سريلانكا وحربها الأهلية

2019.11.28 | 14:38 دمشق

man_looks_out_from_a_burnt_out_home_as_sri_lankan_police_commandos.jpg
+A
حجم الخط
-A

كانت تجربة أقل ما يمكن وصفها بأنها في غاية الروعة لزيارة سريلانكا هذه الجزيرة الواقعة على المحيط الهادي في جنوب آسيا، التي جاءت كمتطلب لمقرر الزيارة الميدانية لمركز إدارة النزاع والعمل الإنساني في معهد الدوحة للدراسات العليا. استمرت الزيارة لعشرة أيام خلال شهر تشرين الأول ٢٠١٩ لمجموعة من طلبة الماجستير ينتمون إلى جنسيات مختلفة، وخلفيات علمية متنوعة.

وعلى الرغم من سنوات الحرب العجاف التي عاشها الشعب السريلانكي بمختلف أطيافه وقومياته ودياناته المختلفة، فإنه شعب طيب مضياف تلاحظ البساطة في أدق تفاصيل حياته. فعندما تقابل الناس النازحين في المخيمات التي تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة الأساسية والطبيعية نلاحظ الابتسامة تعلو وجهوهم مع العلم أنهم يعيشون في هذه المخيمات لفترة تزيد على عشرين سنة.

بالعودة إلى تاريخ سريلانكا نجد أنها وبفضل موقعها الاستراتيجي كملتقى للطرق البحرية الرئيسية، التي تربط بين غرب آسيا وجنوب شرق آسيا، قد لعبت دوراً مهماً إبان فترة طريق الحرير وصولاً للحرب العالمية الثانية، سيطرت بريطانيا على كامل سريلانكا عام ١٨١٥، نشأت بعدها حركات تحرر سريلانكية ناضلت حتى الحصول على الاستقلال عام ١٩٤٨. إلا أن سريلانكا شهدت حرباً أهلية استمرت ما يقارب ربع قرن، ففي العام ٢٠٠٩ أعلنت الحكومة السريلانكية انتهاء الحرب الأهلية الدامية، إثر نجاح الجيش السريلانكي بالقضاء على جبهة نمور التاميل التي كانت تطالب بالانفصال في شمال البلاد، كلفة الحرب كانت مرتفعة للغاية نتيجة الأضرار التي لحقت بالسكان والبنية التحتية.

تتميز سيرلانكا بتعدد لغوي وديني وعرقي، يعتبره البعض عاملاً أساسياً في إثارة الصراع بين الفئات المختلفة خصوصاً عندما تغيب الهوية الوطنية لتحل محلها الهوية العرقية أو المذهبية، حيث يشكل السنهاليون الغالبية العظمى، بالإضافة إلى التاميل و المورو، أما بالنسبة للديانة فهنالك الديانة الهندوسية والبوذية و الإسلامية والمسيحية.

 

إشكاليات القضية السريلانكية:

اتسمت مرحلة الاستعمار بأنها كانت سبباً مباشراً بإحياء التعصب الطائفي في سريلانكا، حيث نقل الإنكليز التاميل ذوي الأصل الهندي من الهند إلى سريلانكا ليستعينوا بهم لإدارة مزارع الشاي المنتشرة هناك والذي تطلب وجود قوى عاملة بشكل كبير وبأجر رخيص، وهو ما لعب دوراً حاسماً في تغيير البنية الاجتماعية والاقتصادية في سيرلانكا.

الأمر الإشكالي الثاني هو إقرار البرلمان قانون اللغة الرسمية للبلاد عام ١٩٥٦، وتضمن استبدال الإنكليزية بالسنهالية، وإلى يومنا هذا يتحدث السريلانكيون لغتين محليتين: الأولى هي السنهالية والثانية هي التاميلية. فعند استبدال اللغة الإنكليزية بالسنهالية شعرت الأقلية التاميلية بالظلم من هذا القرار، وهو ما يتوجب عليهم تعلم اللغة السنهالية للحصول على الوظائف الحكومية. الإشكالية الأخيرة كانت

استمرت مطالب التاميل بالحكم الذاتي الذي قُوبل بالرفض مما دفعهم إلى أخذ منحى انفصالي ومطالبتهم لأول مرة بإقامة دولة إيلام عام ١٩٧٨

حول تعديل دستور البلاد عام ١٩٨٢، إذ إن التعديل أعطى البوذيين مكانة متميزة وجعل واجب الدولة حماية ورعاية الديانة البوذية، كما أنه لم يضع حلاً للمشكلة الطائفية ولهذا السبب استمرت مطالب التاميل بالحكم الذاتي الذي قُوبل بالرفض مما دفعهم إلى أخذ منحى انفصالي ومطالبتهم لأول مرة بإقامة دولة إيلام عام ١٩٧٨، وتشكيلهم جبهة نمور التاميل إيلام LTTE، وهو ما أدى إلى الحرب الأهلية لاحقاً.

