سوريا في تلفزيون سوريا

2021.03.03 | 00:01 دمشق

dsc00786.jpg
+A
حجم الخط
-A

يشير تقرير "المؤشر العربي" الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات 2019-2020 إلى أنه عبر عَقد الثورات العربية حدثت تحولات جوهرية في مصادر متابعة الأخبار السياسية بالنسبة للمواطنين العرب، حيث غدا الإنترنت مصدراً لنحو 35 %، في حين بقي التلفزيون مصدراً لنحو 48 % من المشاهدين.

لا يمكن لمؤسسة تلفزيونية أن تغمض عيونها عن هذه الإشارات والتحولات في مصادر المعلومات بالنسبة للمتابعين، وهو في الوقت نفسه يشكل تحدياً لها في ضرورة سرعة مواءمة ظروفها مع متغيرات الذائقة، ومصادر المعرفة، مع الأخذ بعين الاعتبار اختلاف آلية تحرير المادة التلفزيونية عن المادة المكتوبة، أو الأفلام القصيرة، التي تبث عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو الإنترنت وما يتطلبه ذلك من كوادر وميزانيات إضافية.

إنْ كان المتابعُ لتلفزيون سوريا، وأنا أحدُ متابعيه المواظبين منذ نشأته وأحد ضيوفه، يريد عَنْونة الشهور الأخيرة في عمر تلفزيون سوريا، فيمكنه أن يعنونها بـ "شهور الموقع الإلكتروني" الذي وفقاً لإحصاءات عالمية فإن ترتيبه ضمن مجاله أصبح حوالي 6800 بعد أن كان ترتيبه فوق الثلاثين ألفاً، وقد بلغ عدد الزيارات إلى الموقع مليونين و900 ألف شهرياً.

لا يمكن لهذه النقلة الكبيرة أن تأتي من فراغ، بل هي ناجمة عن رؤية استراتيجية، عضّدتها كوادر مجتهدة، جعلت الاختلاف والتميز والمتابعة بوصلتها وهدفها. حتى أصبح الموقع أقرب إلى نشرة أخبار، دائمة التحديث والمواكبة، لا تهدأ حركة العمل فيها، إضافة إلى التقارير، والترجمات من مختلف المواقع العالمية التي تهتم بالوضع السوري عامة، وترافق ذلك مع استقطاب كتاب رأي، مختلفي المشارب والاتجاهات، يقرؤون ما بين سطور الحدث السوري، أو يقدّمون سرديتهم ورؤاهم عما يحدث أسبوعياً.

كثير من البرامج اليومية والأسبوعية فقد غدت مواعيدها ومقدموها وضيوفها قريبين أكثر من المشاهد، وجزءاً من ذاكرته البصرية والتحليلية

وواكب تميز الموقع تميز لافت آخر تمثل في إنتاج أكبر محتوى حول سوريا في الشهور الأخيرة عبر الفيديوهات (نيوميديا)، وبثها عبر شبكة الإنترنت، مقارنة مع ما تنتجه القنوات أو المنصات المماثلة.

أما كثير من البرامج اليومية والأسبوعية فقد غدت مواعيدها ومقدموها وضيوفها قريبين أكثر من المشاهد، وجزءاً من ذاكرته البصرية والتحليلية، خاصة أن سوريا لا تزال منطقة نزاع محلي وإقليمي ودولي، وبقي حدثها اليومي هدفاً رئيسياً في القناة، عبر برامج إخبارية ومنوعة واقتصادية وفنية وثقافية عديدة، صار لها مقدموها الذين اعتاد وجوههم المشاهد، وأخذ يتابع تفاصيلهم، ويستمتع بلطف حضورهم، وعمق معرفتهم وثقافتهم، وحرصهم على الإحاطة بتفاصيل مواضيعهم، وقد بلغ عدد ساعات كثير من هذه البرامج الـ 200 ساعة أو أكثر، وأصبحت بصمة كثير منهم لافتة في طريقة حواره ومناقشته، وقدرته على أخذ أفضل ما لدى من يحاوره. بالتأكيد تختلف كثير من مهاراتهم وقدراتهم، وهو ما يدركه المشاهد جيداً، غير أن ذلك أمر طبيعي، فأكبر المحطات الإعلامية العالمية يعدّ نجومها على أصابع اليد الواحدة، ويعاضد هؤلاء المقدمين فريقٌ تحريري باتت لغته وطريقة قراءته للمشهد لافتة، إذ تتميز بمهنيّتها وإحاطتها، وقد غدت بصمات أصوات عدد من مقدمي التقارير لها حضورها الخاص في آذان المتابعين وأذهانهم.

