زلزال الحقيقة والمآسي

2023.02.15 | 05:58 دمشق

زلزال الحقيقة والمآسي
+A
حجم الخط
-A

لم يتضح بعد هول وحجم الدمار الحقيقي لزلزال القرن الذي ضرب تركيا وسوريا، ولم يتضح بعد حجم الدمار النفسي للذين تعرضوا للزلزال أو الذين تم إنقاذهم من تحت الأنقاض، وخاصة الأطفال والأشخاص الذين فقدوا أحباءهم في تلك الكارثة، فالأيام القادمة كفيلة بإظهار ما كان مدفونا في غياهب النفس البشرية أو تحت الركام، إضافة إلى العمل الهائل والكبير المنتظر بعد رفع الأنقاض وإعادة بناء ما هدمه الزلزال.

هذا الزلزال رغم بشاعته فقد أظهرَ بعض الحقائق التي كانت تتوارى خلف أقنعة متعددة، فموقع ميدل إيست أي البريطاني يقول إن هذا الزلزال كشف الوجه الحقيقي لأوروبا والغرب، وإن هذا الغرب مهتمّ بالحرب والتدمير أكثر من اهتمامه بالإعمار والتعمير وإن هذا الزلزال كان بمنزلة فرصة له لإظهار وجهه الإنساني وقدرته على الإعمار، وإحياء الإنسانية لكن للأسف هو مهتمّ فقط بالحرب في أوكرانيا حتى وسائل إعلامه اختفت من عناوينها الرئيسية أخبار زلزال القرن ومآسيه لصالح زياره زيلينسكي وغيرها من الأخبار الأخرى، وطال النقد حتى صعيد المساعدات لكارثة بمثل هذا الحجم والتي رُصد لها 6 ملايين دولار من أجل إغاثة 5 ملايين شخص في حين يتم إنفاق 2.3 مليار دولار كأسلحة لأوكرانيا من قبل بريطانيا وحدها.

حجم المصيبة والكارثة لا يتناسب مع حجم الفرق التي جاءت ولا مع حجم المساعدات التي وصلت على قلتها متأخرة

قناع آخر يسقط من وجه الأمم المتحدة والتي تأخرت مساعداتها باتجاه الشمال السوري وكأن الأمر حادث بسيط وليس هناك آلاف من الأبرياء تحت الأنقاض يعانون من وطأة الزلزال والأحوال الجوية القاسية من برد وخوف وجوع وعطش، يحتاجون إلى الثانية لا إلى الدقائق من أجل إنقاذهم، لا أحد ينكر صعوبة وتعقيد الوضع الميداني في سوريا لكن مؤسسات من قبل الأمم المتحدة كانت قادرة على التواصل مع جميع الأطراف السياسية والعسكرية في سوريا من أجل إيصال معدات متطورة تسهم على الأقل في إنقاذ من تبقى حياً تحت الأنقاض، ورغم وصول بعض فرق الإنقاذ من بعض الدول فإن حجم المصيبة والكارثة لا يتناسب مع حجم الفرق التي جاءت ولا مع حجم المساعدات التي وصلت على قلتها متأخرة.

أسقط الزلزال قناع الحدود السياسية والعسكرية سواء بين الدولتين السورية والتركية أو بين فصائل المعارضة السورية فيما بينها وأيضاً فيما بينها وبين النظام، فهذه الجغرافيا متقاربة فيما بينها ثقافياً وإنسانياً وحتى بالعادات والتقاليد وغيرها من الأمور، فهذا الزلزال لم يفرّق بين سوري أو تركي ولا يمكن تجاوز آثار الزلزال هذا دون تكاتف الجميع، فعلى الجميع في سوريا إيقاف الحرب وأن يتطلعوا لهذا الإنسان الذي دارت عليه الدوائر وجارت عليه الطبيعة بما تملك من قوة وقسوة، وعليهم رمي خلافاتهم أو تجميدها إلى حين حتى يتم تجاوز هذه الكارثة، أما في تركيا فعلى أصحاب حملات التحريض ضد السوريين وغيرهم الاتعاظ والتوقف عن تلك التحريضات، فلا الزمان ولا المكان مناسب، والمصاب مشترك على كلا الشعبين وكأنها رسالة من الطبيعة تقول إن قدر هذه المنطقة التي ضربها الزلزال قدر مشترك.

هذا الزلزال كشف عن الوجه الحقيق لكل أولئك الذين يستغلون الأزمات ويسرقون وينهبون كل ما يمكن نهبه

الزلزال أسقط قناع الفساد المتخفي خلف تجار البناء والمقاولين الذين باعوا ضمائرهم من أجل حفنة من المال، أبنية بكاملها حديثة العهد والبناء هوت كأنها جذع خاوٍ تسببت بمقتل آلاف من الناس، هذا الأمر استوجب فتح تحقيق موسع لتتكشف الحقائق عن شبكات فساد متعاونة فيما بينها، وهذا الأمر لا بد أنه آخذ بالاتساع ولن يتوقف عند الولايات العشر التي تعرضت للزلزال، بل لا بد من توسيعه ليشمل كل الولايات التركية فالأمر جد خطير ولا يمكن ترك مثل هذه الأمور دون مراعاة كل التدابير في المدن الأخرى، إضافة إلى إعادة تعمير البنى التي أصبحت قديمة ولا تصلح لمقاومة الزلازل.

هذا الزلزال كشف عن الوجه الحقيق لكل أولئك الذين يستغلون الأزمات ويسرقون وينهبون كل ما يمكن نهبه، وأيضاً أولئك الذين يسرقون المساعدات ويبيعونها على حساب الأرواح التي زهقت في هذه الكارثة، وعلى حساب الذين بقوا في العراء لا مأوى لهم وإلى متى لا أحد يعلم حتى يتفق المجتمع الدولي من أجل مساعدة هؤلاء الناس وإرسال المساعدات لهم، هذا إن لم يحصل خلاف فيما بينهم على كيفية أو طريقة وصول تلك المساعدات.