وصل سلاح الطائرات المسيرة الانتحارية إلى يد النظام السوري في سياق توظيف التقنيات والأسلحة المتطورة في المعارك، والمسيرات التي بدأت كأدوات للاستطلاع تحولت تدريجياً إلى أسلحة هجومية فعالة. في العام 2024، اتخذ النظام السوري خطوة جديدة في استراتيجيته العسكرية بالاعتماد على الطائرات المسيرة الانتحارية، حيث استخدمها لضرب أهداف عسكرية ومدنية على حد سواء، بدعم من الميليشيات الإيرانية وتحت إشراف روسي.
تتميز هذه الطائرات بالقدرة على الوصول إلى أهدافها بدقة عالية وبكلفة متفاوتة، إلا أن هذا السلاح الجديد في الحرب المُنتج لتلبية الطلب على الدقة في الاستهداف وملاحظة العدو، استخدمه النظام كأداة مدمرة ضد المدنيين بشكل أساسي.
أبرز أنواع الطائرات المُسيرة المستخدمة من قبل النظام وميليشياته
تستخدم قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية مجموعة متنوعة من الطائرات المسيرة الانتحارية، مما يعكس امتلاكها لترسانة متنوعة لتحقيق أهداف تكتيكية مختلفة.
من أبرز الأنواع المستخدمة:
طائرات DJI
- بلد المنشأ: الصين
- الغرض الأصلي: الاستخدام التجاري، خاصة في التصوير الفوتوغرافي والفيديو.
- التعديلات: تم تعديل هذه الطائرات، التي صممت في الأصل للاستطلاع والاستخدامات المدنية، من قبل النظام السوري لتحمل متفجرات. تتضمن التعديلات القدرة على حمل حمولات وتحويل هذه الطائرات إلى أسلحة هجومية باتجاه واحد. حجمها الصغير ودقتها يجعلانها فعالة في استهداف البنى التحتية العسكرية والمدنية.
طائرات Emax
- بلد المنشأ: الصين
- الغرض الأصلي: سباقات الطائرات عالية الأداء والأنشطة الترفيهية.
- التعديلات: تعرف طائرات Emax بسرعتها وخفتها، وقد تم تعديلها لحمل حمولات متفجرة صغيرة. تم تكييف هذه الطائرات للاستخدام الهجومي، مما يسمح لها بتنفيذ هجمات سريعة ومرنة على الأهداف. خفتها وسرعتها تجعلها فعالة في ضرب البنية التحتية المدنية والمواقع العسكرية.
iFlight XL10 V6
- بلد المنشأ: الصين
- الغرض الأصلي: الاستخدام الترفيهي، بما في ذلك التصوير الفوتوغرافي والفيديو.
- التعديلات: تمت إعادة استخدام طائرة iFlight XL10 V6، التي تعد في الأصل طائرة رباعية مرنة ومتينة، من قبل النظام السوري والميليشيات الإيرانية لحمل المتفجرات. مع تعزيز قدرة الحمولة وإضافة آليات الاستهداف، أصبحت هذه الطائرة أداة فعالة في تنفيذ ضربات دقيقة على المناطق المدنية، بما في ذلك المباني السكنية والمركبات.
TBS Discovery
- بلد المنشأ: هونغ كونغ
- الغرض الأصلي: طائرة ترفيهية معروفة بإطارها المعياري وقابليتها للتكيف.
- التعديلات: تم تعديل طائرة TBS Discovery أيضاً لتحمل متفجرات. استفاد النظام السوري من تصميمها القوي لتحويلها إلى سلاح قادر على إحداث أضرار كبيرة. إطارها القوي يسمح لها بحمل حمولات ثقيلة، مما يجعلها قادرة على تدمير البنية التحتية المدنية والأهداف العسكرية بشكل كبير.
الطائرات الروسية الصنع
- بلد المنشأ: روسيا
- الغرض الأصلي: طائرات مسيرة عسكرية مصممة للاستطلاع والضربات المستهدفة.
- التعديلات: تستخدم هذه الطائرات، التي تتميز بتقنيات عسكرية أكثر تطوراً، في المجال الجوي السوري، مما يشير إلى دعم روسي. تعتبر هذه الطائرات أكبر وأكثر قوة من النماذج التجارية، مما يسمح لها بحمل حمولات متفجرة أكبر وتنفيذ هجمات مدمرة على الأهداف العسكرية والمدنية.
