سقف أميركي ومساع خليجية وعبث أسدي

2023.06.05 | 05:36 دمشق

سقف أميركي ومساعي خليجية وعبث أسدي
+A
حجم الخط
-A

ثلاثة معطيات سياسية في لبنان وسوريا يجري نقاشها اليوم في إطار ترقب فصول المرحلة المقبلة، المعطى الأول الإعلان عن ولادة تكتل برلماني لبناني "سني" يضم نوابا محسوبين على النظام السوري، ما يفتح الباب على تمايز مستقبلي بين النظام وحزب الله في لبنان، أما المعطى الثاني فيكمن في وصول التيار الوطني الحر وقوى المعارضة لتوافق مبدئي على اسم مرشح لرئاسة الجمهورية وهو المدير الإقليمي لصندوق النقد الدولي الوزير السابق جهاد أزعور، والأهم من المعطيين الأولين هو في المواقف العالية السقف للمسؤولين الأميركيين حيال الملف اللبناني، والتي وصلت لحد التهديد بعقوبات تشمل رئيس مجلس النواب نبيه بري.

وبالإشارة لكل تلك المسارات المتقاطعة بات حزب الله مقتنعاً أن كل المسار الإقليمي بات يصب في صالح مرشحه وخاصة بعد لقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وبشار الأسد على هامش القمة العربية، فيما خصوم حزب الله يعتبرون أن مسار التسويات في المنطقة لا بد أن ينعكس على لبنان لصالح إنتاج حل يأتي برئيس جمهورية غير محسوب على الممانعة. في حين لم يخرج حتى اللحظة أي موقف عربي يتبنى دعماً أو موافقة على ترشيح سليمان فرنجية. ولو توفر ذلك لكان عدد أصوات فرنجية قد تخطى 65 صوتاً نظراً لربط جزء أساسي من النواب مصير أصواتهم بالموقف السعودي والقطري.

تشير كل الأوساط الديبلوماسية في واشنطن إلى أنها قرأت في المواقف الصادرة على لسان قياديي حزب الله فور انتهاء اجتماع باريس بين ماكرون والراعي، ما يشبه الاعتراف بانتهاء المبادرة الفرنسية الداعمة لفرنجية

أما الموقف الفرنسي تجاه تبني فرنجية فقد أصيب بنكسة سياسية دامية، وذلك عقب الإعلان عن التوافق المسيحي والمعارض على أزعور، وتبني البطريركية المارونية لهذا التوافق، ما أدى إلى تراجع خطوات فرنسية إلى الوراء، وبات الموقف الفرنسي يتمحور حول عدم تمسك باريس بأي اسم محدّد، بل بوجوب إنجاز الاستحقاق الرئاسي في حدّ ذاته، والتعاطي بواقعية مع التحدّيات الداخلية والتي تتفاقم يومياً، وهذا الموقف تجلى خلال زيارة البطريرك الماروني بشارة الراعي إلى باريس ولقائه ماكرون، والزيارة التي كانت محل رصد ومتابعة، ليس فقط على المستوى الداخلي اللبناني، بل أيضاً على المستوى الخارجي، وتحديداً من الثلاثي الأميركي والقطري والسعودي، أعطت الانطباع أن باريس أقرت بهزيمة مبادرتها، إذ ستباشر بإدخال تعديلات على رؤيتها السياسية تجاه الحل في لبنان.

والإدارة في واشنطن والتي رفعت سقف تهديداتها تجاه المنظومة السياسية، باتت تواكب التطورات والمستجدات الفرنسية عبر مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط بابرا ليف، في حين تشير كل الأوساط الديبلوماسية في واشنطن إلى أنها قرأت في المواقف الصادرة على لسان قياديي حزب الله فور انتهاء اجتماع باريس بين ماكرون والراعي، ما يشبه الاعتراف بانتهاء المبادرة الفرنسية الداعمة لفرنجية، عبر تلويح الحزب بمعادلة الفراغ الطويل والترهيب من الانفلات الداخلي.

