icon
التغطية الحية

"زواج المبدعين".. عن إشكالية العلاقة بين قيد الزواج وحرية الإبداع

2022.12.25 | 12:43 دمشق

المبدعين
+A
حجم الخط
-A

اثنتان وثلاثون سيرة تحليلية لتجارب زواج جمعت بين مبدعَين، من العرب وغير العرب، يقدمها الكاتب والشاعر اللبناني شوقي بزيع عبر كتابه الصادر حديثاً والذي حمل عنوان "زواج المبدعين.. ثراء المتخيل وفقر الواقع"، ليجيب من خلالها عن العديد من التساؤلات المرتبطة بتفاصيل العلاقة بين طرفي التجربة.

ويحاول بزيع في كتابه الذي جاء في 350 صفحة، الكشف عن طبيعة العلاقة ما بين الإبداع، كحالة تأبى الانصياع للأعراف والقيود والمفاهيم المجتمعية السائدة، وبين الزواج كحالة خاضعة للقوانين والأعراف والأنظمة المجتمعية وترتكز على تعاقد واتفاق محدّد بين طرفين، وتسود الرتابة والقيود على مختلف تفاصيلها الحياتية.

"عشّاق ناجحون وأزواج فاشلون"

في تقديمه للكتاب، كتب بزيع: لعل أكثر ما يستوقف القارئ المتأمل، هو أن معظم العلاقات التي حاولت أن تحلق بجناحي الحب، وشغف الاتحاد بالآخر والتوق إلى المطلق، قد تحطمت في ما بعد على صخرة المؤسسة وتبعاتها المرهقة. وقد تكون الأعباء المادية هي الجانب الأقل وطأة من هذه التبعات، في حين يتوزع الباقي بين اختلاف الأمزجة، ونزعة الامتلاك، وتصادم الأفكار والقناعات، وتقلص مساحة الحرية.

المؤسسة الزوجية تستنزف الطاقة الإبداعية بسبب المسؤوليات العائلية، والعمل الإبداعي شأن فردي يحتاج إلى فضاء واسع غير قابل للتقاسم وإلا تشتت المبدع وفقد حالة إبداعه

على أن هذه الإشكاليات تأخذ أبعاداً أكثر احتداما لدى الكتاب والمبدعين، الذين يحتاج كل منهم إلى كامل المساحة المكانية التي يشغلها، وكامل الفضاء الذي يحيط به، وكامل الهواء الذي يتنفسه. فلا غرابة أن يكون المبدعون على نحو عام عشاقاً ناجحين؛ لأن الحب في عمقه يتغذى من المواد نفسها التي تغذي الإبداع، وفي مقدمتها الغياب والمسافة وعواصف الداخل وكثافة الزمن ومتعة الاكتشاف.

وأن يكونوا في المقابل، عدا استثناءات قليلة، أزواجاً فاشلين، لأنهم كائنات شديدة التطلب، وغير قابلة للتدجين. وهو ما يظهر جلياً عبر معظم الثنائيات التي تناولناها بالدراسة والتي أفسدها التنابذ والخيانة والنرجسية الفاقعة والعنف الأسري، فتوزعت مآلاتها المأساوية بين الانفصال والطلاق والقتل والانتحار وارتياد المصحات.

"الحب شعر والزواج نثر"

من التقديم السالف، يأتي تعريف بزيع للزواج على أنه "مؤسسة زوجية تستنزف الطاقة الإبداعية بسبب المسؤوليات العائلية"، وبأن العمل الإبداعي "شأن فردي يحتاج إلى فضاء واسع غير قابل للتقاسم وإلا تشتت المبدع وفقد حالة إبداعه خصوصاً أنّ مشكلات الزواج كثيرة، بما فيها الأعباء المادية والغيرة التي تعود إلى الطبائع والأمزجة، وأمور أخرى بما لا يترك مجالًا لتوسع الأنا، فيتم التصادم".

