سقوط النظام.. من القصير إلى السفيرة إلى حدود إدلب 

2020.04.29 | 00:00 دمشق

alqsyr.jpg
+A
حجم الخط
-A

في بداية العام ٢٠١٣ لم يعد النظام يسيطر سوى على ٣٠ بالمئة فقط من الأرض السورية. خرجت مساحات شاسعة من البلاد عن تحكم قواته، وبات الثوار أسياد الجزء الأكبر من الأرض حتى بدا أن الأمور تسير إلى نهايتها وأن النظام يقترب تماماً من السقوط.

كان بإمكان الفصائل، بل أي معارض، أن يقطع البلاد من أقصى جنوبها في درعا إلى أقصى شمالها في القامشلي، ومن أقصى الشرق في دير الزور إلى أقصى الغرب في ريف اللاذقية، ولم تكن هناك أي محافظة تقريباً إلا وللثوار فيها وجود وسيادة.

كانت إحدى أكبر تجليات هذه السيطرة أن المعارضة باتت تستطيع بسهولة مساعدة من يريد الانشقاق عن قوات النظام وايصاله إلى ذويه في أي مكان كانوا.. خرجت الكثير من قوافل المنشقين وقتها دون عائق، ووصل الناجون من قبضة جيش الأسد إلى ديارهم آمنين دون أن يعترضهم عارض من الخوف.

في ذلك الوقت بدا أن سقوط النظام مجرد وقت ليس إلا، وبدأنا كلنا نتحدث عن هذا الأمر وكأنه محسوم لا ينتظر تحقيقه سوى خطوة أو خطوات.. كل شيء كان يسير على ما يرام بالنسبة لنا في ذلك الوقت، باستثناء طبعاً عمليات القصف الإجرامية التي كان النظام لا يتوقف عن تنفيذها ويسقط بسببها ضحايا مدنيون باستمرار.

كإعلاميين، كنا نخرج بعد كل حادثة قصف لنغطي نتائجها، وكنا نندهش من وجود فئة ترفض التصريح أمام الكاميرات والإدلاء بالشهادة حول ما حصل "خوفاً من النظام"!

وهل ما زال هناك من يعتقد فعلاً أن النظام يمكن أن يعود ؟!

كان الأمر مزعجاً جداً لنا، ولكل المعارضين بطبيعة الحال، ورغم أن جزءا لا بأس به من تلك الفئة (المتحفظة) لم يكن من المؤيدين، فإن موقفهم هذا كان يثير غيظنا وكنا نعبر عن الامتعاض بسؤال استهجاني: وهل ما زال هناك من يعتقد فعلاً أن النظام يمكن أن يعود؟!

كان أكثر من تسعين بالمئة من ريف حلب تحت سيطرة الفصائل، ونحو ستين بالمئة من المدينة أيضاً، وكان النظام يفقد المزيد من الأرض ومن القوة ومن الهيبة يوماً بعد يوم، ولذا فإن مجرد التفكير بأنه سيتمكن من النهوض مرة أخرى، أو لنقل استعادة السيطرة على كل ما فقده مجدداً، لم يكن بنظر الكثيرين سوى ضرب من الخيال، أو نتيجة للخوف المزمن الذي زرعه النظام في قلوب الناس.

لم نفكر للحظة في إمكانية هذا الاحتمال، وحتى عندما نجح النظام بالسيطرة على مدينة القصير في ريف حمص صيف العام ٢٠١٣ بمساعدة قوات "حزب الله" اللبناني الذي كان قد دخل المعركة بشكل رسمي وبكل قوته في ذلك الوقت، كان الأمر يبدو ككبوة فرس ليس أكثر، ويبدو أن لواء التوحيد وحده فقط من أدرك خطورة الأمر في ذلك الوقت، فخرج عدد من قادته يقودون مجموعة إسناد من اللواء للقتال إلى جانب أبناء القصير.

بعد ذلك بثلاثة أشهر أطلق النظام، وقد أصبح لديه عدد كبير من مقاتلي الميليشيات التي جلبتها إيران إلى سوريا من العراق وأفغانستان وباكستان، أطلق عملية دبيب النمل شرق حلب، واستطاع أن يسيطر على مساحات واسعة من ريف حلب الجنوبي، ثم وصل إلى مدينة السفيرة الاستراتيجية وسيطر عليها، قبل أن يصبح على مشارف المدينة من جنوبها الشرقي.