 وإدراكاً من القائمين على السياسة التحريرية وصانعي المحتوى أن سوريا ليست متلقية للحدث العربي والعالمي فحسب، فإن القناة كما أعلنت عبر خارطتها البرامجية الجدية، تنوي مزيدا من المواكبة للحدث العربي والعالمي، خاصة الحدث الذي يتقاطع بصورة أو بأخرى مع الحدث السوري أو يؤثر فيه، وهو ما لم يغب يوماً عن رؤية القناة من خلال الضيوف والمشاركين العرب في برامجها.

استطاع تلفزيون سوريا عبر عمره القصير نسبياً، أن يكرس مرجعيته في ذهن مشاهديه للحدث السوري، وغدا المهتم بذلك الحدث متأكداً أنه سيجد مادة مفيدة، مشغولة تحريرياً وفنياً بطريقة متميزة، سواء عبر الضيوف أو التقارير أو الأخبار أو التحليلات أو الإنفوغراف أو غير ذلك، ومثل تلك البصمة لا تتشكل بسهولة.

الجديد في تلفزيون سوريا، فيما أحسب، هو تحوله، في جوانب من دوره، من ناقل للحدث، وهو عمل مهم، إلى مؤثر في عدد من الأحداث، وباحث فيها، وهي محاولة صعبة لأنها تتطلب المحافظة على النزاهة والموضوعية.

 أحسب هاهنا أن مرجع هذه النقلة يعود، في جزء كبير منه، إلى الحرفية والمهنية في التعامل مع مصدر المعلومة، والثقة التي عززها التلفزيون في نفس مشاهديه ومتابعيه، ولا يغيب عن بال راسمي استراتيجيات التلفزيون أثر الخط الإخباري في تشكيل الرأي العام المعرفي والوجداني والسلوكي للمتابعين، مع دقة المعلومة والمصداقية في نقل أخبار الناس.

 وقد شهدنا عدداً من الأحداث في الفترة الماضية استطاع تلفزيون سوريا، من ضمن مشاركته للرأي العام، أن يسهم في تحويل مسارها أو يساعد في ثني المتحمسين عن الاستمرار فيما أشاروا إليه، من مثل قضية الترشح للرئاسة السورية، والدعوة إلى المجلس العسكري، أو الحماس إلى محاكمات انتقائية، لا تبدأ بالمجرمين الرئيسيين، ومآلات كثير من تفاصيل الحدث السوري، عبر الإضاءة على عدد من مكامن الخلل والفساد، مما جعل صوت السلطة الرابعة في الحدث السوري يعاود العلو والارتفاع وهو ما يليق به.

وبهدف صنع مزيد من الوشائج والرغبة بقراءة الحاضر في ضوء تجارب الدولة السورية، فإن التلفزيون قد أعدّ سلسلة حوارية مهمة، تضيء جوانب من الذاكرة السورية، مما يجعل هذه المادة عابرة للحدث اليومي وفي الوقت نفسه تحفر عميقاً في الحدث الحاضر وجذوره.

ولأن تلفزيون سوريا يدرك جيداً أن مشاهديه ليسوا جميعاً ممن تشغل الأخبار بالهم، فقد أُعدّت العدة لرؤية بصرية وتحريرية جديدة للبرنامج المنوع اليومي "لمّ الشمل"، الذي يواكب قصص النجاح والتميز، ويرصد الحدث ويسعى ليصبح مصدر معلومات عن السوريين في الشتات السوري، مع استمرار عدد من البرامج الساخرة، أو التي تقوم على رصد الأحداث الفنية أو التفاصيل اليومية، وكذلك تغيير محتوى، ومسمَّى برامج عديدة.

لا تقتصر مصادر الخبر والمعلومة في تلفزيون سوريا على ما تبثه وكالات الأنباء أو المحطات الأخرى ليقوم التلفزيون بإعادة تحريرها وصياغتها وفقاً لرؤيته، بل غدا لتلفزيون سوريا مصدران رئيسان إضافيان لمتابعة الحدث السوري والشخصية السورية في جغرافيتها العالمية هما:

- شبكة كبيرة من المراسلين والمتعاونين داخل سوريا، وفي بلدان اللجوء والهجرة، وهو منجز مهم واحترافي.

 - شبكة علاقات لدى فريق العمل في التلفزيون مع الضيوف المختصين، في مختلف أنحاء العالم، وبناء "داتا" للمؤثرين في الحدث السوري من لاجئين وسواهم.

 ويعود إقبال السوريين عبر سرديّاتهم وتفاصيلهم وأخبارهم على الانفتاح على تلفزيون سوريا إلى ثلاثة أسباب رئيسية:

  •  الثقة في تلفزيون سوريا بعد نجاحاته المتكررة.
  • وصول متابعيه إلى ملايين المتابعين عبر مختلف منصاته، وتجاوز مجموع المشاهدات خمسمئة مليون مشاهدة عبر سنواته الثلاث.
  •  معرفة صاحب الخبر أنه يتعامل مع منصة مهنية.

