
مع سقوط نظام الأسد المخلوع، برزت مأساة المعتقلين والمختفين قسرياً، تاركة آلاف العائلات السورية في حالة من القلق واليأس بحثاً عن مصير أحبائهم، وعلى الرغم من مرور أكثر من شهر على إسقاط النظام، لم تثمر الجهود عن كشف مصير هؤلاء الضحايا، مما يعزز الشكوك بأنهم ربما أصبحوا في عداد القتلى.
ملف المعتقلين لا يقتصر على معاناة من فقدوا أحبتهم، بل يشمل المفرج عنهم حديثاً الذين يواجهون تحديات كبيرة في إعادة التأقلم، وسط نقص في الدعم والرعاية الكافية، في المقابل، يستمر البحث عن المقابر الجماعية، حيث تم الكشف عن بعضها، لكن التحقيق في هذه المواقع يواجه صعوبات كبيرة، بما في ذلك نقص الخبرات الفنية اللازمة والتخوف من تدمير الأدلة.
التقارير الحقوقية تشير إلى أن النظام السابق استخدم أساليب ممنهجة لإخفاء المعتقلين وقتلهم، حيث تم تسجيل وفياتهم في السجلات المدنية دون إبلاغ عائلاتهم أو تسليم جثثهم، هذه الممارسات المروعة تعكس حجم الانتهاكات التي وقعت وتستدعي تحقيقاً دولياً شاملاً لكشف جميع جوانب هذه الجرائم ومحاسبة المسؤولين عنها.
في الوقت نفسه، تزداد معاناة الأهالي بسبب الشائعات المتداولة عن وجود سجون سرية أو مقابر جماعية جديدة، إذ تضاعف هذه المعلومات غير المؤكدة من آلام العائلات وتزيد من تعقيد الجهود المبذولة للوصول إلى الحقيقة. لذلك، تشدد المنظمات الحقوقية على أهمية العمل المنهجي لحصر أعداد الضحايا ومواقع الدفن الجماعي وإعداد قاعدة بيانات دقيقة.
لم يتم اكتشاف سجون سرية
تلا مرحلة سقوط نظام الأسد انتشار كثير من الشائعات التي تشير إلى وجود سجون سرية تضم آلاف المعتقلين. وفي هذا الخصوص، يؤكد دياب سرية أن الرابطة أجرت مسحاً شاملاً لكل سجون المخابرات الجوية في دمشق، وفرع المخابرات الجوية في حرستا، وفرع فلسطين، إضافة إلى العديد من السجون والفروع الأمنية، ولم يتم العثور على ما يشير إلى وجود سجون أو مخابئ سرية تضم معتقلين.
وشدد على أن الحكومة السورية الجديدة تواجه عدة مسؤوليات بخصوص ملف المعتقلين، أهمها التواصل مع المنظمات السورية العاملة في مجال توثيق أسماء المختفين قسرياً وجمع الأدلة بهدف تحقيق العدالة والمساءلة، ووضع رؤية شاملة لآلية كشف مصير المفقودين. كما دعا إلى العمل على مسار محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات والجرائم بحق الضحايا.
المقابر الجماعية
وفيما يتعلق بالمقابر الجماعية، أشار سرية إلى العثور على ثلاث مقابر تم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي، مع الإشارة إلى وجود سبع مقابر جماعية أخرى. إلا أن مدير الرابطة حذّر من أي عبث في تلك المقابر، مشدداً على أن الأمر يحتاج إلى تحقيقات وخبرات غير متوفرة في سوريا. وأكد أن زيارة المقابر بشكل عشوائي قد يؤدي إلى تدمير الأدلة.
وشدد على أهمية تضافر الجهود الدولية والمحلية لضمان محاسبة الجناة والمسؤولين عن الانتهاكات بحق المعتقلين، مشيراً إلى أن ذلك يتطلب عملاً دؤوباً وتخطيطاً دقيقاً.
وفي ختام حديثه، وجه سرية رسالة إلى ذوي المعتقلين والمختفين قسرياً قائلاً: "عليكم بالصبر. نحن كمنظمات حقوقية لن نترك هذا الملف، ولن نسمح بطيّه بطريقة غير مناسبة، سواء من قبل حكومة جديدة أو قديمة. سنواصل العمل لمعرفة مصير المفقودين، وكيف اختفوا، وأين هم، ومن المسؤول عن ذلك. كل هذا يتطلب إرادة جدية من الحكومة الجديدة والمجتمع الدولي".
