icon
التغطية الحية

سردية الشام "المريضة" معكوسة في "على قيد الحب"

2022.04.28 | 17:29 دمشق

7_11.jpg
تدور قصة المسلسل حول ثلاث عائلات تتمحور حولها الحبكة الدرامية وتفاعلاتها ـ إنترنت
تلفزيون سوريا ـ وائل قيس
+A
حجم الخط
-A

اختار الروائي والسيناريست فادي قوشقجي خطا واضحا لمسار أعماله الدرامية التي قدمها بالتعاون مع العديد من المخرجين، والتي تمثلت باكورتها بمسلسل "على طويل الأيام" بالتعاون مع الراحل حاتم علي في عام 2006، وهو ما ظهر برسمه مسارًا لها مرتكزّا على الموضوعات النشطة بين "طبقة المثقفين"، وما تفرزه هذه الطبقة من تفاعلات وعلاقات اجتماعية ناشئة وطارئة في الوقت نفسه، ناهيك عن حصرها بفئات متنوعة من الطبقات الثرية والمتوسطة اقتصاديًا وفكريًا ودينيًا يجمعها تقابلها وتوافقها على مجموعة من الأفكار نوعًا ما، وهي من الأفكار التي تجد مطرحًا لتداولها في جلسات المقاهي العامة.

في هذا الموسم الرمضاني الذي شهد زخمًا بالأعمال الدرامية، على الرغم من تقييمها المتباين نسبيًا، قرر قوشقجي العودة إلى الشاشة الصغيرة بعد غياب قارب ستة أعوام، مقدمًا مسلسل "على قيد الحب" بالتعاون مع المخرج اللبناني باسم السلكا، وتدور قصته حول مجموعة من الشخصيات المترابطة سواء عائليًا أو صداقةً، وفيها ما فيها من القصص التي اعتاد صاحب "عن الخوف والعزلة" تقديمها للجمهور المحلي، نظرًا لأن أعماله الأولى منذ البداية لم تكن من الأعمال المطلوبة في الأسواق الخارجية، كما الحال مع "على قيد الحب" نفسه، والذي لم يسجل طرحه وفقًا لما رصدنا إلا على خمس محطات، بينها قناتان عراقيتان، وواحدة إمارتية، فضلًا عن محطتين محليتين.  

تدور قصة المسلسل حول ثلاث عائلات تتمحور حولها الحبكة الدرامية وتفاعلاتها، والتي تبدأ مع عائلتي: أمين (دريد لحام) وحسان (أسامة الروماني)، والأخير من الأسماء العائدة إلى الشاشة المحلية بعد غياب يقارب 24 عامًا، بالإضافة إلى عائلتي عزام (سلوم حداد) وشقيقه ناظم (جرجس جبارة)، حيثُ يؤسس العمل منذ الحلقة الأولى على قصص قوشقجي المتعارف عليها دائمًا، والمرتبطة ارتباطًا وثيقًا بموضوعات الحب والخيانة والدين، وهي من السمات الأساسية التي تظهر هذه الثلاثية بشكل واضح مع تصاعد أحداث حلقات "على قيد الحب".

ولعل ما يمكننا الحديث عنه في هذه القراءة السريعة يكمن في التطور الرئيسي الذي يرسم ملامح القصة، وهو ما يأخذ إيقاعاً "رتمًا" تصاعديًا منذ فضح أسامة (خالد شباط) لزواج شقيقه وليد الثاني (يزن خليل)، وهما ولدا ناظم الذي يناديه الجميع بـ"الحجي"، من لينا (رنا كرم) ابنة حسان، وكلاهما وليد ولينا ينتميان لعائلتين لديهما اختلافات أيديولوجية واضحة، لكن هذا الزواج وما سيرافقه من الطلاق بينهما، سندرك لاحقًا أنه المحرك الرئيسي لتفاعلات القصة والحبكة الدرامية، وما يتبعها بعد ذلك من ظهور قصص الطلاق والانفصال مقابل نشوء علاقات عاطفية جديدة متبوعة بخيانات وانفصال بطلها عن الشخصيات نفسها.