تتالت فيما بعد خسائر الفصائل، ودخل النظام منطقة النقارين، ثم المدينة الصناعية في الشيخ نجار، وتوجه بعد ذلك إلى المسلمية شمالاً، فاتحاً بذلك طريق عودته التي تمت له بالفعل وعلى مراحل انتهت بخروج المعارضة والثوار من حلب نهاية عام ٢٠١٦ بعد أن كانت روسيا قد دخلت المعركة بكل قوتها إلى جانبه.

لم يسقط النظام، وما كنا نسخر منه ونعتقد أنه ضرب من المستحيل والأوهام بات حقيقة

لم يسقط النظام، وما كنا نسخر منه ونعتقد أنه ضرب من المستحيل والأوهام بات حقيقة، ومن كنا نسخر منهم ومن خوفهم ونعتبرهم مجرد واهمين باتوا يسخرون منا ويذكروننا بكلامهم وكلامنا..!

كيف حدث ذلك.. بأي طريقة وبأي وسائل وبأي ثمن تحقق للنظام ما تحقق؟ هذا حديث يطول سبق أن خاض به الجميع على أي حال ولسنا هنا بوارد مناقشته، بل مناقشة أمر شديد الصلة به.

لقد حفل الأسبوعان الماضيان على وجه الخصوص بعودة الحديث وبقوة عن نهاية بشار الأسد وسقوط النظام بشكله الحالي، لصالح عملية سياسية تعمل على إنتاجها قوى إقليمية ودولية، وبالتحديد روسيا وتركيا.

تساند هذه الأخبار المعلومات التي تشير إلى قرب تخلي موسكو عن الأسد، وهي معلومات تحليلية تعتمد على مضمون عدد من المواد الإعلامية التي نشرتها وكالات أنباء وصحف روسية، وكانت بمجملها سلبية تجاه النظام، تتحدث عن الفساد المستشري في الحكم وتحذر من أي إضرار بالهدنة المطبقة في إدلب، وتطالب بضرورة دعم أعمال اللجنة الدستورية التي عادت إلى الحياة مجدداً بعد سبات.

بالتوازي، أو ربما كان ما سبق عاملاً مشجعاً، انطلقت حملة ترشيحات للانتخابات الرئاسية القادمة في سوريا عام ٢٠٢١.

أمر بقدر ما أثار من سخرية، بقدر ما حفز أيضاً التطلعات لإمكانية أن يكون خلف كل ما سبق، التصعيد الروسي الكلامي، والترشيحات للرئاسة، عمل سياسي دولي ما، وخطط استخباراتية بالفعل لإحداث تغيير جدي في الوضع القائم بسوريا، يفضي ربما إلى رحيل الأسد والزمرة الحاكمة، وبناء سلطة حكم جديدة من المعارضة والنظام.

والواقع أن مجرد تخيل هذا الأمر، على الأقل وفق هذين المعطيين الضعفين جداً، هو من السذاجة بمكان أكبر بكثير من سذاجة تخيلنا سقوط النظام عام ٢٠١٣.. بل إن معطيات سقوط النظام في ذلك الوقت كانت أقوى وأكثر بما لا يقارن من هذه الدلالات الساذجة التي راح الكثيرون يعتمدون عليها في تطلعاتهم وتمنياتهم اليوم.

إن الحديث عن قبول النظام بإنجاح عمل اللجنة الدستورية، على محدودية دور وقدرة وأثر ما سينتج عن هذه اللجنة، إنما يعبر عن بساطة شديدة، وسيجد النظام كل الوقت والمهارة لوأد هذا الملف الذي لا يساوي شيئاً في النهاية مقارنة بأي ترتيبات، لا وجود لها حتى الآن، يمكن أن تفضي إلى نهايته وإنتاج نظام حكم جديد، بينما لا يعدو إعلان البعض تحضرهم لانتخابات الرئاسة القادمة ومنافسة بشار الأسد فيها، لا يعدو الهزل.

أما الاعتماد على التصريحات الروسية غير الرسمية، أو لنقل الرسائل غير المباشرة للكرملين المتضمنة في ما نشرته بعض وسائل الإعلام هناك، وفيها هجوم على النظام وانتقاد له بالفعل، فهي وإن تكن شديدة اللهجة وغير مسبوقة، إلا أنها لا تحتمل تأويلاً يذهب إلى حد إمكانية تخلي روسيا عن الأسد، ومن الواضح أن حدود هذه الرسائل لا تتجاوز حدود هدنة إدلب.

لا يعني ماسبق الاستسلام والتسليم النهائي بالهزيمة وانتصار النظام بشكل حاسم، بل التنبيه إلى عدم السقوط مرة أخرى بأوهام والبناء على معطيات واهية ربما يفرحنا أن نتخيل نتائجها، بينما الواقع يقول بغير ذلك فيما يتعلق بهذه المعطيات.