icon
التغطية الحية

"سمسرة طبيَّة".. مرضى سوريون يشترون أدوية علاجهم في مشاف "حكومية"

2021.10.25 | 07:15 دمشق

مشفى المواساة دمشق
مشفى "المواساة" في دمشق
دمشق - خاص
+A
حجم الخط
-A

يعجز نظام الأسد، بعد عشر سنوات من الحرب التي يشنّها على السوريين، عن تقديم الخدمات الطبية "المجانية" في المشافي "الحكومية" التابعة له، للسكّان القاطنين في مناطق سيطرته.

حصل فادي (اسم مستعار) على إبرة مميّع للدم "ستربتوكيناز" بعد ثلاث ساعات من إسعافه مُغمى عليه إلى أحد المشافي "الحكومية" في مدينة دمشق، من جرّاء تعرضه لجلطة قلبية.

ويقول الرجل الخمسيني لموقع تلفزيون سوريا إنَّ "المشافي الحكومية لم تعد كما كنا نعرفها، إذ أصبح كل شيء مأجور باستثناء أجرة التخت المجانية حتى اليوم".

معظم مشافي العاصمة دمشق تعاني نقصاً في الأدوية العلاجية والإسعافية، وسط تدهور القطاع الصحي في مناطق سيطرة "النظام"، وتحوّل الخدمات التي تقدمها تلك المشافي من شبه مجانية "كما كان يتغنى بها مسؤولو النظام" إلى مأجورة في ظل انخفاض مستوى دخل الفرد وتضخم الأسعار.

رحلة البحث عن إبرة

يروي فادي معاناة ذويه في الحصول على تلك إبرة "ستربتوكيناز" لأكثر من ثلاث ساعات، إذ بحثوا عنها في جميع المشافي الخاصة بمدينة دمشق، بينما تقول شقيقته: "لم يهدأ هاتفي الجوال وأنا أجري اتصالاتي بجميع معارفي للاستشارة والبحث عن الإبرة".

وذكرت أنَّ ما كان يقلقها مرافقة زوجها المطلوب للخدمة الاحتياطية في قوات النظام، ومشاركته في عملية البحث وهي تجوب شوارع دمشق ليلاً، مضيفةً "بعد عناء طويل جاءها اتصال من صديقتها تطلب منها الذهاب (من دون شوشرة) إلى قسم العناية القلبية في مشفى الرشيد الخاص، حيث يوجد الطبيب (س) وسيعطيها الإبرة مباشرةً".

وطلبت صديقتها منها ألا تعرض عليه المال داخل المشفى، على أن تعطيه الثمن في مكان ما خارجه، وهكذا تنفّست شقيقة فادي الصعداء بعد حصولها على الإبرة التي كان من المفترض أن تُعطى لأخوها مباشرةً بعد وصوله للمشفى كحل إسعافي.

وتُباع إبرة "ستربتوكيناز" حصراً في المشافي الخاصة بعدة أسعار تتراوح بين الـ150 ألف و200 ألف ليرة سورية، في حين كانت سابقاً تُباع في بعض الصيدليات، وتُعطى للمرضى مجاناً في المشافي الحكومية، بحسب إفادة طبيب مختص في العاصمة دمشق.

وأضاف الطبيب - فضّل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية - أنَّ هذا النوع من الأبر يخضع لحالة من "السمسرة الطبية" رغم توفره في المشافي الخاصة، التي تمتنع عن بيعه للمرضى إلا عن طريق "الواسطات والمعارف".

وذكر بأنَّ معظم الأدوية الأجنبية وحتى الوطنية منها دخلت في حالة من الاحتكار من قبل بعض أصحاب المعامل والصيدليات بالاتفاق مع بعض المشافي الخاصة والعامة في محاولة منها لتحقيق أكبر قدر من الربح دون أي اعتبار لمهنة الطب وحق المريض في العلاج.

مشاف "مجانية" بخدمات مأجورة

لا تقتصر معاناة المرضى في مشافي "النظام" على صعوبة تأمين الأدوية الغالية الثمن، إنما يتعدى الأمر إلى إجبار المرضى على إجراء جميع الفحوص الطبية والتحاليل في مراكز خارج المشافي، بذريعة عدم توفرها.

وهذا ما حدث مع فادي، إذ قال لموقع تلفزيون سوريا إنَّ "جميع التحاليل والفحوص التي أجراها كانت خارج المشفى الحكومي وبتكاليف مضاعفة"، مردفاً أنّ "الكادر الطبي والتمريضي في المشفى الذي أُسعف إليه كانت معاملته سيئة ناهيك عن أن بعض الأطباء لا يعتنون بالمريض إلا في حال ذهابه لعيادته الخاصة".

بدوره أشار طبيب مقيم في دمشق إلى توجّه المشافي الحكومية للتخلي عن مجانيتها الكاملة بسبب عجز المنظومة الصحية لدى "النظام"، واقتصار المجاني منها على حجز السرير فقط وبعض الإسعافات الأولية البسيطة.

وتابع "أحد المشافي الحكومية يتعاقد مع شركة طبية خاصة لتأمين مواد طبية وعلاجية وأدوية غير متوفرة فيه لإجراء عمليات للمرضى، وبتكاليف عالية إذ بلغت تكلفة عملية أُجريت منذ أيام في المشفى حوالي 16 مليون ليرة قبضتها الشركة الطبية من أحد المرضى الذي تعرض لجلطة دماغية".

أما محمود (56 عاماً) فاضطر لشراء "سرنغ" (مِحقنة) لسحب الدم وإجراء التحليل في المخبر المقابل للمشفى الذي يتعالج به، نتيجة فقدانه في المشافي الحكومية، قائلاً لموقع تلفزيون سوريا: "حتى السرنغ أصبح غير متوفر، ويحتاج المريض أو أحد مرافقيه للخروج من المشفى وشرائه".

وأضاف بأنَّ "المرضى ينتظرون بالدور كي يكشف الطبيب عن حالتهم، وفي بعض الأحيان يضطر المريض للبقاء في غرفة الإنعاش لأيام، حتى يُنقل إلى القسم المختص بمعالجته، بسبب امتلاء الأسرة".

القطاع الصحي في سوريا

يشار إلى أنّ القطاع الصحي في سوريا يعاني من هجرة عدد كبير من الأطباء السوريين إلى خارج البلاد، وخاصة إلى الصومال واليمن، ووفقاً لأرقام "النظام" فقد هاجر، خلال السنوات الماضية، قرابة 40% من الأطباء المسجلين في سوريا، أي نحو 12 ألف طبيب من أصل نحو 32 ألف طبيب مسجلين رسمياً.