زيادة التورط السوري في المواجهة الإسرائيلية الإيرانية

2020.11.22 | 23:02 دمشق

2019_1_12_11_19_38_194.jpg
+A
حجم الخط
-A

لم يعد سراً أن الفترة الزمنية المتبقية من ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب تشكل لإسرائيل هامشاً ضيقاً لفرض المزيد من الحقائق على أرض الواقع، ومنها الجبهة السورية، التي شهدت في الأسابيع الأخيرة تكثيف الضربات الجوية الإسرائيلية عليها.

صحيح أن هذا السلوك العسكري الإسرائيلي ليس حديث العهد، بل مرت عليه سنوات طويلة، لكن الجديد هو الإعلان الإسرائيلي بالمسؤولية عن الهجمات الأخيرة، وهو تطور استثنائي، تم تبريره إسرائيلياً بأنه خطوة "طبيعية" في إطار "رد الفعل" على وضع متفجرات على السياج الحدودي السوري الإسرائيلي، واعتبر إشارة عنيفة من إسرائيل باتجاه إيران، بأنها لن تسمح لها بإنشاء جبهة عسكرية نشطة جديدة في مرتفعات الجولان.

التقدير الإسرائيلي يذهب باتجاه أن ذلك الهجوم الليلي على دمشق لا يكفي لوقف هذه النوايا الإيرانية، ما يعني أنه ستكون هناك من حين لآخر هجمات إسرائيلية على أهداف إيرانية في سوريا، ردا على نشاط إيراني مثل وضع متفجرات على الحدود الإسرائيلية، مع أن هذه الهجمات تضمنت أمورا أخرى، منها مساكن الإيرانيين في عدة قواعد، باستثناء المستودعات، وبطاريات الصواريخ المضادة للطائرات، التي نقلتها إيران إلى سوريا.

توثق الأوساط العسكرية الإسرائيلية أهم الضربات التي استهدفت الأراضي السورية خلال عام 2020، آخرها في 18 من نوفمبر، واعتمد سلاح الجو الإسرائيلي خلال تنفيذ هجماته داخل سوريا على طائرات إف16 ومروحيات الأباتشي، والطائرات المسيرة.

وركزت إسرائيل على استهداف المنشآت العسكرية مثل مطار تيفور، ومستودعات التسليح والتصنيع والتذخير، وعربات القتال، وبطاريات الدفاع الجوي، ومباني القيادة، والعربات التي تحتوي على قادة بارزين، وشملت الضربات الجوية مواقع في ثماني محافظات: القنيطرة، درعا، دمشق، ريف دمشق، دير الزور، حمص، حماة، وحلب.

مع العلم أن الهجوم الأخير على سوريا يؤسس لمرحلة جديدة في مواجهة الوجود الإيراني فيها، وهناك احتمال أن يكون الحدث الأمني على الحدود يهدف لفحص اليقظة الإسرائيلية، ودراسة احتمالات تنفيذ هجمات انتقامية، أو تسلل نحوها، لكن الهجوم الواسع للقوات الجوية الإسرائيلية يعد تحذيرا استراتيجيا لإيران التي بدأت في نقل أنظمة الدفاع الجوي إلى سوريا.

المعطيات الإسرائيلية تتحدث أن المتفجرات الموضوعة على حدود مرتفعات الجولان هدفت لخدمة الاحتياجات التكتيكية، مثل اختبار اليقظة الإسرائيلية في المنطقة، وربما استعداد لتسلل محتمل في المكان ذاته، أو هجوم انتقامي يستهدف جنود الجيش الإسرائيلي الذين يقومون بدوريات على طول الحدود.

تزامن تكثيف الضربات الجوية الإسرائيلية باتجاه سوريا مع ما وقعته الأخيرة من اتفاقية جديدة مع إيران تسمح لها بنقل أجزاء من الأنظمة الحديثة المضادة للطائرات للتعامل مع الهجمات الإسرائيلية، وتعزيز الدفاع الجوي السوري ضد الهجمات الإسرائيلية على أراضيها باستخدام الطائرات والصواريخ، مما يعكس المستوى العالي للعلاقات الاستراتيجية ومتعددة الأبعاد بينهما، وبدا واضحا أن التغييرات في نمط العمل الإيراني في سوريا ستحدث قريبا.

تتحدث المعلومات الأمنية الإسرائيلية الأخيرة عن زيادة بشحنات الأنظمة المضادة للطائرات والصواريخ من إيران إلى سوريا، المصممة لتعزيز نظام دفاعها الجوي، ومعظمها مصنوع في روسيا، ويتم شراؤه منها، ويشمل الجهد الإيراني تصميم أجزاء من الأنظمة، وتسليمها، بهدف التحايل على رفض الروس تسليم بطاريات S-300 طويلة المدى والمتقدمة لجيش النظام السوري.

يمكن الحديث أن الضربات الجوية الإسرائيلية باتجاه سوريا تقف خلفها أربعة دوافع، في وقت تستعد فيه الولايات المتحدة لاستقبال رئيس جديد يبشّر بالعودة لاتفاق النووي مع إيران، بعض

سعت إسرائيل من ضرباتها الأخيرة لإطلاق إشارة للإيرانيين، مفادها أن فترة الهدوء انتهت، والصبر عاد إلى مستواه السابق

هذه الأسباب سياسية، وأخرى عملياتية، مع أن هذا الهدوء النسبي، كان كفيلا بنقل رسالة مغلوطة، تفيد بأن إسرائيل اتخذت خطوة للوراء فيما يتعلق بالقتال الذي تخوضه ضد مساعي التسلح والتموضع للإيرانيين وفروعهم في سوريا ولبنان.

