icon
التغطية الحية

سوريات فقدن أعمالهن في زلزال تركيا: حكايات الخسارة وتحديات المستقبل

2023.03.23 | 07:22 دمشق

سيدات أعمال سوريات يفقدن مشاريعهن الخاصة تحت أنقاض زلزال تركيا (تلفزيون سوريا)
سيدات أعمال سوريات يفقدن مشاريعهن الخاصة تحت أنقاض زلزال تركيا (تلفزيون سوريا)
إسطنبول - خالد حمزة
+A
حجم الخط
-A

شهر ونصف يمر على الزلزال المدمر في تركيا وسوريا؛ ولم تظهر النتائج النهائية بعد لأعداد الضحايا والخسائر الاقتصادية للكارثة، لكن السلطات والمنظمات الدولية تعلن بين حين وآخر عن أرقام تقريبية يمكن أن تعطي تصوراً أولياً للخسارة على المستويين البشري والمادي.

وتسبب الزلزال في توقف العديد من الأعمال التجارية التي تديرها السيدات السوريات وبتن يواجهن تحديات كبيرة في سبيل إعادة تشغيل أعمالهن وذلك بتأثير الخسائر الكبيرة بمختلف القطاعات وسعياً للتوافق مع الشروط المتعلقة بإقامة وتنقل السوريين في تركيا بموجب بطاقة الحماية المؤقتة التي تحتم على حامليها العيش والعمل في مكان تسجيل القيد.

اللاجئة السورية في تركيا ديالا، كانت قد خبأت بشق الأنفس مبالغ صغيرة من المال طوال سنوات عملها الجادّ كمدربة في النوادي الرياضية في تركيا سعياً خلف حلمها الكبير بافتتاح مكانها الخاص، فكانت تحصل أسبوعياً على أجر زهيد من عملها وتضع جزءاً منه جانباً حتى استطاعت افتتاح النادي الرياضي الخاص بها.

لم يكن النادي الرياضي الأول الذي افتتحته ديالا كما قد يتخيله بعضهم؛ رحباً واسعاً يضم عشرات الأجهزة الحديثة ومع موظفين يستقبلون وآخرون يدربون وعمال تنظيف، بل كان في بداياته مساحة صغيرة خالية من أي أجهزة واختصر التدريب فيه على الأيروبيك والزومبا.

ورويداً رويداً، ومع رغبة قوية في الوصول إلى أمنيتها، واظبت ديالا على مراكمة مبالغ صغيرة باتت تأتيها من طالباتها في ناديها الصغير، واشترت جهازاً للركض ليكون حجر الأساس لحلمها الأكبر.

وخلال الشهور التالية استطاعت ديالا شراء أجهزة أخرى وازداد عدد المشتركات في الدروس ولم يعد يتسع المكان للمزيد فكانت النقلة التي طالما حلمت بها، حيث استأجرت صالة مكونة من طابقين وهيأتها لتكون مركزاً رياضياً تواظب نحو 200 لاعبة على الحضور إليه يومياً.

وتألف مركز ديالا الرياضي من طابقين بمساحة 230 مترا مربعا، وهو المكان الوحيد من نوعه في المنطقة الذي يستقبل النساء فقط، مما كان حافزا لكثير من النساء السوريات والأتراك للانضمام فكان عدد اللاعبات شهريا لا يقل عن 175 لاعبة ويصل إلى 200 لاعبة في بعض الأشهر.

لكن حلم ديالا هُدِمَ تماماً بعد شهرين من توقيع عقد استئجار النادي لمدة سنة ودفع المبلغ كاملاً مقدماً؛ حيث ضرب زلزال يوم 6 من شباط الماضي، مناطق جنوبي تركيا وشمالي سوريا وخلف أكثر من 50 ألف ضحية وعشرات آلاف المباني المدمرة.

"محاولات حثيثة للنهوض رغم الخسارة"

وقَدَّرت ديالا في حديث لموقع تلفزيون سوريا أنّ حجم الخسائر المادية في النادي الرياضي بمئات الآلاف مقسمة بين الأضرار التي لحقت أجهزة التدريب والمبالغ المالية المنفقة على المعدات الأخرى والديكورات المجددة حديثاً يضاف إليها أجرة النادي السنوية المدفوعة قبل وقوع الزلزال بشهرين.

