سقوط الدولة السورية

2020.12.26 | 23:02 دمشق

1035356589_0_312_4962_2992_1000x541_80_0_0_ca3e826d0ed0f65f0c2be28311e661a1.jpg
+A
حجم الخط
-A

بقي المصرف المركزي السوري بمنأى عن كل العقوبات الدولية التي تعرض لها النظام طيلة الأعوام الأخيرة، ولكن هذا الاستثناء انتهى في الوجبة الأخيرة من عقوبات قيصر، والتي صدرت عن وزارتي الخزانة والخارجية الأميركيتين في مطلع هذا الأسبوع، بمناسبة مرور عام على دخول القانون مجرى التنفيذ. ومن الملاحظ أن الدفعة الجديدة من العقوبات هي الأقوى حتى الآن، ومن بين الذين استهدفتهم عائلة أسماء الأسد (الأخرس) الذين عملوا طيلة أعوام الثورة بمثابة حراس للنظام، وشكلوا واجهة إعلامية في لندن للدفاع عن جرائمه.

دشنت سياسة تشديد الحصار المالي على بشار الأسد بإغلاق حنفية المصارف اللبنانية التي كانت نافذته إلى العالم الخارجي

وتهدف خطوة وضع المصرف المركزي السوري على لائحة العقوبات الأميركية إلى منع النظام من تلقي، أو تحويل الأموال وفق الطرق المتبعة في النظام المالي العالمي الذي يمر تقنيا عبر الولايات المتحدة، وبذلك يصبح من الناحية العملية شبيها بالمصرف المركزي الإيراني، والذي أخرجته العقوبات الأميركية من التداول الدولي في تشرين الأول الماضي، بعد سلسلة من العقوبات التدريجية بدأت قبل عامين، عندما أطلقت واشنطن سياسة تشديد العقوبات على طهران.

ودشنت سياسة تشديد الحصار المالي على بشار الأسد بإغلاق حنفية المصارف اللبنانية التي كانت نافذته إلى العالم الخارجي. ومن المعروف أن نظام الأسد استخدم النظام المصرفي اللبناني طيلة السنوات الأخيرة من أجل الالتفاف على العزلة الدولية التي واجهها، كما وظف عددا من رجال الأعمال الذين يديرون ثروات آل الأسد مبالغ مالية كبيرة في المصارف اللبنانية، وأرجع الأسد في تشرين الثاني الماضي الأزمة الاقتصادية في سوريا إلى الأموال المودعة في لبنان. وقال إن "ما بين 20 و42 مليار دولار من هذه الودائع ربما فُقدت في القطاع المصرفي اللبناني، وأن هذا الرقم بالنسبة لاقتصاد سوريا رقم مخيف".

وعلى العموم لم يطل الوقت حتى أخذت عقوبات قيصر تثمر عن نتائج مهمة، منها ما هو منظور على صعيد تشقق النظام وانفجار الصراعات داخله، ومن ذلك الخلافات بين الأسد وابن خاله رامي مخلوف الذي كان يعتبر المندوب المالي لإدارة ثروة العائلة. ولكن الأمر سوف يختلف كثيرا مع العقوبات على المصرف المركزي، لما له من دور ورمزية مهمة تتعلق بالدولة السورية، التي تساقطت رموز سيادتها خلال الأعوام العشرة، ولم يبق منها رمز واحد على حاله. وأول الرموز التي انهارت كان الجيش السوري الذي انقسم في بداية الثورة السورية، حينما وضعه النظام بوجه المتظاهرين السلميين، وشرع يطلق النار على السوريين، وتدهور في الأعوام الماضية حتى تحولت البقية الباقية منه إلى ميليشيات، ولم يعد له صلة بالوطن والوطنية. وكذلك حدود البلاد، التي تمت استباحتها بنشر جيوش أجنبية استقدمها الأسد للدفاع عنه، والأمر ذاته بالنسبة للتنظيمات الإرهابية التي انتقلت إلى سوريا، وأسست كيانات مثل داعش والقاعدة والميليشيات الإرهابية العراقية والإيرانية والأفغانية والباكستانية..إلخ. وفي هذا الوقت باتت ترفرف في هذا البلد رايات أخرى كلها أجنبية. وهذا التدهور الشامل ينسحب على العملة الوطنية التي نزلت من خمسين ليرة أمام الدولار عام 2011 إلى قرابة ثلاثة آلاف في الأيام الأخيرة.

تم انتهاك السيادة السورية بقرار من النظام الذي كابر أمام تظاهرات سلمية طالبت بالإصلاح السياسي لا أكثر، وبدلا من أن يتنازل الأسد قليلا أمام المطالب بالديموقراطية لجأ إلى القتل، ورهن سوريا بكاملها للقوى الأجنبية، وكان من خلال ذلك يفرط بالسيادة الوطنية حتى إنه لم يبق منها شيئا على حاله. وآخرها المصرف المركزي الذي سوف يتحول بمقتضى العقوبات إلى ما يشبه شركة تحويلات تعمل في السوق السوداء.

بعد عشرة أعوام من الثورة لم يسقط النظام بل سقطت الدولة، وانتصرت مقولة الشبيحة "الأسد أو نحرق البلد"، احترق البلد وانهارت الدولة السورية، وبقي الأسد موظفا لدى الروس والإيرانيين، يلعب دور خادم المحتل في مسرحية شكسبيرية.