روسيا واستغلال العامل الإنساني

2021.07.07 | 06:20 دمشق

altghat_dd_almsadat.jpg
+A
حجم الخط
-A

إذاً.. تريد روسيا أن تُغلق معبر باب الهوى، آخر معبر حدودي بين سوريا وتركيا، لتمنع مرور المساعدات الإنسانية عبر هذا المعبر، شريان الحياة الوحيد لأكثر من ثلاثة ملايين سوري، ومن المتوقع رغم الضغوط الأوروبية والدولية وارتفاع الصوت في مواجهة روسيا أن تضرب بعرض الحائط كل ما يُقال، وأن تستمر في عملها الشنيع هذا وتمنع تدفق شاحنات الإغاثة الدولية والبضائع إلى سكان مناطق سيطرة المعارضة السورية في محافظتي إدلب وحلب.

من المنتظر أن يعقد مجلس الأمن لقاء هذا الشهر من أجل تجديد التصويت على القرار رقم 2533، الذي ينص على السماح بتدفق المساعدات الإنسانية إلى سوريا من الحدود السورية - التركية عبر معبر باب الهوى، وقبل اقتراب موعد الجلسة، حذّرت الأمم المتحدة مجلس الأمن الدولي من الإخفاق في تمديد العمل بآلية إيصال المساعدات الإنسانية الأممية إلى سوريا عبر باب الهوى، وأن تقوم روسيا، حليفة النظام السوري، باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد قرار تمديد إدخال المساعدات من هذا المعبر، ونبّهت إلى أن ذلك سيُشكّل كارثة إنسانية لمن يقطن شمال غربي سوريا.

لم يشعر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتأنيب ضمير حين أعلن أن سوريا باتت حقل تجريب للأسلحة الروسية

كل هذا، في الغالب الأعم، لن يثني روسيا عن عملها غير الإنساني هذا، ولن يطرف لها جفن وهي تُعرّض ملايين البشر المساكين في الشمال السوري للمخاطر والجوع والفاقة، لكن ما تقوم به روسيا ليس بالأمر الغريب، فهي صاحبة تاريخ طويل من استغلال الحاجات الإنسانية كوسيلة من وسائل حروبها.

بداية، وعلى النطاق السوري، لا ننسى أن روسيا استخدمت قبل سنة تماماً حق النقض ومنعت مرور المساعدات الإنسانية من معبري باب الهوى وباب السلامة، وهي تُدرك أن حياة ملايين السوريين تتعرض للخطر نتيجة استخدامها لهذا الفيتو.

وقبل ذلك، وعلى النطاق السوري أيضاً، لا ننسى أنها استخدمت حق النقض "الفيتو" كعضو دائم في مجلس الأمن 16 مرة لصالح النظام السوري، كثير منها تتعلق بقضايا إنسانية أو طبية أو وقف المقتلة.

كذلك لم يشعر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتأنيب ضمير حين أعلن أن سوريا باتت حقل تجريب للأسلحة الروسية، لاكتشاف أوجه القصور في الطائرات والمروحيات والأسلحة الصاورخية، عبر قصف السوريين وتدمير البنى التحتية ونشر الموت، وأطلقت صواريخ من بحر قزوين لتقتل السوريين، وهددت بحرب عالمية ثالثة من أجل حماية النظام السوري.

أيضاً وفق أحد تقارير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن روسيا ارتكبت ما لا يقل عن 321 مجزرة، وقتلت أكثر من 6200 مدني، نحو ثلثهم من الأطفال، وقامت بـ 954 اعتداء على مراكز حيوية ودمرتها، ومنها مشافي ومدارس وأسواق وقوافل مساعدات، واستخدمت قذائف عنقودية محرمة دولياً أكثر من 232 مرة، وأسلحة حارقة 125 مرة، وساهمت في تشريد نحو 2.7 مليون سوري.

هذا في سوريا، لكن وحشية روسيا واستغلالها العامل الإنساني كسلاح حرب، لا تنحصر في سوريا وحدها، وليس سراً أن روسيا انتهكت قائمة طويلة من المعاهدات والاتفاقيات التي وقعتها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، كما أقامت علاقات ممتازة مع أسوأ ديكتاتوريات العالم وأكثرهم فساداً وقمعاً لشعوبهم، وأصحاب أسوأ ملفات حقوق الإنسان.

دعمت روسيا الزعيم الكوري الشمالي الديكتاتور كيم جونغ أون، الذي نصّب نفسه إلهاً في ذلك البلد، وشطبت ديونه وموّلت العديد من المشاريع التي أنقذته من العقوبات الدولية، على حساب شعب جائع فقير يُعاني الأمرين من حكم سلالة تعتبر البلد مزرعة شخصية لها.

مشكلة السوريين ليست في أنهم يواجهون نظاماً شمولياً لا إنسانياً، بل مشكلتهم الأهم أنهم يواجهون نظاماً له حلفاء شموليون غير إنسانيين، والروس على رأس تلك القائمة

كما دعمت النظام الأوزبكستاني، الذي منع الأحزاب وملأ السجون بالمواطنين، ونشر الفقر والحاجة والفاقة، واتهم بالإرهاب كل من انتقد النظام. ودعم النظام التركمانستاني وزعيمه كربان محمدوف، الذي أعاد تسمية أشهر السنة وفقاً لأسماء عائلته، وأفسد البلاد وأفقرها، ودعمت كذلك الزعيم الغيني تيودورو مباسوغو الذي يملك وأسرته كل الاقتصاد الغيني، بينما يعاني شعبه دون ماء وكهرباء منذ عقود، وتؤجج الصراع في شرق أوكرانيا رغم الأوضاع الإنسانية السيئة في تلك المنطقة، وغير ذلك الكثير من الممارسات التي لا تنظر فيها روسيا بالمطلق إلى الجوانب الإنسانية.

مشكلة السوريين ليست في أنهم يواجهون نظاماً شمولياً لا إنسانياً، بل مشكلتهم الأهم أنهم يواجهون نظاماً له حلفاء شموليون غير إنسانيين، والروس على رأس تلك القائمة تحديداً، نظام زاوج السياسة بالحرب بالاقتصاد بتركيبة لا تُحلل ولا تُحرّم، نظام يريد استعادة مجد قيصري بأي وسيلة، ضارباً بعرض الحائط كل القيم الإنسانية التي راكمتها البشرية خلال قرون، نظام مافيا لا يختلف كثيراً عن النظام السوري كنظام شمولي ديكتاتوري أمني.

ستبقى روسيا خصماً للسوريين التوّاقين للحرية والديمقراطية والعدالة، وعلى السوريين الذين يعتقدون أنها يمكن أن تنظر إلى جوانب إنسانية في الحالة السورية، أن يعوا أنهم يعيشون في وهم، وأن عليهم استثمار كل علاقاتهم وصلاتهم مع المجتمع الدولي، للضغط على روسيا لتأخذ - على الأقل - العوامل الإنسانية بعين الاعتبار في حربها في سوريا، وهو أضعف الإيمان.