وخرجت ديالا من أنطاكيا إلى إسطنبول بعد تهدّم جزء كبير من المركز الرياضي بالزلزال وتضرر أفراد من عائلتها تحت الأنقاض، لتعود أدراجها إلى الولاية بعد أن علمت بأنّ السلطات عازمة على هدم المبنى كاملاً إثر تضرره بشكل كبير.

وبحثت عن أماكن بديلة لنقل المعدات الرياضية المتبقية ومحاولة افتتاح مركز رياضي جديد لكنها صدمت بارتفاع الأسعار التي يطلبها الملّاك من الدفع مقدماً لسنة ومبالغ التأمين الكبيرة يسبقها أجور الشحن لنقل الأجهزة من المركز.

تعبّر ديالا عن حزنها بعد أن عجزت في الأيام الأولى عن تأمين مركز جديد تنقل إليه الأجهزة: "الواحد طالع من الزلزال ما الذي قد يحمله معه؟.. تركنا كل ما نملك وخرجنا".

وعاشت ديالا في "حالة من الضياع" وفقاً لتعبيرها لأنها لم تستطع تأمين البديل لنقل مركزها الرياضي إلى مكان آخر في هاتاي ولا يمكنها الانتقال لبدء العمل من جديد في ولاية أخرى مثل إسطنبول لأنها تحمل بطاقة الحماية المؤقتة ولا تتيح لحاملها العيش أو العمل إلا في الولاية التي حصلت فيها على البطاقة، لكنها تصرّ على المحاولة على أمل أن ينظر إلى حالتها وحالة نظرائها السوريين المجبرين على الانتقال إلى ولاية أخرى لكسب العيش وأن يتم تقنين أوضاعهم.

وفي سبيل ذلك حاولت مجدداً أن تبحث عن سبيل لنقل نشاطها التجاري من هاتاي إلى إسطنبول لكن التكاليف كانت أكبر من إمكاناتها المادية إذ بلغت كلفة نقل المعدات نحو 25 ألف ليرة تركية (نحو 1300 دولار)، وإيجار الصالات الرياضية في إسطنبول أيضاً مرتفعة بشكل كبير قاربت 8000 آلاف دولار إيجار سنوي و2000 دولار تكاليف أخرى متعلقة بالإيجار.

إضافة إلى ذلك، تشير ديالا إلى أنّ إسطنبول بشكل عام وضعها ليس بالسهل للقادمين الجدد على صعيد العمل والحياة وتعلّق: "لو خرجت من أنطاكيا حاملاً 50 ألف ليرة تركية فستنفقها في إسطنبول خلال أيام".

ورغم كل التعقيدات الإدارية والعقبات المادية، قررت البحث عن عمل في ناد رياضي في إسطنبول لفترة محددة للتعرف إلى الوضع بشكل عام والحصول على سمعة جيدة وذلك قبل اتخاذ قرار بشأن مشروعها الخاص. فلا يمكنها فتح مشروع جديد إذا لم يكن لديها شبكة اتصال قوية في أي ولاية تستقر فيها.

واليوم وبعد شهر من البحث والتنقل بين الولايات التركية استطاعت ديالا العثور على نادٍ رياضي يديره مدرب سوري في منطقة إسنيورت بإسطنبول للعمل بشكل مؤقت كشريكة، إذ يقيم المدرب في النادي عادة دروساً في رياضة الـ"كيك بوكسينغ" في الفترة المسائية، في حين ستشرف ديالا على الفترة الصباحية المخصصة للنساء.

وتأمل ديالا أن يشكل انتقالها إلى إسطنبول وبدء العمل الجديد خطوة قد تعيد الاستقرار إلى حياتها المهنية وحياة أسرتها المكونة من طفلين، وأن تجد حلاً قانونياً يساعدها على البقاء والعمل في إسطنبول.

