سحب للأطفال أم حماية لهم؟

2022.02.22 | 05:54 دمشق

80f046b1-8c12-4839-9283-3b0ce404393d.jpeg
+A
حجم الخط
-A

القانون السويدي في مواجهة التنوع الثقافي والأخلاقي داخل المجتمع

دخل قانون الخدمات الاجتماعية الحالي حيز التنفيذ في عام 1982، حينئذ لم يكن في أذهان من وضعوه وأقرّوه كل التعقيدات التي تواجههم الآن، وكان الهدف الأساسي لهذا القانون هو تنظيم ظاهرة كانت معروفة في السويد، وتتلخص في أن بعض العائلات ولأسباب تتعلق بها، تعلن عن عدم قدرتها على رعاية أطفالها، فتتبرع عائلة أخرى بتربيتهم، أي أن معظم الرعايات كانت تتم طوعياً، أما حالات سحب الأطفال دون رغبة أهلهم، أي قسرياً، ولا تتطلب موافقة الأهل، فقد كانت قليلة جداً، ولم تكن تتم إلا في حالات الطوارئ القصوى.

فيما بعد تم التشدّد في تطبيق القوانين المتعلقة بحماية الأطفال، واعتبر المشرّع السويدي حماية الطفل أولوية بالغة الأهمية، باعتبارها البوابة الأساسية لخلق فرد معافى، وقادر على المساهمة في بناء المجتمع وحماية قيمه.

يحدد القانون السويدي حالتين، يحق للشؤون الاجتماعية "السوسيال" فيهما أن تتخذ قراراً بسحب طفل من عائلته دون موافقتها:

  1. عندما يكون هناك خطر كبير على صحة الطفل ونموه، وفي تفسير معنى الخطر فإن القانون يضع سوء الرعاية، وقلة الاهتمام، والتعنيف الجسدي أو النفسي، وغيرها كدلائل على وجود الخطر الذي يستوجب سحب الطفل.
  2. عندما يكون الطفل هو من يتسبب بالأذى لنفسه، وإذا علمنا أن كل من هم تحت سن الثامنة عشرة يصنفون في القانون السويدي على أنهم أطفال، يمكننا أن نفهم الطيف الواسع لمعنى أن يتسبب الطفل لنفسه بالأذى، كأن يتجه للعمل في مجال غير قانوني (مخدرات، جنس، عنف..الخ)، أو أن يؤذي نفسه جسدياً سواء عبر مغامرات غير محسوبة، أو عدم إدراك للمخاطر المحتملة لعمل ما.

لا يتم سحب الأطفال من عائلاتهم بشكل فوري إلا في حالات نادرة جداً، وهي الحالات التي يكون فيها الخطر الذي يتعرض له الطفل لا يحتمل

إذاً لا تعني كل حالات السحب أن الوالدين مخطئان، ولا تعني أيضاً أنهما غير مؤهلين، ولا بدّ هنا من التوضيح أن أعداد من يتم سحبهم من عائلاتهم ليست بكاملها قسرياً، فهي تشمل الحالات التي يطلب فيها الأهل تولي السوسيال لأمور أطفالهم، وتشمل أيضاً الأطفال الذين يذهبون بأنفسهم لطلب الابتعاد عن عائلاتهم، وتشمل أيضاً الأطفال الذين يثبت فشل العائلة المضيفة في رعايتهم، وأيضاً الأطفال الذين ليس لديهم عائلات (وفاة الأبوين، وصول الأطفال بمفردهم إلى السويد).

لا يتم سحب الأطفال من عائلاتهم بشكل فوري إلا في حالات نادرة جداً، وهي الحالات التي يكون فيها الخطر الذي يتعرض له الطفل لا يحتمل الوقت الذي تتطلبه الطريقة العادية، أما الطريقة السائدة والتي تشمل النسبة الساحقة من الحالات، فلها مراحل مقرة في القانون:

  1. الإبلاغ، ويتلخص بتلقي السوسيال بلاغاً عن حالة ما، التبليغ يمكن أن يتم عن طريق أي شخص، معلم في المدرسة، أو عامل في مركز صحي، أو مواطن شاهد الحالة..الخ.
  2. بعد وصول الإبلاغ تقوم الشؤون الاجتماعية بالتحقيق في الموضوع، ومقابلة العائلة ودراسة المشكلة، وإن كان هناك إمكانية إيجاد حلول لها دون سحب الطفل فلن يتم سحبه، من المفيد هنا ذكر أن حالات الإبلاغ مثلا خلال 2021 بلغت ما يقرب من 180 ألف حالة، كانت نسبة الحالات التي تقرر فيها سحب الأطفال هي حالة واحدة من كل 23 حالة، أي ما نسبته 4-5%.
  3. عندما تتوصل الشؤون الاجتماعية إلى قرارها بضرورة سحب الطفل، يتم تقديم طلب للمحكمة، وإذا وافقت المحكمة على قرار السحب، يتولى البوليس سحب الطفل وتسليمه للشؤون الاجتماعية.
  4. تقوم العائلة التي سحب طفلها بتوكيل محام عنها على نفقة الدولة، وهناك تفاصيل تتعلق بعمر الطفل المسحوب فيما إذا كان 15 عاماً وما فوق، أو ما دون الـ15، إذ لا يحق للطفل دون الـ15 حضور المحكمة، ويتولى محاميه كل أموره، بينما يحق للطفل الذي بلغ الـ15 أن يحضر، وفي المحكمة يتكلم الطفل (إن كان يحق له الحضور) والعائلة والمحامي في مواجهة المحامي الذي يمثل الشؤون الاجتماعية، ويتم استدعاء الشهود والاستماع لشهاداتهم، وفي النهاية فإن المحكمة هي التي تقرر سحب الطفل أو عدم سحبه.
  5. قرار المحكمة قابل للاستئناف، وهناك إجراءات تتم كل فترة على ضوء تقرير السوسيال عن وضع العائلة، وهل استعادت قدرتها على رعاية أطفالها، وعن وضع الطفل.

تكمن المشكلة في قضية سحب الأطفال بنقطتين أساسيتين، الأولى هي في الحالات التي تخص أطفال ينتمون لعائلة ذات ثقافة مختلفة عن ثقافة المجتمع السويدي التي صيغت القوانين بناء عليها، الأمر الذي يوقع هذه العائلات في مواجهة مع القانون السويدي، والثانية في النتائج النفسية التي تنتج عن انتقال الطفل لعائلة حاضنة قد لا تكون مؤهلة كما ينبغي للرعاية، لا سيما أن قسما كبيرا من العائلات المضيفة بدأ يقوم بالرعاية كعمل ذي أجر مرتفع، وليس تطوعياً كما كان مألوفاً في بدايات تطبيق القانون، هذا الأمر قد يؤدي إلى مضاعفات ليست في صالح الطفل.

في موجة الاحتجاجات التي شهدتها السويد مؤخراً حول هذه القضية، بدا واضحاً الاستثمار السياسي فيها، فهناك أطراف عديدة تحاول تصعيد الأمر، وتثير حوله ضجة كبيرة خدمة لأهدافها السياسية

تعتمد الشؤون الاجتماعية على معايير معتمدة لتقييم إمكانية أي عائلة على استضافة الأطفال، وتبحث في سجل العائلات المضيفة عن العائلة الأكثر تناغماً مع الطفل، وتتابع مراقبة الحالة، لكن هذا لا يكفي لبناء ثقة كاملة بالعائلة المضيفة، فقد تلجأ بعض العائلات المضيفة لتحسين صورتها في لحظات زيارة موظف الشؤون الاجتماعية لها، وتعود إلى إهمالها في الأوقات الأخرى.

في موجة الاحتجاجات التي شهدتها السويد مؤخراً حول هذه القضية، بدا واضحاً الاستثمار السياسي فيها، فهناك أطراف عديدة تحاول تصعيد الأمر، وتثير حوله ضجة كبيرة خدمة لأهدافها السياسية، فاليمين السويدي يدفع باتجاه ترسيخ فكرة أن اندماج المهاجرين الجدد في المجتمع السويدي غير ممكنة، وبالتالي تحشيد الناخبين السويديين حول سياساته، وبرامجه الداعية لرفض اللاجئين وإعادتهم إلى بلادهم، أيضا يتقاطع اليمين السويدي في استثماره لهذه القضية مع أطراف ذات طابع ديني غالب في جاليات المهاجرين، إذ تحاول هذه الأطراف أن تواصل ضغوطها على الحكومة السويدية، وابتزازها عبر موجة احتجاجات في الشارع والإعلام من أجل التراجع عن إجراءاتها تجاههم، والإبقاء على مصالحهم اللاقانونية، والتي استطاعت من خلالها سحب مبالغ طائلة تحت مسميات عدة.

إن التصدي لأخطاء إدارية في مؤسسة تخضع لقانون واضح، لايجوز أن يوصل إلى مواجهة مع القانون، ولا مع ثقافة المجتمع، ولا يمكن بأي حال أن يرتدي طابعاً دينياً.

لا أعرف من قال: إن أفضل طريقة لتشويه فكرة صائبة، هي الدفاع عنها بطريقة سيئة.