لاحظنا خلال وجودنا في سريلانكا أمرين سلبيين، الأول هو عدم رضا الأهالي عن تقدم سير عمليات المصالحة خصوصاً عودة التوترات الطائفية التي نتج عنها أعمال عنف ضد الأقلية المسلمة بعد تفجيرات عيد الفصح ٢٠١٩.

الأمر الثاني هو فصل المدارس بحسب الدين، فلكل ديانة مدارسها الخاصة بها حيث لا توجد مدارس مختلطة أبداً، وهو برأيي الشخصي أمر يجب تجاوزه بجهود الجميع من الحكومة للأهالي وصولاً لرجال الدين وحتى المجتمع المدني. وهو ما تعمل عليه الحكومة مؤخراً حيث تسعى إلى دمج المدارس لتكون موحدة بعيداً عن التفرقة حسب الدين أو العرق.

 

سريلانكا والديمقراطية:

ومن خلال ملاحظتنا المباشرة خلال هذه الزيارة الميدانية لاحظنا رغبة الجميع، على جميع المستويات سواءً الحكومة أو البرلمان بالإضافة إلى المجتمع المدني والإعلاميين والمدنيين وحتى النازحين في المخيمات، بالوصول إلى سلام دائم وتجاوز الفترة الصعبة التي مرت بها سريلانكا خصوصاً بعد التوترات الطائفية وأحداث العنف تجاه المسلمين وممتلكاتهم بعد هجمات عيد الفصح عام ٢٠١٩، حيث قام متشددون بتفجير أنفسهم في عدد من الفنادق الفخمة والكنائس في العاصمة (كولومبو) وعدد من المواقع شرقي البلاد في نيسان عام ٢٠١٩، أسفرت التفجيرات عن مقتل ٢٥٠ شخصاً بينهم أجانب وأعمال شغب وعنف وتوترات طائفية.

صادف وجودنا في سريلانكا تحضيرات للانتخابات الرئاسية المقرر عقدها في ١٦ تشرين الثاني؛ كما لاحظنا الأجواء الديمقراطية والحملات الانتخابية للمترشحين للرئاسة الذين وصل عددهم إلى ٣٥ مترشحاً. ليدفعنا الفضول

الجانب الإيجابي الآخر الذي تلاحظه في سريلانكا والذي يمكن وصفه بالديمقراطي هو تعدد الأحزاب والتنافس فيما بينهم للحصول على مقاعد في البرلمان

لسؤال الأهالي في المدن التي زرناها ك جافنا وبوتالام وباتيكالاوا والعاصمة كولومبو عن مدى شفافية العملية الانتخابية فكان جوابهم بالإيجاب دائماً بالإضافة إلى حماستهم ورغبتهم في المشاركة في هذه الانتخابات.

الجانب الإيجابي الآخر الذي تلاحظه في سريلانكا والذي يمكن وصفه بالديمقراطي هو تعدد الأحزاب والتنافس فيما بينهم للحصول على مقاعد في البرلمان من خلال وجود انتخابات برلمانية حرة ونزيهة، وهو ما أكده المتحدث باسم البرلمان السريلانكي خلال زيارتنا له في مقر البرلمان ومشاهدتنا أيضاً للصحافة وتخصيص مقاعد خاصة لهم لبث جلسات البرلمان بشكل مستمر ونقل ما يدور من نقاش بكل شفافية.

بعد مشاهدتي لهذه المظاهر والأجواء الديمقراطية لبلد عانت من الحرب الأهلية وتبعاتها، وكيف استطاعت المضي قدماً نحو الديمقراطية وهو درس من الممكن الاستفادة منه، عادت بي الذاكرة إلى مطالب السوريين العادلة عندما ثاروا ضد نظام الأسد، كانت مطالبهم إصلاحية بدايةً ليرد النظام بكل وحشية وإجرام، وهو الحل الأمني والعسكري الذي أصّر عليه النظام منذ اليوم الأول للثورة السورية الذي استجلب كل شذاذ الآفاق إلى سوريا لتصل بنا الأمور إلى ما وصلت إليه اليوم، من وجود للمليشيات الطائفية والقوات الأجنبية لأكثر من دولة داخل سوريا، وشعب مهجّر إما داخلياً أو لاجئ في الدول المجاورة، دمار في البنية التحتية، تدهور الاقتصاد وتراجع لليرة السورية، نصف مليون قتيل، مئات الآلاف من المعتقلين والمغيبين قسرياً. كم تمنيت ألا تصل بنا الأمور إلى هذه الدرجة، كم تمنيت أن نعيش أجواءً ديمقراطية وألا يتم قصفنا بالكيماوي والبراميل المتفجرة وصواريخ السكود، كل هذا الإجرام والتوحش جاء رداً على شعب كانت جُلّ مطالبه العيش بحرية وكرامة.

كلمات مفتاحية