مركز السورية ديالا في أنطاكيا (تلفزيون سوريا)

دراسة الاحتمالات

تتشابه قصة ديالا وما حصل بمقر ّعملها الخاص مع ما حدث لمركز تجميل وحلاقة نسائية تديره اللاجئة السورية غالية حسيكو منذ ما يقرب 9 سنوات في أنطاكيا قادمة من سوريا، حيث دمر زلزال شباط بناء المركز وحطّم الأجهزة الخاصة به.

وتقول غالية في مقابلة مع موقع تلفزيون سوريا إنها كانت تدير مركزاً فيه أقسام للتجميل وأخرى للمكياج وقسم للعناية بالجلد.

وأدى توقف المركز عن العمل إلى إيقاف دخل أسرة غالية وأسر الموظفات في الصالون، ولم تستطع غالية إعادة افتتاح المركز بسبب تعرضه لأضرار بالغة كما أنها لم تمنح موافقة لدخول البناء وإخراج ما تبقى من معدات خوفاً من سقوط البناء خلال تفريغه.

وتسعى غالية صاحبة الـ25 سنة خبرة في مجال التجميل والحلاقة النسائية لإعادة افتتاح مركز جديد رغم الخسائر الكبيرة التي تعرضت لها من جراء الزلزال، وقاربت 500 ألف ليرة تركية.

وتنقلت في سبيل ذلك بين عدة ولايات تركية للبحث ودراسة الأسواق، فكانت وجهتها الأولى إلى ولاية مرسين الساحلية حيث تفقدت أسعار إيجار المحال التجارية والعقود المتاحة في الولاية، إلا أن طبيعة المدينة السياحية ووصول آلاف من الناجين من الزلزال إليها رفع الأسعار بشكل غير منطقي وفقاً لتعبيرها.

كما حاولت استطلاع فرص العمل الممكنة في إسطنبول وإمكانية افتتاح مركز جديد في المدينة، إلا أن صعوبة تعديل الوضع القانوني للسوريين وارتفاع الإيجارات جعلها تتراجع عن الفكرة.

ولم تيأس غالية من البحث لتعود مرة أخرى نحو الجنوب التركي وبالتحديد مدينة الريحانية الحدودية مع سوريا، إذ تعتقد أن مدينة كهذه ستكون مناسبة لإعادة افتتاح عملها كونها تكتظ بالسوريين والإيجارات لم تشهد تلك القفزات بالأسعار.

وغالية وديالا لم تكونا السيدتين السوريتين الوحيدتين اللتين تأثرتا بالزلزال وتضررت أعمالهما، وإنما هناك عشرات سيدات الأعمال السوريات الأخريات وجميعهن لم يستسلمن وعُدنَ للمحاولة مجدداً في النهوض بأنشطتهن التجارية من بين أنقاض الزلزال.

أضرار مالية بتريليوني ليرة تركية

يذكر أن وزارة الخزانة والمالية التركية أعلنت قبل أيام أن حجم الأضرار المادية التي نتجت عقب الزلزال بلغت تريليوني ليرة تركية، ما يوازي 103.6 مليارات دولار أميركي، مشيرة في تقرير إلى أنّ الخسائر تعادل نحو 9 في المئة من توقعات الدخل القومي لعام 2023.

ولم تصدر الجهات الرسمية التركية إحصائية تتعلق بخسائر اللاجئين السوريين في البلاد على المستوى الاقتصادي لكن حجم الدمار الكبير في مدن الجنوب وأرقام الخسائر العامة يؤكد أنّ الضرر طال جميع السكان من مواطنين ولاجئين.

"1.7 مليون لاجئ سوري في مدن الجنوب التركي"

وبحسب إحصائية رسمية صادرة في 16 شباط 2023، فإن تعداد السوريين في مناطق الجنوب التركي بلغ نحو 1.7 مليون لاجئ والنسبة الكبرى منهم تقيم في غازي عنتاب وأورفا وهاتاي وأضنا وكهرمان مرعش.

ومعظم العائلات السورية في تلك الولايات تأثرت بفعل الزلزال فإما فقدت فرداً من العائلة أو تضررت منازلها أو تهدمت أماكن العمل الخاصة بها، وبينهم أصحاب الأعمال الذي فقدوا مشاريعهم الخاصة تحت الأنقاض.