أنماط هجمات المُسيرات في يوليو 2024
شهد شهر يوليو تصاعداً ملحوظاً في استخدام الطائرات الانتحارية، حيث تم إطلاق 84 مسيرة خلال الشهر. تظهر البيانات أن معظم هذه الهجمات كانت موجهة نحو البنية التحتية المدنية، بما في ذلك المنازل والمركبات، مما تسبب في وقوع إصابات بشرية وأضرار جسيمة بالممتلكات. سجلت أيام 15 و31 يوليو أكبر عدد من الهجمات، حيث تم إطلاق 15 و12 مسيرة على التوالي.
تشير هذه الزيادة الملحوظة في نشاط الطائرات المسيرة إلى فترات من التصعيد المكثف في استخدامها، والتي يبدو أنها جزء من عمليات مخططة ومركزة تستهدف أهدافاً استراتيجية. من المحتمل أن هذه الهجمات تهدف إلى إضعاف البنية التحتية اللوجستية للفصائل المعارضة، وفي الوقت نفسه تسعى إلى نشر الخوف والذعر بين السكان المدنيين، بهدف خلق ضغوط نفسية عليهم ودفعهم إلى النزوح أو الاستسلام.
التصعيد المستمر في أغسطس 2024
في أغسطس، تفاقمت الأزمة، حيث تم إطلاق 50 طائرة بين 1 و31 أغسطس 2024. تميز الشهر بهجمات أكبر، خاصة في 6 و14 أغسطس، حيث تم إطلاق 16 و14 طائرة على التوالي. تسببت هذه الهجمات في أضرار كبيرة للبنية التحتية، خاصة للمنازل والمركبات.
تطور دقة الهجمات بالطائرات المسيرة في شمال غربي سوريا: انخفاض العدد وزيادة الاستهداف المباشر للمدنيين
تشير البيانات المتعلقة بالهجمات بالطائرات المسيّرة التي نفذتها قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية على شمال غربي سوريا خلال شهري تموز وآب 2024 إلى وجود تغييرات ملحوظة في نمط العمليات، سواء من حيث العدد أو نوعية الأهداف أو دقة الضربات. ففي شهر تموز، تم تسجيل 84 هجوماً بالطائرات المسيّرة، تم تحييد 23 منها، مما يعني أن نحو 27.38% من هذه الطائرات لم تصل إلى أهدافها، في حين أن 72.62% نجحت في إصابة أهدافها.
بالمقارنة، شهد شهر آب انخفاضاً في العدد الإجمالي للهجمات، حيث تم تنفيذ 50 هجوماً فقط، وتم تحييد 16 طائرة منها، وهو ما يعادل نسبة تحييد أعلى بلغت 32%. وعلى الرغم من هذا التراجع الكمي في عدد الهجمات، إلا أن نسبة الطائرات التي وصلت إلى أهدافها بقيت مرتفعة، حيث بلغت 68%.
ورغم أن هذا التراجع العددي قد يبدو في البداية مؤشراً إيجابياً، إلا أنه يجب النظر إلى نوعية الأهداف التي تم استهدافها والدقة المتزايدة في هذه الهجمات. فقد رافق الانخفاض في العدد زيادة ملحوظة في استهداف المدنيين والبنية التحتية الحيوية.
فعلى سبيل المثال، في هجوم 14 آب، أصيب ثلاثة مدنيين (من بينهم اثنان من الأطفال) وتم تدمير خمس سيارات وثلاثة منازل، مما يعكس تصعيداً في دقة الاستهداف وتوجيه الضربات إلى المناطق السكنية والمرافق المدنية. كما استمر استهداف البنية التحتية بشكل متكرر خلال شهر آب، مما أدى إلى إلحاق أضرار كبيرة في مناطق حيوية.
يتضح من هذه المقارنة أن انخفاض عدد الهجمات في آب لم يكن بالضرورة علامة على تراجع فعالية الهجمات أو تخفيف وطأتها على المدنيين. على العكس، فإن هذا التراجع ترافق مع زيادة في دقة الاستهدافات، حيث أصبحت الطائرات المسيرة أكثر توجيهاً نحو الأهداف المدنية، بما في ذلك المنازل والسيارات والمرافق العامة. هذا التحول يعكس تطوراً في استراتيجية النظام السوري والميليشيات الإيرانية، حيث باتت الهجمات تستهدف بشكل مباشر المدنيين والمنازل، ما يشير إلى محاولة زيادة الضغط النفسي على سكان شمال غربي سوريا.
الخلاصة التي يمكن استخلاصها من هذا التحليل هي أن الانخفاض في عدد الهجمات لا يعني بالضرورة تحسناً في الوضع الإنساني أو العسكري، بل على العكس، قد يشير إلى تحول في أساليب الاستهداف نحو ضربات أكثر دقة وأكثر تأثيراً على السكان المدنيين، مما يجعل هذه الهجمات أكثر فتكاً وأكثر إضراراً بالحياة اليومية للسكان.