وانطلاقاً من السؤال المعقّد الذي طرحه الشاعر مؤلف الكتاب: "هل الحب شعر العالم والزواج نثره؟ يمضي المؤلف في سرد تلك التجارب التي اختلفت تفاصيلها ومصائرها تبعاً لاختلاف مفاهيم وأمزجة أصحابها من المبدعين، مشبّهاً حالة الحب بالشِعر والزواج بالنثر، من منطلق أن الحب يُبنى على أساس عاطفي تطغى عليه التخيّلات ويسوده الفرح والحزن والقلق والتوتر، ومختلف الانفعالات الأخرى.

ويبيّن بزيع بأنّ أحد أهم دوافعه إلى البحث والغوص في هذه السير العاطفية، والكشف عن إيجابياتها وسلبياتها، ينبع من اهتمامه بمن يشبهونه في عالم الكتابة والأدب والفنون، فأخذ يبحث بموضوعية في جذور المشكلات الزوجية وأسبابها والظروف المحيطة بها ومصائرها، مشيراً إلى أنه لم يتمكن من إجراء مقاربات مناسبة في بعض التجارب المطروحة، خاصة العربية منها، نظراً لندرة المصادر والوثائق.

أمثلة من "زواج المبدعين"

من بين سيَر المبدعين العرب التي استعرضها شوقي بزيع في كتابه، نجد سيرة الزوجين الراحلين نزار قباني وبلقيس الراوي، ويرى المؤلف أن "نزار كان أقل تناغماً مع المؤسسة الزوجية. فالزوجة الأولى التي أنجب منها أبناءه، فقدته بسبب الغيرة. أما بلقيس الراوي فقد كانت لافتة، شُغف بها نزار وتبادل معها الرسائل وبذلا جهداً كبيراً لتخطي مشكلات الزواج ومنها الغيرة التي تَحكّم بها الزوجان".

كما تطرق الكتاب لسيرة الشاعر الراحل أمل دنقل مع عبلة الرويني، ومحمود درويش مع رنا قباني، ويوسف الخال مع مها بيرقدار، ورافع الناصري مع مي المظفر، ولعلاقة الشاعر محمد الماغوط مع زوجته الشاعرة سنية صالح التي أراد بزيع الكشف عن تفاصيلها القاسية وعن الحزن الذي اعترى الماغوط بعد رحيلها المبكر وندمه على ما بدر منه تجاهها. بالإضافة إلى تجارب أخرى عديدة.

أما بخصوص المبدعين من غير العرب، فقد تناول الكاتب تجارب دستويفسكي مع زوجته آنّا جريجوريفنا، ونيكوس كازانتزاكي مع إيليني ساميوس، وتولستوي مع صوفيا أندرييفينا، وألبرتو مورافيا مع إلسا مورانته، ودييجو مع فريدا كاهلو، وناظم حكمت مع فيرا تولياكوفا، وسارتر مع سيمون دي بوفوار، والشاعر أراغون مع الكاتبة إلسا تريوليه. وغيرهم.

وخصص بزيع الصفحات الأخيرة من كتابه ليستعرض تجربته الشخصية، معبراً عن رأيه بحالة "العزوبة" التي يعتبرها حالة موازية للحرية والشغف. ويرى بزيع أن ما يغطّي على تبعات المؤسسة الزوجية هو وجود زوجة هادئة ومتفهمة وابنتين رائعتين يشاركنه الحياة. ويقول: "إذا كان الشعر من ناحية أخرى قد أصيب ببعض الكدمات الجانبية وبالخصوص في ما يتعلق بقصائد الحب والوله العاطفي، فقد وجد ضالته المقابلة في تربة التأمل والحكمة والحفر الداخلي".


الكتاب: "زواج المبدعين ثراء المتخيل وفقر الواقع
المؤلف: شوقي بزيع
الإصدار: دار مسكيلياني للنشر والتوزيع- تونس، 2022