مصير المختفين قسرياً
في مشهد مؤثر خلال لقاء على شاشة تلفزيون سوريا، أعلن مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، عن حقيقة صادمة تتعلق بمصير المختفين قسرياً في سوريا. واعتذر مرات عديدة أثناء حديثه باكياً، مؤكداً أن غالبية هؤلاء الذين كانوا معتقلين لدى النظام قد تم قتلهم. وعبّر عن حزنه وأسفه العميق تجاه هذه الحقيقة التي وصفها بأنها مؤلمة لكنها واجبة المصارحة.
وأكد عبد الغني أن النظام السوري ارتكب جرائم قتل ممنهجة بحق المختفين قسرياً على مدى سنوات، مشيراً إلى أن الأدلة المجمّعة منذ عام 2018 تؤكد هذه الوقائع. وبيّن أن الشبكة تمتلك أكثر من 3000 بيان وفاة، تُظهر أن العديد من هؤلاء المعتقلين قتلوا دون إبلاغ ذويهم.
وفقاً للبيانات المحدثة، فقد تم الإفراج عن ما يقارب 24,200 شخص من المعتقلين والمختفين قسرياً خلال الفترة الأخيرة، وهو الرقم الأعلى الذي تم توثيقه حتى الآن.
وأضاف عبد الغني أن الشبكة تواصل بناء قاعدة بيانات شاملة للمعتقلين، حيث ما زال هناك نحو 112,000 شخص محتجزين أو مختفين قسرياً، يُرجح أن غالبيتهم قد قُتلوا.
قتل وتوثيق دون إبلاغ الأهالي
وأشار عبد الغني إلى أن النظام السوري اعتمد أسلوباً منظماً في التعامل مع ضحاياه، حيث يتم قتل المعتقلين ثم تسجيل وفاتهم في السجل المدني دون إبلاغ عائلاتهم أو تسليم الجثث لهم. كما أوضح أن وثائق الوفاة غالباً ما تحمل تاريخين: الأول يشير إلى يوم الوفاة الفعلي، والثاني يُظهر تاريخ التسجيل في السجل المدني، مما يعكس محاولات التغطية على هذه الجرائم.
واعتبر عبد الغني أن ما حدث يعد "كارثة وطنية"، موضحاً أن آلاف العائلات ما زالت تعاني بسبب غياب المعلومات حول مصير ذويها. وشدد على الحاجة إلى جهود كبيرة لكشف مصير المختفين، بما في ذلك تحديد مواقع المقابر الجماعية واسترجاع رفات الضحايا، لتحقيق العدالة والمحاسبة.
تحديات التوثيق وانتشار الشائعات
وأشار عبد الغني إلى أن الكشف عن مصير المختفين قسرياً يواجه العديد من التحديات، أبرزها انتشار شائعات عن وجود سجون سرية أو مقابر جماعية قد تُكشف لاحقاً. وأضاف أن هذه الشائعات تزيد من معاناة الأهالي الذين ينتظرون إجابات حول مصير ذويهم.
وشددت الشبكة على أهمية محاسبة المتورطين في عمليات التعذيب والقتل، خصوصاً من الصف الأول والثاني من القيادات الأمنية، مؤكدة أنها تمتلك قوائم بأسماء المتورطين وتفاصيل عن فترات حكمهم ومسؤولياتهم.
ودعت الشبكة إلى تجنب تصفية المجرمين بشكل فردي، إذ أن ذلك يؤدي إلى فقدان شهاداتهم وأي أدلة قد تساعد في الكشف عن مصير المختفين قسرياً.
وطالبت الشبكة بضرورة حماية الوثائق والمقابر الجماعية وعدم العبث بها، مؤكدة أن هذه الأدلة تلعب دوراً حاسماً في مسار المحاسبة، كما ناشدت المنظمات الدولية والسلطات المعنية العمل على الحفاظ على الأدلة وتعزيز الجهود المشتركة لضمان العدالة لعائلات الضحايا.