلاح الثقيل "الأميركي – الكردي" بيد هذه المجموعات، وإغلاق ملف داعش الذي تلعبه أميركا ضد الجميع في شرقي سوريا وتحاول إبقاءه ساخنا بوجه تركيا، وفتح الطريق أمام تسوية سياسية جديدة للأزمة في سوريا بعد انسداد المشهد في عمل أكثر من منصة إقليمية ودولية. ساحة المواجهات وأهدافها والمفاجآت التي ستواكبها قد تكون كثيرة ومختلفة هذه المرة إذا، بسبب المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية التي تناقش العملية العسكرية التركية خلالها.

يخطئ من يعتقد أن قوات النظام السوري لن تستغل فرصة تحرك القوات التركية باتجاه تل رفعت ومنبج وعين عيسى لتتم محاصرة عين العرب وإخراج المربع الأمني بكامله من يد "قوات سوريا الديمقراطية"، لتتحرك في شمال شرقي سوريا هي الأخرى بأكثر من اتجاه، في محاولة لاسترداد نفوذها في بعض المناطق الحساسة الواقعة تحت سيطرة قسد ومسد ووحدات الحماية.

المفاصلة تجري في عروقنا مثل الدم. والإشارة أعطاها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قبل ساعات لأنقرة ودمشق على السواء وهو يتحدث عن استكمال قوات بلاده لعمليات إعادة التموضع العسكري في الكثير من المناطق التي تنوي تركيا التقدم نحوها لإكمال خطة المنطقة الآمنة وحقها في الدفاع عن أمنها في مواجهة مخططات واشنطن التفتيتية في سوريا. العقدة الأهم في كل هذه التطورات ستكون مدينة القامشلي السورية المحاذية للحدود التركية في الجنوب الشرقي. كيف سيكون المشهد ومن الذي سيأخذ المدينة وهل تسمح واشنطن بخسارة ميدانية فادحة من هذا النوع في صفوف حليفها المحلي هناك؟

تقول القيادات الأميركية إنه  لا دخل لواشنطن في النقاش التركي مع السويد وفنلندا وإن المسألة تعني حلف الناتو بالدرجة الأولى. ويرفض البنتاغون الربط بين موضوع التوسعة الأطلسية واستعدادات تركيا للقيام بعملية عسكرية واسعة في شمالي سوريا تمهيدا لإنشاء المنطقة الآمنة. لكن ما لا تتحدث عنه واشنطن حسب أنقرة، هو أسباب كل هذا الدعم العسكري الأميركي لليونان وقرار إنشاء المزيد من القواعد العسكرية الأميركية البرية والبحرية على مقربة من الحدود مع تركيا، ومقاطعة الكونغرس رئيس الوزراء اليوناني ميشوتاكيس بالتصفيق أكثر من 30 مرة وهو يطالب واشنطن بالتدخل لوقف "التهديدات التركية" وتجميد صفقة بيع المقاتلات إف 16 لتركيا. ما الذي يقلق الإدارة الأميركية هنا وما هو السيناريو المحتمل بالاتجاه الآخر في العلاقات التركية الأميركية؟

الذي يقلق إدارة بايدن أكثر من العملية العسكرية التركية هو تفاصيل اللقاء الإسرائيلي الروسي بين نفتالي بينيت وفلاديمير بوتين قبل شهرين والشق السوري الإيراني في المحادثات

يقول المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس إن من شأن العملية التركية المفترضة أن "تهدد استقرار المنطقة وتلحق الضرر بجهود التحالف في حربها على داعش". وأن بلاده تتوقع من تركيا أن تلتزم بالبيان المشترك الصادر في تشرين الأول 2019، مضيفاً "نحن ندرك المخاوف الأمنية المشروعة لتركيا على حدودها الجنوبية، لكن أي هجوم جديد سيزيد من تقويض الاستقرار الإقليمي وسيعرّض للخطر القوات الأميركية المنضوية في حملة التحالف ضد تنظيم داعش. ويردد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية جون كيربي، أن الولايات المتحدة "قلقة للغاية بشأن إعلان تركيا نيتها زيادة نشاطها العسكري في شمالي سوريا". مصادفة هي حتما أن نقرأ أن السفير الإيراني في دمشق مهدي سبحاني، يعلن أن بلاده "ترفض أي شيء يسبب انتهاك سلامة ووحدة وسيادة الأراضي السورية". وأن تلتقي المواقف الأميركية والإيرانية في مواجهة العملية العسكرية التركية المحتملة.

الذي يقلق إدارة بايدن أكثر من العملية العسكرية التركية هو تفاصيل اللقاء الإسرائيلي الروسي بين نفتالي بينيت وفلاديمير بوتين قبل شهرين والشق السوري الإيراني في المحادثات. وما لا تريد واشنطن قبوله هو حقيقة أن التفاهمات الأميركية الإيرانية لن تمر بمثل هذه السهولة كما يبدو.

مصادفة أخرى هي ربما وما أكثر المصادفات في هذه الآونة، أن تطرح العملية العسكرية التركية بهذا الشكل الواسع وأن ينهي وزير الخارجية التركي زيارة لإسرائيل لن يستبعد احتمال مناقشة تطورات الملف السوري خلالها. إيران تريد ملء الفراغ العسكري الروسي في بعض المناطق السورية وهي ألزمت بشار الأسد – مصادفات لا تنتهي - بزيارة طهران التي تمت تحت عنوان التحولات المرتقبة في المشهد السوري واحتمال حصول تفاهمات إقليمية كبيرة على حسابها.

لم تختر أنقرة وأبو ظبي إبراز الزيارة الخاطفة والسريعة التي قام بها وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان يوم الجمعة المنصرم إلى إسطنبول والتي استقبله خلالها الرئيس التركي في قصر دولمه بهشه حيث تم تبادل الكثير من الرسائل بطابع ثنائي وإقليمي، ومن غير المستبعد أن تكون المصادفات قد دفعتهما لبحث تفاصيل الخطة التركية والتطورات المحتملة في المشهد السوري بعد المصالحة التركية الإماراتية وانفتاح أبو ظبي على دمشق. إدارة بايدن تحتاج إلى فريق عمل سياسي وعسكري واستخباراتي جديد يرصد كل هذه المصادفات وحقيقة المتغيرات في المنطقة بعد اندلاع الحرب الأوكرانية وأسباب التصلب التركي في مسألة التوسعة الأطلسية وتطورات المشهد في سوريا وشرق المتوسط.

إرضاء للبعض أيضا. حتما سيكون للعملية العسكرية التركية المرتقبة ارتداداتها على قرار الناخب التركي بعد عام. ومن المحتمل أيضا أن يقرر حزب العدالة والتنمية الذهاب المبكر إلى الصناديق إذا ما نجح في تسجيل اختراقات سياسية واقتصادية في ملفات داخلية وخارجية تعيد له ما فقده من أصوات في العامين الأخيرين.