زيت القلي.. أيقونة الطغاة ورشاوى الأتباع

2021.03.20 | 06:30 دمشق

img_20210319_231040.jpg
+A
حجم الخط
-A

لم تعد صالحة تلك المقارنة الساذجة بين أوضاع السوريين اليوم في أماكن سيطرة النظام، وبين ما كانت عليه أوضاعهم أواسط الثمانينات التي اصطلح تسميتها بالحصار الكبير على سوريا الأسد، والسبب يعود إلى أن الحال اليوم أسوأ بأضغاف مضاعفة من الوقوف أمام المؤسسة الاستهلاكية للحصول على علبة سمنة أو علبة محارم (كنار) التي استحالت مضرب مثل يتناقله السوريون عن ضائقتهمم في تلك السنوات، وأيقونة لتذكر أيام الصمود الأسطوري للبعث، ورمزاً للذل لدى عموم الشعب.

اليوم يصعد نجم عبوة زيت القلي كنموذج للنعيم الذي قد يحظى به مواطن دون سواه، وباتت من علامات الحظوة بين طرفي العلاقة.. السيد والمسود، ويقاس بها مقدار راتب المواطن الشهري فالموظف الذي له في خدمة الدولة عشر سنوات يقدر راتبه بخمس عبوات زيت سعة لتر واحد، وكانت قبل أشهر تحسب بعشر عبوات زيت كدليل على تدهور الليرة وسوء الحال، وهكذا تصبح على سبيل المثال منحة الأسد الأخيرة تساوي أربع لترات زيت قلي لا أكثر.

ولا تتوقف عبوة زيت القلي عند هذه القيمة الاستثنائية فهي تقدم أيضاً لذوي شهداء النظام كمكرمة كبيرة من القيادة لأولئك الذين ضحوا بحياتهم فداء لكرسي القيادة ودوام نعمة البعث، وكذلك قيمتها المادية في حالة صعود فهي تساوي اليوم 12 ألف ليرة سورية، وقد تصل في الغد لحدود 15 ألف ليرة، وهكذا تصير ذات قيمة ممتدة كدوام قيمة الروح المقدسة التي قضت في الحرب ضد الإرهابيين وحاضنتهم.

الأمر الأكثر إثارة في سردية زيت القلي أنها أصبحت حالة لا تقتصر على السوريين فقد تم تعميمها على كل أبناء المحور الممانع فمنذ أيام وبعد الانهيار الكبير في سعر صرف الليرة اللبنانية قامت جمعيات تابعة لحزب الله بتوزيع عبوات زيت القلي على الحاضنة الشعبية في الضاحية الجنوبية لبيروت مزينة بصورة السيد حسن نصر الله الممانع الأكبر، وكتب عليها (لعيونك يا سيد) كتعبير عن الامتنان الكبير لوقفته في وجه الحصار الأميركي الصهيوني للمقاومة التي لن تتخلى عن حربها المقدسة، ودعم مناضليها بزيت القلي حتى تحرير القدس.

زيت القلي كان نتيجة طبيعة لمرحلة ما بعد النصر المؤزر حيث يمكن لهؤلاء التميز عن سواهم بالزيت الذي لا يقدر على شرائه بقية أفراد الشعب الرمادي والصامت

الوصول لم يكن يسيراً لمرحلة زيت القلي فقد مرت سردية المكرمات الكبرى بمراحل سبقتها أثناء فترة الحرب حيث كانت القيادات الممانعة الحكيمة مشغولة بالمعارك الكبرى فاقتصرت على توزيع الأعلام الوطنية وعبوات البرتقال وبعض رؤوس الماعز لأهالي الضحايا الموالين.. هذا عدا عما يمكن أن يتحصل عليه المقاتل من تعفيش المناطق المحروقة من إسطوانات الغاز والطناجر، وأما زيت القلي فكان نتيجة طبيعة لمرحلة ما بعد النصر المؤزر حيث يمكن لهؤلاء التميز عن سواهم بالزيت الذي لا يقدر على شرائه بقية أفراد الشعب الرمادي والصامت.

من أجل هذا خرجنا نسأل غالبية من وضعوا رقابهم فداء الطغاة في بلدان الممانعة ولو همساً؟؟.. وهذا السؤال يأتي اليوم من النخب قبل العامة وإن كان على شكل صيحات يتم التراجع عنها بعد حين أو قد يعلل آخرون ما صدر عنهم بأنه جاء من حسابات مسروقة للبعض، وإن امتلك أحدهم الشجاعة في الاعتراض سيوجه نقده الشديد للفاسدين والحكومات المتعاقبة عديمة الخبرة التي لم تستطع التعامل مع أزمات البلد المحاصر.

الأيام القادمة بالتأكيد ستنتج أيقونة جديدة تليق بالمرحلة، ولدى السوريين وأنصار الممانعة كثير من السلع التي يمكن أن تحمل صور القادة الأفذاذ إن قدر لهم البقاء.. وفي رأس القائمة علبة المتة الخضراء أو الحمراء فلها طقوسها وسرديتها المقدسة.