وتتنوّع الشخصيات الرئيسية فكريًا تبعًا لكل عائلة، علمًا أن التركيز الأساسي في هذا المسلسل على الطبقتين المتوسطة أو الثرية، باستثناء قصة علاقة نجيب (معن عبد الحق) وسلمى (إيناس زريق)، وهما زوجان تربطهما علاقة صداقة متينة بأبناء عائلتي أمين وحسان، وتبدو قصتهما الأكثر هدوءًا، حيثُ يعمل نجيب نادلًا في أحد المقاهي الحديثة، أما زوجته سلمى فهي حلاقة نسائية، ولدينا صديقهما المشترك نمر (هافال حمدي)، وهو شاب لديه تصالح ذاتي مع المبادئ التي تربى ونشأ عليها أولًا، يبحث عن قصة حب صادقة خالية من التعقيدات التي تبنى على أسس الاصطناع والتصنّع.

وعلى الرغم من ابتعاد قوشقجي عن كل ما يشير إلى مفرزات التراجيديا السورية الراهنة، وليس أولها العنف والنزوح وسوء الخدمات الاجتماعية، وما إلى ذلك من شؤون البلاد المنقسمة سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، إن أجزنا القول هنا اختصارًا، فضلًا عن عدم وجود قصص مرتبطة بثنائية "جرائم الشرف ومكافحة الفساد"، وهي ثنائية الأعمال التي حققت نجاحًا كبيرًا في الموسم الرمضاني الحالي، فإنه وفقًا لما رصدنا في تصريحات سابقة لقوشقجي يؤسس العمل على "شيفرته الخاصة" بإسقاطه ما تعيشه البلاد اليوم على مجموعة من الرموز المرتبطة بالعائلات الثلاث أولًا، وثانيًا كما يقول قوشقجي إن المسلسل كان من المفترض أن يكون عنوانه "شام" قبل أن يتغير "لأسباب تسويقية بحتة" إلى عنوانه الحالي.

وكان لهذه الإسقاطات أن ظهرت منذ الحلقات الأولى، حيثُ نشاهد في البداية العلاقة المتينة والحميمية – بمعناها الاجتماعي – بين عائلتي أمين وحسان، قبل أن تنقلب حياتهما رأسًا على عقب مع دخول عائلتي عزام وناظم إليها، ممثلة بزواج وليد ولينا، وبينما تمثل عائلتا أمين وحسان النموذج المثقف والمنفتح فكريًا، فإن عزام، الرجل الميسور ماليًا وصاحب شركة الإنتاج لا يتهاون عن شراء الذمم والنفوس، بالإضافة إلى حل جميع المشكلات التي تستعصي عليه بما يملكه من مال وفير، في حين يحاول شقيقه ناظم (شبه المعتدل إسلاميًا بتمثيله الإسلام الشامي) تطويع الدين لتحقيق بعض مما يطمح إليه، ويبرز أحدها في زواجه لثالث مرة على سبيل المثال لا الحصر.

وعلى مستوى الإخراج الذي أثقل الجمهور بلقطات الشام الأرستقراطية، أو الشام المخصصة لفئة محددة ميسورة اجتماعيًا، نشير هنا إلى إغراقنا بالكثير من اللقطات التي تظهر فندق "فورسيزونز" الذي أُنشئ في دمشق في عام 2005 في مقابل انحسار الشام التي تستهوي "طبقة المثقفين"

