icon
التغطية الحية

زيتون إدلب للتدفئة في أسواق المحافظات وأراضي المهجّرين للرعي والزراعة

2022.02.02 | 07:52 دمشق

إدلب
أغنام في مناطق سيطرة قوات النظام بريف إدلب (إنترنت)
+A
حجم الخط
-A

تشهد مناطق سيطرة قوات النظام والميليشيات المساندة لها في ريفي إدلب الشرقي والجنوبي زيادة كبيرة في عمليات قطع الأشجار المثمرة والحراجية.

ويشتكي أهالي عدة مناطق مأهولة بأعداد قليلة من السكّان في أرياف المناطق الرئيسية (معرة النعمان وسراقب وسنجار وأبو الظهور) من تحويل مزارعهم وبساتينهم إلى مراعٍ تربّى فيها قطعان من الماشية التي ترجع ملكيتها لقادة بارزين في قوات النظام والميليشيات العشائرية والمحلية المنتشرة في المنطقة، أو لمقربين منهم ورعاة آخرين يدفعون للميليشيات المتحكّمة مبالغ مالية مقابل الرعي بحرية في الأراضي والبساتين.

ومع مطلع العام 2022 بدأ مجلس محافظة إدلب التابع للنظام بالترويج لمساعٍ يقودها المحافظ ثائر سلهب للتقليل من انتهاكات وتعديات قوات النظام والميليشيات بحق المدنيين وممتلكاتهم الخاصة، ووقف عمليات "تعفيش" المنازل وتفكيك الأسقف البيتونية لاستخراج الحديد والتي ما تزال مستمرة وبشكل متصاعد منذ سيطرة النظام على المنطقة، قبل أعوام قليلة.

وأجرى "سلهب" جولات ميدانية عديدة، خلال شهر كانون الثاني، شملت عدداً من القرى والبلدات في ريف سراقب الشرقي، والشيخ بركة وحوا وتحتايا والتمانعة وريف معرة النعمان الشرقي.

وكانت جولات "سلهب" الأخيرة ومزاعمه بخصوص منع الانتهاكات مدعاة للسخرية بين الأوساط الشعبية في ريف إدلب، والتي لا تتوقع بطبيعة الحال حدوث تغييرات تُذكر في ظل الهيمنة الشبه مطلقة لقوات النظام والميليشيات والتي لم تعر أي اهتمام لزيارات المحافظ ومساعيه المزعومة خلال جولاته، والتي بدا فيها عاجزاً عن تقديم أي شيء سوى الوعود بإيصال الكهرباء وترميم شبكات المياه والطرق في القرى والبلدات التي سيطر عليها النظام قبل 5 سنوات (مناطق شرقي سكة الحجاز)، والمناطق التي سيطر عليها لاحقاً خلال العمليات العسكرية بين العامين 2019 و2020.

عمليات قطع الأشجار

مع بداية العام 2022، تصاعدت بشكل غير مسبوق، عمليات قطع الأشجار المثمرة والحراجية في مناطق سيطرة قوات النظام والميليشيات بريفي إدلب الجنوبي والشرقي، حيث تباع تلك الأشجار في أسواق المحافظات القريبة (حلب وحماة واللاذقية) كحطب للتدفئة وبأسعار رخيصة ومنافسة للمواد الأخرى المُستخدمة في التدفئة والتي زاد الطلب عليها عموماً، بسبب موجة البرد المستمرة والمترافقة مع عواصف مطرية وثلجية.

قال مجلس محافظة إدلب التابع للنظام عبر صفحته في "فيس بوك"، منتصف شهر كانون الثاني، إنّه "وبعد ورود معلومات لمحافظ إدلب حول وجود أشخاص يعتدون على الممتلكات الخاصة للمواطنين ومنها قطع الأشجار، توجّه المحافظ برفقة رئيس اللجنة الأمنية والعسكرية وقائد الشرطة مع دورية إلى المكان المبلغ عنه، حيث ضبط ثلاثة أشخاص مدنيين يقطعون الأشجار، وصودرت ثلاث سيارات ومعدات بحوزتهم منها منشار يعمل بالوقود، وجرى إحضار الفاعلين وتسليمهم إلى فرع الأمن الجنائي للتحقيق والإحالة للقضاء أصولاً".

