روسيا والنظام: نكاية بالغرب أم حباً بالأسد؟

2021.03.19 | 06:04 دمشق

7.jpg
+A
حجم الخط
-A

تتركز معظم تحليلات السوريين لطبيعة العلاقة بين النظام وروسيا على محاولة تحديد إلى أي مدى تستطيع روسيا التأثير على النظام، حيث يعتقد الكثيرون أن لدى موسكو القدرة المطلقة على التحكم بقرار دمشق.

يعتمد هؤلاء على الصورة الذهنية المشكلة لدينا عن هذا النظام باعتباره مستعداً لفعل أي شيء والتنازل عن كل شيء مقابل تحقيق هدفه في البقاء والاستمرار، وهذا صحيح، ويعزوزن هذه القناعة بالمشاهد المذلة التي ظهر عليه مسؤولو النظام، وعلى رأسهم بشار الأسد أمام المسؤولين الروس، ومن ينسى كيف منع ضابط روسي الأسد من التحرك في حضرة بوتين خلال زيارته الأخيرة لقاعدة حميميم الجوية؟!

لكن ما سبق لا يشكل معطيات صلبة يمكن أن تبنى عليها الأحكام والسياسيات، بل أفضل ما تستطيع أن تقدمه مؤشرات مساعدة، أما الحقيقة فتتطلب تفحص كل التفاصيل والتوقف عند جميع الوقائع على هذا الصعيد منذ بداية الثورة عام 2011 إلى اليوم.

قبل عدة أسابيع نشرت صحيفة الشرق الأوسط تقريراً أشارت فيه للرسائل التي وجهها النظام إلى روسيا لإنقاذه من السقوط، وقالت إن هذا النوع من التواصل بدأ منتصف عام 2013، ولأن هذا التقرير أوحى أنه قبل ذلك التاريخ لم يكن هناك تواصل بين الجانبين فيما يتعلق بالتدخل الروسي المباشر، فقد استخف كثيرون بالتقرير، دون تقديم أدلة مادية يثبتون بها رأيهم، معتمدين مرة أخرى على قناعات مسبقة كل ما يؤكدها استخدام موسكو (والصين بمعية روسيا) حق النقض في مجلس الأمن ثلاث عشرة مرة لحماية النظام، كان أولها في تشرين الثاني 2011، وبالتالي، حسب هذا الرأي، فإنه لا يمكن تصور أن هذه الحماية الروسية للنظام في المحافل الدولية كانت بدون تنسيق عالي المستوى.

لكن المعطيات المتوفرة تشير بالفعل إلى أن كل ما سبق حصل بدون تنسيق بين النظام والروس، الذي استماتوا منذ اللحظة الأولى لحماية النظام بالقدر الذي تسمح به ظروف كل مرحلة، ليس حباً ببشار الأسد بقدر ما هو نكاية بالغرب.

مكاسب روسيا من الانخراط في الحرب بسوريا كانت أكبر بما لا يقارن من الخسائر التي ترتبت على ذلك، حيث كشف مسؤول في وزارة الدفاع يوم الاثنين الماضي أن عدد العسكريين الروس الذين قتلوا في سوريا منذ عام 2015 مئة وثلاثون فقط.

قبل سنوات أخبرنا أحد مسؤولي المجلس الوطني السوري الذين زاروا روسيا كأول وفد معارض يذهب إلى هناك، في أيلول 2011، أن وزير الخارجية سيرغي لافروف ركز كل نقده على المعارضة لعلاقتها بالغرب، وكان حانقاً جداً بسبب ذلك، إلى درجة أكد فيها للوفد أن بشار الأسد نفسه باع روسيا سابقاً وهرول نحو أوربا، ولذلك فإنها لا تهتم كثيراً به بل تريد أن لا يستولى الغرب على سوريا، ولا ننسى أنه في ذلك العام حذر الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيدف بشار الأسد من مصير مؤسف، بينما أكد لافروف وقتها أن على النظام تقديم تنازلات للمعارضة إذا ما أراد إنقاذ نفسه.

وللعلم، كانت الزيارة الأولى للافروف إلى سوريا بعد الثورة في شباط 2012، أما زيارته الثانية فكانت بعد أكثر من ثماني سنوات، وتحديداً في أيلول 2020.