تؤكد الرؤية الفكرية لتلفزيون سوريا، المنشورة على الموقع الإلكتروني، أنه صوت السوريين، الحامل لقيم العدالة والكرامة، صوت قيم الثورة السورية، المتمثلة في تعزيز مبادئ المدنية والمواطنة، الرافضة للتسلط والديكتاتورية والتطرف

إن قيام إدارة التلفزيون بتغيير الهوية البصرية وتطويرها، يعدّ مغامرة الواثق من جهده وفريق عمله، فمن الراسخ في علم التسويق أن القنوات والشركات لا تلجأ إلى تغيير الهوية البصرية، أو إحداث تعديلات فيها، إلا بعد وثوقها أن مُشاهدها صار مقتنعاً بها، وقد حفرت العلامة في نفسه عميقاً، حيث ما إن تحضر الألوان أو اللوغو حتى يستحضر المشاهد اسم القناة وتاريخه معها، إضافة إلى الثقة بالمنتج الذي تقدمه، ولذا فإن الرؤية البصرية الجديدة ستضيف مشاهدين آخرين، وتعطي حيوية وقيمة مضافة لمن اعتادوا مشاهدة المحطة أو متابعتها عبر الموقع أو الإنترنت.

تؤكد الرؤية الفكرية لتلفزيون سوريا، المنشورة على الموقع الإلكتروني، أنه صوت السوريين، الحامل لقيم العدالة والكرامة، صوت قيم الثورة السورية، المتمثلة في تعزيز مبادئ المدنية والمواطنة، الرافضة للتسلط والديكتاتورية والتطرف، المؤكدة على وحدة سوريا والرافضة للتدخل الأجنبي، مع الإيمان بالتعددية وتكريس قيم الحوار العقلاني الجامع، لكنه ليس ناطقاً رسمياً باسم أجهزة المعارضة، وإن كان المجال مفتوحاً للسوريين، على تعدد أطيافهم للتعبير عن رأيهم عبر منصاته، عدا مناصري القتل والإجرام، ولعلَ هذا ما جعل الحدث السوري أو حالات التميز، أياً كانت مركزيّتها أو هامشيتها، تجد صداها في تلفزيون سوريا.

أخيراً، وفق تجربتي وقراءتي للطريقة الهولندية في إدارة المؤسسات، وهي تعدّ من التجارب الرائدة ذات الكفاءة العالية في إدارة الموارد البشرية والمؤسسات عالمياً، فإن أحد جوانب الإدارة، الناجحة في المؤسسات الراسخة يكمن في تقديم دورات تدريبية وتأهيلية دورية للعاملين فيها عبر خبراء عرب وعالميين، تتيح لهم اكتساب معرفة ومهارات جديدة، تفتح أبواب التميز والإبداع، إضافة إلى العناية بتحسين الجانب المادي للفريق العامل كاملاً عبر زيادة دورية سنويّة، وتعزيز مزيد من الجوانب الاجتماعية مع فريق العمل، المتمثلة بمشاركة الإدارة للعامل في تفاصيله اليومية أفراحاً وأحزاناً ونجاحات، مما يولد بين العامل ومؤسسته ثقة أكبر ويسهم في تعزيز شعور الانتماء إلى المؤسسة.

وبالتأكيد لن يفوت الإدارة مستقبلاً إجراء الدراسات، التي تهتم بالرضا الوظيفي الناجم عن الشعور ببيئة عمل ملائمة، سواء أكان عبر الاعتماد على قسم الموارد البشرية في المؤسسة بإنجاز ذلك النوع من الدراسات أم بتكليف مراكز مختصة، كجزء من مواكبة معايير الجودة العالمية في المؤسسات الراسخة.

 وقد قامت الإدارة الحالية، في حدود متابعتي للسوشيال ميديا، وما أسمعه ممن ألتقي بهم، بإنجاز قسم مما ورد أعلاه، وما يشجّعنا كمتابعين ومحبّين سوريّين على طلب مزيد من الإدارة، هو كون معظم أُسُس تلفزيون سوريا – بعد مرور ثلاث سنوات على انطلاقته- قد استقرت تحريرياً وبصرياً وإدارياً.

وما يدفعنا إلى طلب المزيد من الخطوات، مما ورد في السطور السابقة، هو أنّ سوريّين كثيرين ينظرون إلى هذا الفريق العامل في تلفزيون سوريا بعيون الأمل في أن تتحرّر الدولة السورية من مغتصبي حريتها، إذ نطمح أن يسهم هذا الفريق، مع إعلاميين سوريين آخرين في منصات سورية أخرى، في حمل تطلعات السوريين من "قلب دمشق" ذات يوم قريب، وقد صار لدى هذا الفريق الخبرة والكفاءة في إنتاج إعلام شفاف ومهني، بمعايير الجودة العالمية للإعلام، كجزء من المؤسسات المقبلة في سوريا الجديدة، التي قامت ثورة 2011 من أجلها.