وثمة اعتقاد أن الواقع الداخلي في لبنان بات يؤشر إلى مراوحة طويلة تستند إلى تعنت حزب الله في موقفه، إضافة إلى أن المناخ الخارجي خصوصاً في الإدارة الأميركية، يعطي الأولوية المثلى في هذا الظرف الإقليمي لملف العلاقة مع إيران ورغبة في إنجاز الاتفاق النووي مع كل المتطلبات السياسية والمالية المحيطة به، في حين يتابع العالم العربي الارتدادات والنتائج التي ظهرت عقب الاتفاق السعودي ـ الإيراني في بكين، وتطور العلاقة بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وقادة المنطقة وتحديداً أردوغان ونتنياهو ورئيسي، وهو ما يعني أنّ الملف اللبناني سيبقى مجمداً إلى أجل غير مسمى، إلا إذا توافرت ظروف مفاجئة أدت إلى تحريكه الآن وعدم الانتظار.

ستعمل مصر وقطر والسعودية على خلق مظلة إقليمية بتفاهمات أوسع تشمل إيران، ما قد يفتح الباب أمام إنتاج سلطة لبنانية تحمل مشروعاً إصلاحياً حازم المعالم

خصوصاً أنه بات يشكّل تفصيلاً صغيراً مقارنة بالملفات الكبرى في المنطقة وتحديداً سوريا واليمن عربياً، وأوكرانيا عالمياً، ويبدو أن الثنائي الخليجي أي الرياض والدوحة، سيعملان على تحريك الملف اللبناني وعدم تركه جانباً، أولاً لأنّ الظروف الداخلية اللبنانية لم تعد تحتمل. وثانياً لأنّ أي نقاط تتحقق على المستوى اللبناني ستؤدي إلى تسهيل الحلول في ساحات أخرى مثل سوريا واليمن والعراق.

بالمقابل ستعمل مصر وقطر والسعودية على خلق مظلة إقليمية بتفاهمات أوسع تشمل إيران، ما قد يفتح الباب أمام إنتاج سلطة لبنانية تحمل مشروعاً إصلاحياً حازم المعالم، تعطي الأولوية لضبط الأطراف اللبنانية على الصعيد السياسي والأمني والاقتصادي، عبر إعادة الهيبة للدولة، وإعادة لبنان إلى طريق التعافي السريع.

ويتوقع العارفون أن تكون جولات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وأمير دولة قطر إلى الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي مفيدة، حيث سيجري الطرفان السعودي والقطري مجموعة من الدراسات حول لبنان وواقعه وأزمة الحكم فيه وخاصة في مواقع رئيسية في المرفق العام، وهذه الأوراق والدراسات ستكون زبدة النقاشات لجولة الرجلين، وذلك للدفع لإيجاد تسوية في المرحلة الحالية.

لذا فإن تأجيل الاجتماع الخماسي الذي كان من المرجح أن يكون في الدوحة، إلى النصف الثاني من الشهر الحالي، لترتيب الأولويات لدى الأميركيين والأوروبيين في الملف السوري واللبناني، في حين لم يُحسم بعد على أي مستوى ستكون المشاركة بعد الحديث عن اجتماع على مستوى وزراء الخارجية ومديري الاستخبارات؛ لأن أي اجتماع على هذا المستوى سيعني وضع خريطة طريق ملزمة وبدء العدّ العكسي أمام ولادة التسوية اللبنانية.

وعليه فإن تمترس كل القوى خلف شروطها ومطالبها هو نتيجة منطقية في محاولة لتحصيل مكاسب أكبر في المرحلة المقبلة، ومن المهم فهم أسباب دعم النظام السوري لولادة تكتل برلماني "سني" منفصل عن التكتلات البرلمانية الأخرى، حيث يسعى النظام لخلق مشاركة مستقبلية لحلفائه بمعزل عن حزب الله، وهذه الكتلة التي يسعى النظام لتوسيعها ستكون محاولة للعب في "الدومينو" الحكومي مستقبلاً، بعد خسارة الأسد في الانتخابات النيابية الأخيرة لمعظم حلفائه.