يختار قوشقجي محركًا للتحول الدرامي في مسار العلاقة بين عائلتي حسان وأمين عبر تعرض حفيدتهما الطفلة شام (سما بلال) لحادث سير، وهي ابنة سهيل (جلال شموط) ابن أمين، ومروة (روعة ياسين) ابنة حسان، والذي سيكون سببه بالضرورة أسامة وأدهم (نور سعد الدين) ابن عزام، وما سيفرزه هذا الحادث من خلافات بين العائلتين، من غير المعروف حتى الآن إن كانت ستؤدي إلى الشقاق أو المصالحة أو غير ذلك، لكن هذا الخلاف أو حادث شام سيحيلنا إلى سردية الأطراف الثلاثة التي أدت إلى انقسام البلاد والعباد منذ أكثر من عقد من الزمن، بحسب الكتابات الكلاسيكية، وستنجم عنه بالضرورة أيضًا عودة أسامة إلى الصلاة والتعبّد، وليس معروفًا إن كانت ستؤدي بتحوله إلى الأفكار المتشددة دينيًا، وهو ما قدمه قوشقجي سابقًا في مسلسل "ليس سرابًا" مصورًا بعودة الشاب عامر (مكسيم خليل) من الولايات المتحدة متدينًا بعد أن سافر إليها بغرض الدراسة.

ولعل أكثر ما يثير الأسئلة التي يفرزها "على قيد الحب" على مستوى النص أولًا  تعليقات أمين عن حفيدته شام بعد إصابتها بالحادث، وما يدور حول رجاء تعافيها حتى تعود كما كانت سابقًا، في كناية عن الشام كمدينة جعلها مرضها تدخل في غيبوبة، وهي من الأماني المرتجاة بالحنين إلى الماضي، وعلى مستوى الإخراج ثانيًا الذي أثقل الجمهور بلقطات الشام الأرستقراطية، أو الشام المخصصة لفئة محددة ميسورة اجتماعيًا، وهنا نشير إلى إغراقنا بالكثير من اللقطات التي تظهر فندق "فورسيزونز" الذي أُنشئ في دمشق في عام 2005 في مقابل انحسار الشام التي تستهوي "طبقة المثقفين"، وهو ما يحيلنا إلى ما نشره قوشقجي عبر صفحته الرسمية على فيس بوك من سيناريو لمجموعة من المشاهد المحذوفة للطفلة شام قبل تعرضها للحادث.

ناهيك طبعًا عن أن شركة الإنتاج التي يديرها عزام نفسه، والمفترض أن مركزها دمشق، وتعنى بإنتاج الأعمال المحلية تخلو جدرانها من أي ملصق رسمي لأحد الأعمال المحلية في مقابل إظهار عشرات الملصقات للأعمال الهوليودية، كان يمكن على أقل تقدير وضع ملصقات لأعمال سابقة بالاتفاق مع الجهات المنتجة لها، ومع ذلك يتذكر صُناع العمل حاتم علي (1962 – 2020) في إظهار صورته الموضوعة في أحد المقاهي، إلى جانب مجموعة من الروائيين والشعراء العرب والغربيين، نظرًا لأن صاحب المقهى نزار (إياس أبو غزالة) من هواة تنظيم الأمسيات الشعرية في المقهى.

ومع ذلك، فإن "على قيد الحب" يبقى واحدًا من الأعمال الدرامية التي يمكن متابعتها في حال أراد الجمهور الابتعاد عن الهموم الحياتية بمفرزاتها السياسية والاقتصادية، مجموعة من القصص المتصلة تحركها دراميًا تفاعلات الشخصيات فيما بينها في حلقات تتجنّب الغوص في تكرار ما هو مكرر، كما الحال مع عملي "كسر عضم" و"مع وقف التنفيذ"، وهو ما درج قوشقجي على تقديمه سابقًا، وكان لها أن شهدت قبولًا بين الجمهور في فترة صدورها، بمعنى أنها مجرد أعمال لا تصلح إلا لتسلية الوقت، في حال اختار الجمهور الابتعاد عن قصص العنف والفساد وجرائم الشرف، ويمكننا أن نضيف للثلاثية الأخيرة متلازمة عنتريات الفانتازيا الشامية الزائفة.