مصادر محلية متطابقة في ريف إدلب الشرقي قالت لموقع تلفزيون سوريا إنّ "عمليات قطع الأشجار المثمرة وبالأخص الزيتون، تتركز في مناطق انتشار قوات النظام والميليشيات، أهمها في محيط مطار أبو الظهور العسكري، تل سلمو والدبشية وتل عزو وتل مصيطف وحلبان ومغارة ميرزا والخافية وجديدة وتل الكلبة وتل الطوقان وتل السلطان وعشرات القرى والبلدات في ريف أبو الظهور".

وأضافت المصادر أن "هذه المناطق في ريف إدلب الشرقي وامتدادها نحو الجنوب مروراً ببلدات أم ميال وسنجار والشيخ بركة وأم صهريج ورسم العبد وأم مويلات وغيرها سيطر عليها النظام، عام 2018، خلال عملياته العسكرية التي سُمّيت بمعارك شرق السكة، والتي بدأت من بلدة أبو دالي، ومعظمها يفتقر للخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه الصالحة للشرب على الرغم من كونها منطقة استقرار سكاني بمعدلات مقبولة، وما زاد الطين بلة تعديات الميليشيات على البساتين وقطع الأشجار وبالأخص من الأراضي التي تعود ملكيتها للمهجّرين من المنطقة".

وأوضحت المصادر أن "عمليات قطع الأشجار جرت على يد قوات النظام والميليشيات بشكل غير مسبوق ومكثف جداً، خلال موجة البرد، وتركزت العمليات خلال شهر كانون الثاني في قرى وبلدات ريفي معرة النعمان وسراقب الشرقيين، والقرى على جانبي الطريق الدولي (M5)، مثل التمانعة والسكيات وتحتايا والتح وحيش ومعر حطاط وجرجناز وتقانة ودير الغربي والشرقي والغدفة ومعصران وتلمنس وعشرات القرى والبلدات والمزارع التي تشتهر بزراعة الزيتون والأشجار المثمرة".

وتتقاسم قوات النظام وميليشيا قوات النمر ولواء القدس والميليشيات الإيرانية على رأسها لواء الباقر وفاطميون الأفغاني ووحدات من الحرس الجمهوري والفرقة 11 مدرعات" المنتشرة في المنطقة التي ما تزال تعتبرها قوات النظام منطقة عسكرية، كميات الحطب لتنقل وتُباع في أسواق حماة وحلب واللاذقية، كما يستخدمها عناصر الميليشيات في التدفئة والطبخ ضمن مواقعهم العسكرية.

عشرات البلدات والقرى في ريف خان شيخون جنوبي إدلب تقع ضمن المنطقة العسكرية الأكثر توتراً وانتشاراً لقوات النظام والميليشيات، ويغيب عنها سكّانها المهجّرون، والميليشيات الأكثر انتشاراً هي "قوات النمر، والدفاع الوطني، والفرق العسكرية (السابعة والثامنة والتاسعة) والحرس الجمهوري".

وهذه المناطق التي تضم قرى وبلدات مثل الركايا ومعرة حرمة وكفر سجنة والشيخ مصطفى والشيخ دامس ومعرزيتا وجبالا وحاس وكفرنبل وملاجة والقناطر وغيرها من القرى وصولاً إلى مناطق سهل الغاب شمال غربي حماة، وقعت ضحية عمليات قطع جائرة جداً لبساتين الأشجار المثمرة وعلى رأسها أشجار الزيتون.

رعي جائر

قال مجلس محافظة إدلب التابع للنظام، أواخر كانون الثاني الفائت، إنّه "استجابة للشكاوى الواردة وضمن الجولات الميدانية المتواصلة، تم ضبط رعاة أغنام ضمن أراضٍ مشجرة بالزيتون وأراضِ متعاقد عليها لزراعتها بمحصول القمح وتُركت كمراعٍ للأغنام، وبناء على المشاهدات الميدانية استدعيت الوحدات الشرطية وصادرت عدداً من رؤوس الأغنام وأوقفت صاحب العلاقة للتحقيق".

وأضاف المجلس أنّ "محافظ إدلب ثائر ناصح سلهب أوعز إلى الوحدات الشرطية بمتابعة الرعاة الذين يعتدون على الأراضي الزراعية ومصادرة أغنامهم وتحويل المخالفين إلى القضاء المختص".

