روسيا وتسييس المساعدات الإنسانية في سوريا

2022.08.02 | 06:18 دمشق

روسيا وتسييس المساعدات الإنسانية في سوريا
+A
حجم الخط
-A

تساءل وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية: "ما هو الخطأ في نظام المساعدات الإنسانية في العالم، وكيف يتم إصلاحه؟" وتشير الأرقام الأممية إلى أن كل 1 من أصل 33 شخصا في العالم يحتاج إلى مساعدة إنسانية، وهناك قرابة 80 مليون شخص تحركوا في العالم، بين مهاجر ومهجّر ونازح ولاجئ، وذلك بسبب الصراعات والحروب والفقر والعنف. وعلى لسان المسؤولين في برامج المساعدات الإنسانية الأممية فقد فشل مسار التمويل والمساعدات في مواجهة الاحتياجات المتزايدة، ولعل أبرز وجوه القصور في نظام المساعدات الإنسانية هو تسييس هذا النظام وعدم الاهتمام الكافي بما يقوله الأشخاص المحاصرون والنازحون حول احتياجاتهم.

واليوم نجد أن المشهد السوري يجسد بوضوح تام عمق أزمة نظام المساعدات الأممية من خلال مسار ملف المساعدات الأممية لملايين السوريين الذين يعانون من التهجير والتجويع والعنف والخوف، حيث أفرزت الحالة السورية قرابة 13 مليون لاجئ ومهجَّر قسري داخلي، منهم قرابة 4 ملايين يقيمون في الشمال السوري ويعيشون ظروف نزوح غير مستقرة ضمن حالة من الكثافة السكانية تتزامن مع غياب فرص العمل وانقطاع سبل العيش وتردي الرعاية الصحية وتهديد الأمن المائي والغذائي للغالبية العظمى منهم، ولا سيما سكان المخيمات والتي وصل عددها  إلى 1300 مخيم تقريبا، منها 282 مخيماً عشوائياً وغير مسجل، وبالتالي لا تصل إليه المساعدات.

واقع المساعدات ومسارها المسيّس  

كانت هذه المساعدات تدخل إلى سوريا منذ عام 2014 من خلال خمس نقاط وهي مكاتب (غازي عينتاب، بيروت، عمان، أربيل، دمشق ) وكانت وما زالت تمثل شريان حياة لكثير من السوريين، بالرغم من محدوديتها وتعرضها للاعتداء والفساد ولا سيما في مناطق سيطرة نظام الحكم الحالي في سوريا، وذلك من خلال استغلال آليات تنظيم عمل الهيئات الأممية والتي تقتضي وجود الشركاء المحليين كي تعمل من خلالهم، والشريك المحلي الذي يدير ملف المساعدات في تلك المناطق، هي منظمات تتبع لما يسمى "منظمة الأمانة السورية للتنمية" والتي تشرف عليها أسماء الأخرس زوجة بشار الأسد الرسمية، ومنظمة الهلال الأحمر السوري والتي يشرف عليها جهاز الأمن الجوي. وأصبح ملف المساعدات عرضة للضغوط والمساومات السياسية في كل اجتماع أممي أو دولي يختص بالشأن السوري، وفي سابقة منافية لجميع قواعد القانون الدولي الإنساني تم ربط إيصال المساعدات الإنسانية بموافقة مجلس الأمن، مما أتاح الفرصة لروسيا باستخدام هذا الملف في المداولات والتفاوض كورقة ضغط، منذ تورطها بشكل مباشر في قتل السوريين وتشريدهم بالتوافق مع رئيس ميليشيا نظام الحكم في سوريا بعد عام 2015 ونتج عن ذلك تقليص عدد منافذ دخول المساعدات إلى منفذين اثنين فقط وهما / دمشق في سوريا وباب الهوى في تركيا/ وذلك بسبب ضغط روسيا المستمر واستخدامها حق النقض "الفيتو" الذي يراد به باطل سياسي وإنساني، وبمؤازرة متكررة من الصين وتآمر مستتر من بعض الدول التي تحكمها الديكتاتوريات والتبعية للبلطجة الروسية، وتلعب روسيا اليوم في ورقتها الأخيرة حيث تريد فرض منع مرور هذه المساعدات من معبر باب الهوى، وحصر تسلُّمها وتوزيعها بنظام الحكم الحالي.

ماذا تريد روسيا من إسقاط المساعدات؟

تسعى روسيا من خلال ضغطها المستمر وتنسيقها مع بعض الدول إلى حصر دخول المساعدات من خلال حكومة بشار الأسد لتحقيق جملة من الأهداف ومن أبرزها:

1 – تقوية نظام الحكم من خلال حصر دخول المساعدات عبر مكتب دمشق، وتمكين الأسد من استخدام سلاح التجويع والحصار ضد الشعب السوري والذي لطالما استخدمه باستمرار وحتى من قبل اندلاع الثورة السورية.

2 – إحكام الحصار على المدنيين الذين يقيمون في المناطق التي لا يسيطر عليها النظام، وكسر إرادتهم بالتغيير والتحرر، وقبولهم بحلول الأمر الواقع مهما كانت لا تمثل طموحاتهم الإنسانية والسياسية.

3 – التحكم بكل ما يدخل إلى سوريا من معونات ومساعدات وتسيسس الملف بشكل كلي، وخطوة تمهيدية للاستفادة من أموال إعادة الإعمار المحتملة.

4 – إدخال القضية السورية في مجال التجاذبات السياسية الدولية والإقليمية التي تشهدها روسيا بعد إعلان حربها على أوكرانيا، ودخولها في تحديات دولية مختلفة منها مع دول الاتحاد الأوروبي ومنها مع تركيا وإيران.   

وقد بلغ حجم المساعدات المقدرة بحسب تقرير الاستجابة السنوية للأمم المتحدة حول سوريا 4.44 مليارات دولار لعام 2022 والمغطى منها حتى الآن 24٪ فقط ونحن قد عبرنا إلى النصف الثاني من العام نفسه، والفجوة تمثل 76٪ بين الاحتياج والمغطى. مع الإشارة إلى أن 40٪ من حجم الاحتياج يعود لقطاع المخيمات، ثم يليه قطاع الأمن الغذائي واللوجستيات الطبية، وتشير بيانات المكتب المالي في الأمم المتحدة لشؤون المساعدات الإنسانية إلى أن الاحتياج في سوريا يزداد منذ عام 2013 حتى اليوم، وأكثر عام فيه احتياج هو العام الحالي، وهذا ناتج عن إطالة أمد الصراع والنزاع على الساحة السورية، وتراجع الاهتمام الدولي والسياسي بقضية السوريين لصالح مستجدات جديدة وتقاطع مصالح على الساحة الدولية.

إذاً اختلف أعضاء مجلس الأمن خلال جلستهم الخاصة بملف المساعدات في مسألة إيصال "القليل الذي لا يكفي"، في الوقت الذي ينتظر فيه السوريون من اجتماع المجلس والأمم المتحدة حلولاً وبدائلَ لقضيتهم في التحرر من الاستبداد والظلم وإيقاف نزيف الدم واللجوء والنزوح، فأي خيبة وأي خذلان يواجهه السوريون، حين لوت السياسةُ عنقَ الإنسانية في الشمال السوري المهدد بكارثة حقيقية بعد انتهاء فترة الأشهر الستة للتمديد الأخير لدخول المساعدات الأممية الإنسانية من خلال معبر "باب الهوى".