الانخفاض في عدد الهجمات لا يعني بالضرورة تحسناً في الوضع الإنساني أو العسكري، بل على العكس، قد يشير إلى تحول في أساليب الاستهداف نحو ضربات أكثر دقة وأكثر تأثيراً على السكان المدنيين
اتجاه جديد في أيلول 2024: استهداف خطوط المواجهة
في النصف الأول من أيلول 2024، أطلق النظام السوري 40 طائرة انتحارية، وهو أكبر عدد تم إطلاقه في فترة أسبوعين منذ بدء التصعيد في الهجمات في أواخر حزيران. هذه الزيادة في النشاط تمثل تحولاً في استراتيجية الاستهداف، حيث تم توجيه 12 طائرة نحو خطوط المواجهة التابعة لهيئة تحرير الشام وغرفة عمليات الفتح المبين (أي 30% من العدد الإجمالي)، في حين تم توجيه 10 طائرات أخرى نحو البنية التحتية المدنية (أي 25% من العدد الإجمالي). يمثل هذا التحول الكبير تطوراً جديداً، حيث بدأ النظام والميليشيات الإيرانية بالتركيز على الأهداف العسكرية أكثر من المدنية.
يرجع تركيز النظام المتزايد على قوات المعارضة إلى عدة تصعيدات عسكرية رئيسية قامت بها هيئة تحرير الشام وغرفة عمليات الفتح المبين، أبرزها هجوم فرقة الساحل شمال شرق اللاذقية الذي أسفر عن مقتل 12 جندياً من النظام، وهجوم هيئة تحرير الشام على جبهة كباشين وأسرها لجنديين من قبل قوات النظام.
بالمقارنة مع الهجمات في تموز وآب، نلاحظ أن الهجمات في أيلول باتت أكثر تنوعاً في نوعية الأهداف، مع زيادة في استهداف المواقع العسكرية للمعارضة. ومع ذلك، لا تزال 25% من الهجمات موجهة نحو البنية التحتية المدنية، مما يعكس استمرار الضغط على المدنيين. في المقابل، تم تخصيص 30% من الهجمات لمواقع عسكرية، مما يمثل تحولاً تكتيكياً في استراتيجيات الهجمات بالطائرات المسيرة.
الخلاصة التي يمكن استخلاصها من هذه المقارنة هي أن شهر أيلول شهد تصعيداً ملحوظاً في وتيرة الهجمات، مع زيادة ملحوظة في العدد والدقة، وتحولاً في نوعية الأهداف، حيث أصبح النظام السوري يركز على ضرب المواقع العسكرية بجانب استمراره في استهداف البنية التحتية المدنية، ما يعكس تنوعاً في الاستراتيجيات المستخدمة.
التحليل الاستراتيجي: تكتيكات النظام السوري في حرب الطائرات المسيرة الانتحارية
تعد الهجمات بالطائرات المسيرة التي يشنها النظام السوري متعددة الأبعاد ولا يمكن اختزالها في غاية واحدة. فمن المحتمل أن تكون هذه الهجمات جزءاً من عمليات تجريبية وتدريبية تهدف إلى تحسين استخدام هذه الطائرات في العمليات العسكرية المستقبلية. كما قد تشكل وسيلة لاختبار مدى قدرة الفصائل المعارضة على التصدي لمثل هذه الهجمات، وبشكل عام تعكس استراتيجية النظام السوري عدة أبعاد تكتيكية ونفسية من خلال استخدام الطائرات المسيرة الانتحارية، ولعل أبرزها مايلي:
- تنويع الأسلحة الجوية: تنويع الطائرات المستخدمة يشير إلى استراتيجية متقدمة تتيح للنظام تنفيذ ضربات مرنة وفعالة. الطائرات الخفيفة مثل DJI وEmax وغيرها، والتي تستخدم لضربات سريعة ودقيقة، في حين أن الطائرات الروسية الأكبر حجماً قادرة على تنفيذ ضربات مدمرة بقدرة تدمير عالية. هذا التنويع يعطي النظام القدرة على تعديل استراتيجيته تبعاً للأهداف المختلفة، سواء كانت عسكرية أو مدنية.