لقد سعت إسرائيل من ضرباتها الأخيرة لإطلاق إشارة للإيرانيين، مفادها أن فترة الهدوء انتهت، والصبر عاد إلى مستواه السابق، ويقترب من نقطة الصفر، وعليه، فقد أخذ الجيش الإسرائيلي المسؤولية العلنية عن الهجمات، انطلاقا من عدة دوافع أساسية.

الدافع الأول تتعلق بمسؤوليتهم المباشرة والحصرية عن العملية المخطط لها، ومثلما حصل في مرات سابقة حين تم وضع عدد من العبوات الناسفة على الحدود، فإن من زرعوا العبوة هذه المرة كانوا أيضا سوريين من الجولان، لكن التمويل والتدريب والتوجيه جاء من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.

الدافع الثاني للهجوم الإسرائيلي هو الرغبة بدفع سوريا لأخذ المسؤولية الكاملة عما يجري في الجولان، وفي حال كان الأسد غير معني بتدهور نظامه إلى الحرب مع إسرائيل، فإنها تتوقع منه أن يتأكد من أن مجال الحدود سيكون هادئا ونقيا، رغم أنه من المشكوك فيه أن يكون هذا التوقع واقعيا، إذا أخذنا بالحسبان قدرات الجيش السوري، وقيوده تجاه إيران وحزب الله، فلا تزال هذه مشكلة الأسد، وبهذه الصفة فإنه من يدفع ثمن موجة الهجمات الأخيرة.

الدافع الإسرائيلي الثالث يتعلق بحزب الله، الذي لا يزال يحتفظ بملف مفتوح مع إسرائيل، فقد حاول مرتين وفشل في الثأر لمقتل أحد عناصره في هجوم لسلاح الجو على مطار دمشق، وفي الهجوم الأخير عليها أشارت إسرائيل أن صبرها قصير، وأن هجماتها كفيلة بأن تكون غير متوازنة مع الفعل نفسه.

الدافع الإسرائيلي الرابع يتعلق بأصحاب القرار في طهران، وكذا للقوى العظمى، الكفيلون بأن يعتقدوا خطأ، بأن انتهاء ولاية ترامب ودخول بايدن للبيت الأبيض، سيؤدي لسياسة أكثر رقة تجاه إيران، وفي هذا الهجوم، تزعم تل أبيب أنها ليست جزءا من هذه القصة، وبقدر ما يتعلق الأمر بمصالحها في الساحة الشمالية، ويحتمل في المستقبل أيضا بالنسبة للنووي، فإنها ستواصل العمل بشكل مستقل.

تفيد تجربة إسرائيل الماضية بأن إيران لا تسارع للرد على المس بها، وقد تحاول الآن البحث عن فرصة مناسبة، قبل أن تعمل مرة أخرى، وهذا يستوجب من إسرائيل كما هو الحال دوما اليقظة الاستخبارية العالية، والتأهب في منظومات الدفاع الجوي، وأكثر من ذلك؛ الفهم بأن الوضع في الشمال يتغير، مرة أخرى يحتمل أن يكون الهدوء النسبي الذي ميز الجبهة في الأشهر الأخيرة سيصل الآن إلى نهايته.

مع العلم أن تقديرات أجهزة الأمن الإسرائيلية ترجح أن الوقت الحالي ملائم للعمل ضد قوات إيران الموجودة في سوريا؛ بفعل الضائقة التي تعاني منها إيران على إثر إجراءات إدارة الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، لأن المنظومة الأمنية الإسرائيلية تشخص فرصة في الفترة القريبة، باعتبارها فترة مواتية لتشديد الضغوط على القوات الإيرانية في سوريا.

التقدير الإسرائيلي يرجح أن إيران لن تخرج من سوريا دون تدخل سياسي من الولايات المتحدة وروسيا، واستئناف الحوار حول المسألة، ولكن يسود الاعتقاد في إسرائيل بأن هناك فرصة الآن، حيث يلوح في الخلفية دعم أميركي هام وملموس.

ومع الأزمة الاقتصادية والاستراتيجية التي تعصف بإيران، سجل جهاز الأمن الإسرائيلي تباطؤا في تمركز القوات الإيرانية في سوريا خلال السنة الأخيرة، وهذا الاتجاه تعزز بعد اغتيال قاسم سليماني على يد القوات الأميركية أوائل العام 2020، ما يعني أن إيران بعيدة عن الأهداف التي وضعتها لنفسها في سوريا، من الناحيتين العسكرية والمدنية على حد سواء.

وقد جاءت هجمات سلاح الجو الإسرائيلي في سوريا كرد على زرع العبوات المكتشفة، وهدفت لتمرير رسالة للإيرانيين بأن تل أبيب ستواصل العمل ضد أي هدف يرتبط بتمركز قواتها في المنطقة، إضافة لتوجيه رسالة إلى سوريا التي توفر الغطاء للإيرانيين للعمل ضد المصالح الإسرائيلية، وهي تضغط في صالح إخراج قوات إيرانية من مناطق معينة في سوريا.

وخلال الفترة التي تسبق دخول بايدن إلى البيت الأبيض، يسود الاعتقاد لدى الأجهزة الإسرائيلية بأن إيران ستكون حذرة في تلك الفترة، ولن تنفذ عمليات دراماتيكية في سياق عسكري أو في السلاح النووي.

وقد تزامن ذلك مع تصريحات لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، التي أكد فيها أن الإدارة الأميركية لن تخفف الضغط على طهران، ومن ذلك زيادة الضربات الإسرائيلية الموجهة لإيران على الأراضي السورية، لاسيما خلال نهاية الفترة المتبقية من ولاية ترامب، وبداية الفترة الأولى من ولاية بايدن، الذي لن يكون متفرغاً للملف الشرق أوسطي عموما.