مصدر محلي في ريف إدلب الشرقي قال لموقع تلفزيون سوريا إنّ "مزاعم مجلس المحافظة واللجنة الأمنية والعسكرية فرع حزب البعث بخصوص منع التعديات وتوقيف الرعاة، هي مزاعم كاذبة وتندرج في إطار الدعاية لمساعٍ مفترضة يقودها المحافظ ومعه أمين فرع الحزب لمنع الانتهاكات والتعديات، والتي تأتي بالتزامن مع دعوات لعودة النازحين والمهجرين إلى مناطقهم".

وأضاف المصدر أن "تربية المواشي في مناطق سيطرة قوات النظام والميليشيات بمحافظة إدلب أصبحت نشاطاً اقتصادياً مربحاً بالنسبة للكثير من قادة الميليشيات بعد أن انخفضت أسعار المواشي بشكل كبير خلال فصل الشتاء بسبب الغلاء الكبير في أسعار الأعلاف، بينما لا يحتاج المربون المحسوبون على قادة الميليشيات وآخرون يعملون لصالحهم إلى دفع تكاليف الأعلاف، فبساتين الزيتون والأراضي الزراعية بمنزلة مراعٍ مفتوحة لهم ولا أحد من الأهالي يجرؤ على الاعتراض أو طرد الرعاة من أرضه التي يتلف محصولها أمام عينه".

أراضي المهجرين في مزاد الاستثمار

زار وزير الزراعة في حكومة النظام محمد حسان قطنا، خلال شهر كانون الثاني، ريف إدلب لدعم توجهات مجلس المحافظة التي تروج لتقليل هيمنة الميليشيات، وسحب مزيد من الأراضي الزراعية التي تعود ملكيتها لمهجّرين لكي يستثمرها المجلس.

ومن المفترض أن يطرح مساحات جديدة من الأراضي للاستثمار، والتي تزيد على 16 ألف هكتار من أراضي المهجّرين التي كان يستثمرها قادة بارزون في قوات النظام والميليشيات وشخصيات بعثية نافذة.

وجال "قطنا" في قرى مناطق سراقب وأبو الضهور وخان شيخون للاطلاع على المساحات التي وضع المجلس يده عليها بعد أن كانت الميليشيات تديرها، واستقبل المحافظ "سلهب" وفداً يمثل بلدة التمانعة جنوبي إدلب، وطالبه بأن تُعطى الأولوية في المزادات العلنية التي تخص طرح أراضي المهجّرين للاستثمار، لأقاربهم.

وذكرت مصادر متطابقة في ريف إدلب الشرقي لموقع تلفزيون سوريا أن "وجهاء محليين مقربين من النظام وقادة عشائريين في الميليشيات (الدفاع الوطني وكتائب البعث) يحتفظون بمساحات هائلة من الأراضي الزراعية التي تعود ملكيتها للمهجّرين في عدد كبير من القرى والبلدات التي يسيطر عليها النظام، وهؤلاء لم يتمكّن مجلس المحافظة من الاقتراب من استثماراتهم الزراعية".

وأشارت المصادر إلى أن "المشكلة لم تعد فقط في السيطرة على أراضي وبساتين المهجّرين واستثمارها وتداولها بين مقربين للنظام كهدايا وقرابين للتقرب من قادة وضباط وبعثيين في نظام الأسد، بل هناك سياسة منظمة لحيازة هذه الأراضي بعقود شراء، هناك الكثير من المهجّرين وبسبب فقرهم ونزوحهم اضطروا لبيع أراضيهم عبر وسطاء من أقاربهم يعيشون في مناطق ريف إدلب وبأسعار رخيصة جداً مقارنة بالأسعار المتعارف عليها".

سبق لـ"مجلس محافظة إدلب" أن أسّس ما يُعرف باللجان المكانية التي عملت على تحديد الأراضي الزراعية التي تعود ملكيتها لمهجّرين في ريف إدلب الذي يسيطر عليه النظام، وعلى أساس الجرد الذي أجرته اللجنة استحوذ المجلس على مساحات شاسعة من البساتين والأراضي وعرضها تباعاً في مزادات علنية للاستثمار، وجرت العادة أن يحظى باستثمارها مقربون من "البعث" والميليشيات ووجهاء عشائر مقربون من نظام الأسد، في حين بقيت مساحات كبيرة تديرها الميليشيات وتزرعها في المناطق التي ما تزال عسكرية ويمنع الدخول إليها، وبالأخص في منطقتي معرة النعمان وسراقب شرقاً، وكفرنبل والريف المحيط بها جنوباً.