سادات بكر.. "مافيوي" يشعل الداخل التركي!

2021.05.16 | 06:29 دمشق

sdat-bkr.jpg
+A
حجم الخط
-A

المافيا هي مجموعات من العصابات المنظمة التي تمارس التهديد والابتزاز والترهيب وأنشطة أخرى غير قانونية. هناك المافيات المحلية التي تتحرك على نطاق ضيق وهناك المافيات العالمية العابرة للحدود. المافيا التركية لا تختلف كثيرا عن بقية المافيات في العالم . تقارير إعلامية وأمنية تتحدث عن جيش قوامه الآلاف من العناصر المحسوبة على هذه المجموعات التي تنشط في المدن الرئيسية مثل إسطنبول وأنقرة وأزمير ومرسين وأضنه بموازنات مالية تتجاوز المليارات القادمة من قطاعات غير مشروعة بينها التدخل في حركة بيع وشراء الأراضي والتهريب وتجارة السلاح والمخدرات والإتاوات والمباريات الرياضية المعروفة النتائج. تاريخ المافيا التركية طويل والعديد من قياداتها تتحرك تحت أكثر من مسمى وتحاول التلطي وراء هويات عقائدية متعددة. المؤسف هو انتشار مسلسلات تلفزيونية تركية عديدة أبرزت هذه المجموعات وكأنها تشكيلات تدافع عن حقوق الضعفاء وتحمي مصالح الدولة وتحارب المنظمات الإرهابية عند الضرورة.

نجح حزب العدالة والتنمية لسنوات طويلة في محاربة هذه المجموعات واعتقال قياداتها وكوادرها وتقليص نشاطاتها لكن هذه الجهود لم تقد إلى القضاء عليها تماما. العديد من رجال السياسة يعطونهم ما يريدون للاستفادة من دعمهم أو تجنب الاحتكاك بهم. والحديث عن العلاقة بين شخصيات محسوبة على المافيا ووجوه أمنية وسياسية أو بيروقراطية لم يتوقف يوما في تركيا. حادثة "سوسورلوك" عام 1996 كشفت النقاب عن هذا التنسيق إثر حادث سير مروع واكبه اكتشاف وجود أحد البرلمانيين من قيادات العشائر الكردية المقربة من الدولة ونائب رئيس شرطة معروف وزعيم مافيوزي في سيارة واحدة. تقارير عديدة تحدثت عن استخدام هذه الوجوه في عمليات خاصة وسرية ومهام أمنية محددة داخل تركيا وخارجها.

سادات بكر أحد أبرز وجوه المافيات المنظمة الذي استغل كل هذه التوازنات في الداخل والخارج ليبني شبكة علاقات سياسية واجتماعية ولينشط بأكثر من اتجاه إلى أن دخل في مواجهة مع وجوه سياسية وأمنية بارزة كلفته كما يقول المغادرة إلى الإمارات العربية وإطلاق فيديوهات مصورة من هناك تنشر ما لا يمكن السكوت عنه وتحتاج إلى تعامل عدلي سريع معه خصوصا أنه يوجه أصابع الاتهام إلى أسماء سياسية وحزبية معروفة ويتهمها بالتورط في أعمال غير قانونية.

سادات بكر كسر جرة العلاقة والتوازنات القائمة نتيجة غضبه من عملية أمنية شملت حملة اعتقالات واسعة في صفوف رجاله واقتحام منزله

سادات بكر دخل وغادر السجن أكثر من مرة. برأته محكمة تركية مؤخرا من تهمة تهديد مجموعة أكاديمية بالقتل بسبب دعوتهم للتفاوض وإيجاد حل سلمي لملف الأزمة الكردية. شعبيته انتشرت في أكثر من مدينة. أرسل مجموعة من الجنود العام المنصرم شريطا مسجلا يهنئونه بعيد ميلاده. جاهر بدعمه لحزب العدالة والرئيس أردوغان مصعدا ضد منتقديه. يقول دون تردد إن بين أهدافه هو تحذير الرئيس أردوغان من الدائرة المحيطة به والتي تحاول أن تحجب رؤية المنظر الحقيقي في البلاد عنه!

لا يتعرض رجال المافيا بسهولة للشخصيات والأجهزة الرسمية لأنهم يتجنبون غضبها.. سادات بكر كسر جرة العلاقة والتوازنات القائمة نتيجة غضبه من عملية أمنية شملت حملة اعتقالات واسعة في صفوف رجاله واقتحام منزله حيث كانت زوجته وطفلته من دون اصطحاب شرطيات لتفتيش غرف المنزل وهو ما وصفه بأنه عملية مقصودة ضد أسرته لاحتقاره وإهانته. هو يعرف أن ما يفعله الآن ستكون ارتداداته مكلفة عليه لأنه يوجه سهامه نحو جناح مؤثر في حزب العدالة مثل مجموعة "بليكان" الإعلامية المقربة من الحزب الحاكم ووزير الداخلية سليمان صويلو وصهر الرئيس أردوغان برات البيرق ووزير الداخلية الأسبق محمد أغار ونجله النائب في حزب العدالة وحيث يتهم أغار بوضع اليد على أموال أحد كبار رجال الأعمال الأتراك ومارينا تدر الملايين من الدولارات في مدينة بودروم السياحية.