- الهجمات على المدنيين كأداة ضغط نفسي: يستهدف النظام المدنيين بشكل متعمد كجزء من استراتيجية الضغط النفسي على المعارضة. يتضح هذا من خلال الهجمات المتكررة على المنازل والمركبات في تموز وآب 2024، والتي تهدف إلى نشر الرعب بين السكان المحليين وإجبارهم على النزوح. كما يمثل التعامل مع الطائرات المسيرة الانتحارية للمدنيين تحدياً كبيراً، نظراً لصعوبة التنبؤ بتوقيت إطلاقها أو مواقع سقوطها. حتى في حال اعتراض هذه الطائرات أو إسقاطها، تظل خطورتها قائمة، حيث تنفجر فور ارتطامها بالأرض أو بمجرد لمسها، مما يؤدي إلى أضرار جسيمة وخسائر بشرية في المناطق المستهدفة، مما يشكل ضغطاً لوجستيا وأمنياً على المعارضة، وبالتالي تسهم في زعزعة الاستقرار وإضعاف معنويات السكان وقوات المعارضة على حد سواء.
- التكيف مع التغيرات في ساحة المعركة: مع تطور الأحداث الميدانية، أظهر النظام قدرة على التكيف مع التطورات العسكرية. في أيلول 2024، تحول التركيز من استهداف المدنيين إلى ضربات مباشرة على المواقع العسكرية التابعة للمعارضة. هذا التحول يعكس استجابة استراتيجية للهجمات التي شنتها قوات المعارضة على مواقع النظام. يُظهر هذا التكيف رغبة النظام في إضعاف خطوط الدفاع الأمامية للمعارضة واستعادة الزخم العسكري.
- التأثير المكاني والفوري: حيث تتسبب في تدمير واسع وسقوط ضحايا، مما يخلق نوعاً جديداً من الأزمات في المناطق المتضررة. هذا بالإضافة إلى أن سكان هذه المناطق بدؤوا يفكرون في النزوح خوفاً من التصاعد المستمر للعنف والهجمات. ويُضاف إلى ذلك أن غياب الخيارات الاقتصادية وسبل العيش يضع العديد من السكان تحت تهديد دائم بفقدان حياتهم في أي لحظة.
- الدعم الروسي والإيراني: يشكل الدعم الروسي والإيراني للنظام السوري عنصراً حاسماً في استمرار استخدام الطائرات الانتحارية بكفاءة. تقدم روسيا ليس فقط الطائرات والتكنولوجيا المتقدمة ولكن أيضاً التوجيه الاستراتيجي الذي يسمح للنظام بتحقيق أقصى استفادة من هذه التقنية. من ناحية أخرى، تسهم الميليشيات الإيرانية في توفير الدعم التكتيكي الميداني، مما يعزز من فعالية الهجمات الجوية ويساهم في نجاحها. ولكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت القيادة الفعلية لاستخدام هذا التكتيك الجديد تتم تحت إشراف مباشر من القوات الروسية على الأرض، أو ما إذا كان هناك دور إيراني في هذه العمليات. ومع ذلك، تشير الأدلة المستمدة من التسجيلات المرئية والصور المتاحة إلى أن ضباطاً روسيين هم من يتولون تدريب قوات النظام السوري على تشغيل وإطلاق الطائرات المسيرة، بالإضافة إلى تقنيات اعتراض "الدرون".
باختصار، تميزت استراتيجية النظام السوري باستخدام الطائرات الانتحارية بأنها مرنة ومتعددة الأبعاد، حيث جمعت بين الأثر النفسي والتأثير التكتيكي.
في ضوء التصعيد المستمر لاستخدام الطائرات المسيرة الانتحارية في شمال غربي سوريا، يُظهر النظام السوري قدرة تكتيكية عالية في التكيف مع مجريات المعركة، سواء من حيث تنويع الأسلحة الجوية أو من خلال توجيه ضرباته بشكلٍ أكثر دقة ضد أهداف مدنية وعسكرية.
التراجع العددي في الهجمات خلال شهر آب لم يكن بالضرورة علامة إيجابية، بل ترافق مع زيادة خطيرة في دقة الاستهداف وتوجيه الضربات إلى المدنيين والمرافق الحيوية.
ومع التحول الذي شهده النصف الأول من شهر أيلول نحو استهداف خطوط المواجهة للمعارضة، فإن النظام السوري يظهر مرونة استراتيجية في تعديل تكتيكاته بما يتماشى مع تطورات ساحة المعركة.
وعلى الرغم من الدعم الروسي والإيراني الذي يساهم في استمرار وتيرة هذه الهجمات، إلا أن الأسلوب المستخدم يعكس تكتيكات ضغط نفسي وهجومي معقدة، تسعى إلى إرهاق قوى المعارضة وإجبار السكان على الهروب، مما يعزز السيطرة العسكرية والسياسية للنظام في المناطق المستهدفة.