المؤشر الثاني الهام على عدم الحماس الروسي لتقديم دعم مباشر للنظام يتجاوز الغطاء السياسي في مجلس الأمن والأمم المتحدة، كان عدم تنفيذ صفقات سلاح هامة معه على الرغم من تزايد حاجته إليها طيلة السنوات الماضية، وكانت أول صفقة معتبرة بين الطرفين قد وقعت في العام 2017 وقدمت بموجبها روسيا طائرات جديدة للنظام لم يتم تسليمها بالكامل حتى اليوم، بينما كانت الصفقة الأهم على الإطلاق هي منظومة الدفاع الجوي إس-300 التي تم نصبها في سوريا عام 2018 دون أن تفعل، علماً أن التدخل العسكري الروسي المباشر بدأ في أيلول 2015.

في الخامس عشر من آذار الجاري نشرت الشرق الأوسط تقريراً جديداً كشف عن عدد الرسائل التي وجهها النظام إلى روسيا لطلب التدخل وتاريخ وعبر من تم إرسالها.

نحو أربعين رسالة بعث بها النظام إلى موسكو ابتداء من عام 2013 يستجدي فيها هذا التدخل، والمفاجأة أنها أرسلت من خلال صحفي من أصول فلسطينية على علاقة وثيقة بالنظام الروسي، وهو مؤشر مهم يكشف حقيقة مستويات العلاقة والتواصل بين دمشق وموسكو في تلك الفترة، على الرغم من استمرار الموقف الروسي الداعم للنظام في المحافل الدولية.

لن يقتنع الكثيرون طبعاً بفكرة أن كل ما سبق عام 2015 بما في ذلك استخدام روسيا ثقلها الدولي وتنسيقها مع الصين لمؤازرتها في حماية النظام دون طلب مباشر أو تعاون منه، لكن الواقع يقول إن هذا ما حصل، مع الإشارة إلى أن إيران كانت تقوم بمحاولة ملء هذا الفراغ، وحقيقة أن الروس لم يتدخلوا إلا بعد زيارة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري السابق قاسم سليماني يجب أن تعطي إضاءة أوضح على هذه النقطة.

 في دراسة مطولة لمركز الأبحاث الدولي (RAND) نشرت عام 2019، قدم الباحثون كثيراً من المعطيات التي تثبت عدم وجود دافع كبير يجعل روسيا تغامر في الذهاب بعيداً عن حدود محيطها لو أنها توقعت أنه سيكون عليها دفع فاتورة باهظة، كما أشارت الدراسة إلى أنه من غير الواضح أن موسكو مستعدة لدفع تكاليف الحفاظ على النفوذ في منطقة تعتبر ذات مكانة ثانوية بالنسبة لها.

والواقع أن مكاسب روسيا من الانخراط في الحرب بسوريا كانت أكبر بما لا يقارن من الخسائر التي ترتبت على ذلك، حيث كشف مسؤول في وزارة الدفاع يوم الاثنين الماضي أن عدد العسكريين الروس الذين قتلوا في سوريا منذ عام 2015 مئة وثلاثون فقط، بينما تشير كل التقديرات أن التكاليف المالية لعملياتها العسكرية كانت محدودة جداً وقد جدولت ضمن ميزانية وزارة دفاعها الكبيرة، إذ لم تحتج روسيا إلى استخدام الكثير من الأسلحة والذخائر، حيث حسم التفوق النوعي لسلاحها المعارك ضد فصائل المعارضة بسهولة، بل إن مكاسبها كانت كبيرة من خلال استخدامها الأرض السورية ساحة لتجريب أكثر من مئتي نوع من الأسلحة التي أنتجتها حديثاً.

ما سبق يؤكد أن موسكو لم تكن لتصبح متحكمة بالملف السوري على هذا النحو الذي باتت عليه اليوم لولا الاستكانة الغربية، وخاصة من قبل إدارتي الرئيسين الأمريكيين السابقين باراك أوباما ودونالد ترامب، وهو أمر يقول خلفهما جو بايدن إنه سيضع حداً لها من خلال عدم السماح لروسيا بتحقيق المزيد من التفوق في أي مكان، لكن هل ما زال الوقت سانحاً لفعل ذلك بالسهولة حتى مع التوتر الكبير الذي تفجر بين الدولتين يوم الأربعاء؟