تعصف ظاهرة سادات بكر بالداخل التركي منذ أسبوعين تقريبا. يصب جام غضبه على أسماء وأشخاص معروفة مقربة من الحزب الحاكم. قبل أيام وجه شريطه المسجل الرابع إلى الرأي العام التركي حول أشخاص وأسماء يتهمها بالقتل والتهديد والابتزاز داعيا الادعاء العام التركي للتحقيق فيما يقوله وواضعا أصابع يديه تحت الساطور. فلماذا قرر بكر الدخول في هذه المواجهة الخطرة ومن يحركه في الداخل والخارج؟ هذا هو السؤال الأبرز الذي يناقش في تركيا اليوم. كما أن" الغسيل الوسخ " الذي يتحدث عنه في الأشرطة المسجلة التي يبعث بها من العاصمة الإماراتية حيث مكان إقامته طرح أكثر من تساؤل حول دور أبو ظبي المعارضة للسياسات التركية الإقليمية والتي هي اليوم في حالة عداء مع حكومة العدالة والتنمية في إشعال هذا الفتيل.

تحليلات عديدة تقول إن الهدف من لعب ورقة سادات بكر في هذه المرحلة هو استهداف تحالف الجمهور الذي يجمع حزب العدالة وحليفه حزب الحركة القومية اليميني بهدف إضعافه أكثر من خلال تسريبات ومعلومات يرددها بكر وفيها الكثير من الاتهامات والمعلومات التي تمس نشاطات وقرارات شخصيات أمنية وسياسية مخالفة للقوانين. أقلام كثيرة تتساءل أين القضاء ولماذا لم يتحرك حتى الآن؟ حزب الشعب الجمهوري المعارض أعلن أنه يستعد للمطالبة بفتح تحقيق برلماني حول ما يجري لأن الأمور تعني شخصيات سياسية بارزة في الحكم أو كانت في الحكم. رئيس البرلمان التركي الأسبق ومستشار الرئاسة التركية اليوم جميل شيشاك يقول إذا ما صح واحد بالألف فقط مما يقوله بكر فهو كارثة لناحية العلاقات بين هذه المجموعات والأجهزة أو الشخصيات الرسمية التي يدور الحديث حولها.

لماذا يغامر سادات بكر على هذا النحو؟ وما الذي يريده؟ تصفية حسابات مع مجموعة من الأشخاص أرادت إخراجه من اللعبة والتحاصص لصالح لاعبين جدد أمام طاولة نفوذ بتركيبة مغايرة؟ أم استرداد ما فقده من موقع ونفوذ ودور داخل لعبة التوازنات المحلية في "الدولة العميقة"؟ أم أنه يقدم خدمة للمعارضة بدعم خارجي لإضعاف حزب العدالة وتحالف الجمهور؟

أين سيتوقف سادات بكر وما هو حجم الأضرار التي سيلحقها بحزب العدالة والشخصيات الحزبية والسياسية التي يهاجمها؟

هل هناك مثلا من علاقة بين ما يقوله سادات بكر وبين دعوات قيادات المعارضة التركية في الساعات الأخيرة لانتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة لأن البلاد كما تقول هذه الأصوات لم تعد تتحمل الانتظار لعامين آخرين؟ وهل هناك من علاقة بين تحريك سادات بكر وبين إعلان الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن قبل عام أنه سيعمل على إزاحة الرئيس أردوغان وحزبه عن إدارة شؤون تركيا؟

أين سيتوقف سادات بكر وما هو حجم الأضرار التي سيلحقها بحزب العدالة والشخصيات الحزبية والسياسية التي يهاجمها؟ كيف ستستغل المعارضة هذه الفرصة؟ وكيف سيتعامل الحزب الحاكم مع ما يجري لوقف النزيف الذي تتحدث عنه العديد من شركات استطلاعات الرأي؟

سادات بكر تحول الى الشاحنة الجديدة التي فجرت حادثة "سوسورلك" قبل 25 عاما بعدما اصطدمت بسيارة مرسيدس فخمة كانت تسير بسرعة فائقة فقتل بداخلها محسوبين على مثلث يستحيل جمعه تحت سقف واحد وهو المافيا والدولة العميقة والسياسة.

أصوات في الحكم تقول إنه "رجل مافيات يخرف على مزاجه" ومعارضة تعول على ما يقوله وتدعو مؤسسات الدولة للتحرك "لأنه لا يجوز إبقاء أسماء ومؤسسات بارزة تحت التهمة". بكر يتساءل "من الذي أبلغني بالتحضير لعملية أمنية ضدي وأعطاني مرافق؟". فيما يقول الوزير صويلو "ليثبت مزاعمه وأنا جاهز لكرسي الإعدام".

سادات بكر الذي كان قبل فترة قليلة يرفع بيده اليمنى شعار "بوزكورت" للذئب الرمادي الذي تتبناه الحركات اليمينية القومية وبيده اليسرى شعار رابعة معلنا عن دعمه لتحالف الجمهور الذي يجمع حزبي العدالة والحركة القومية في تركيا، يوجه من مكان إقامته الأشرطة والتسجيلات التي تتهم شخصيات سياسية وحزبية مقربة من الحزب الحاكم أو محسوبة عليه بارتكاب الكثير من الأفعال الخارجة عن القانون. الطرف الآخر المتهم يقول إنه رجل مافيا معروف هرب إلى الخارج والآن يوجه الافتراءات والتهم والإساءة إلى مؤسسات الدولة من هناك ليخدم مصالح البعض داخل تركيا وخارجها. "ما هذه الصدفة التي تجمع توجيه مثل هذه الأشرطة والتهم إلى شخصيات تركية واختيار بكر للإمارات ليحتمي بها وهل ستوفر له أبو ظبي هذه الخدمة دون مقابل أو ثمن يدفع؟" كما يتساءل الإعلامي التركي محمد أجات؟