icon
التغطية الحية

روسيا تلعب ورقة إيران مجدداً لعقد صفقة مع الغرب حول سوريا

2021.08.20 | 06:52 دمشق

biden-putin-1.jpg
أنطاكيا - فراس فحام
+A
حجم الخط
-A

يبدو أن صورة "الدرج التاريخي" التي نشرتها السفارة الروسية في طهران بتاريخ الحادي عشر من آب/ أغسطس الجاري، والتي ظهر فيها السفير الروسي "ليفان جاغاريان" ونظيره البريطاني "سيمون شيركليف"، كانت بمنزلة رأس الجليد لما يجري في الأروقة الروسية والغربية.

الصورة التي أثارت غضب إيران، ودفعتها لاستدعاء السفير الروسي "ليفان جاغاريان"، هي تذكير بلقطة تعود لحقبة الحرب العالمية الثانية، تحديداً خلال مؤتمر طهران عام 1943، أي بعد عامين فقط من احتلال الاتحاد السوفييتي وبريطانيا لإيران، وجمعت آنذاك زعيم الاتحاد السوفييتي "ستالين" إلى جانب رئيس الوزراء البريطاني "تشرشل"، والرئيس الأميركي "فرانكلين روزفلت".

ومن الواضح أن موسكو تعمدت توجيه رسالة عبر سفارتها في إيران لحكومة طهران، وتذكيرها بأنها اشتركت مع المعسكر الغربي سابقاً من أجل احتلال إيران، بالتوازي مع تعثر مفاوضات "فيينا" بين طهران ودول 5+1.

 

 

وتشير المعلومات التي رشحت من "فيينا" إلى أن الخلافات بين الولايات المتحدة وطهران تمحورت حول الدور الإيراني في المنطقة، والبرنامج الصاروخي.

هذه التطورات قد تكون فرصة مهمة بالنسبة لروسيا من أجل عقد صفقة مع الغرب حول سوريا، تتعلق بتحجيم النفوذ الإيراني من قبل روسيا، مقابل التوصل إلى تفاهم كامل وفق مصالح موسكو، وقد بدأت المؤشرات على ذلك تظهر بالفعل، سواء من جهة تخفيف العقوبات الغربية على النظام السوري، أو على الصعيد الميداني.

تقاطع مصالح روسية – أميركية

في اليوم ذاته الذي نشرت فيه سفارة روسيا بطهران صورة "الدرج"، أجرى وزير الدفاع الروسي "سيرجي شويغو" اتصالاً هاتفياً مع نظيره الأميركي "لويد أوستن"، ناقشا خلاله قضايا تتعلق بـ "الأمن الدولي والإقليمي".

الاتصال أتى بعد أقل من شهر واحد على إطلاق "الحوار الاستراتيجي" بين واشنطن وموسكو، واستجابة الأخيرة للمطالب الأميركية المتعلقة بعدم استخدام حق النقض (الفيتو) من أجل إغلاق معبر باب الهوى ومنع المساعدات الإنسانية.

وتتقاطع مصالح الطرفان في إنجاز اتفاق نووي جديد يتضمن تأطير الدور الإيراني في المنطقة، فمن جهة تسعى إدارة "بايدن" لاحتواء الحلفاء التقليديين (دول الخليج – إسرائيل) من خلال إنجاز اتفاق مع إيران لكن يضع قيوداً على نشاطها في سوريا والعراق بشكل أساسي، وبهذا تتلافى ثغرات الاتفاق النووي زمن "أوباما"، والتي دفعت دول الخليج إلى التقارب مع إسرائيل للعمل على تشكيل قوة ردع من دون تنسيق مع واشنطن.

بالنسبة لروسيا فإنها تتخوف من العودة إلى الاتفاق النووي من دون أن تتفاهم المجموعة الدولية 5+1 على دور إيران في المنطقة وخاصة سوريا، لأن رفع العقوبات عن طهران بعد الاتفاق سيمنحها حرية في بيع الطاقة (الغاز والنفط) ونقلها إلى سوريا ثم تصديرها إلى دول الاتحاد الأوروبي، وهذا يعني أن موسكو ستكون أمام منافس شرس في مجال الطاقة، كما أن إيران وفي حال تمكنت من استكمال مشروع خط "الغاز الإسلامي" بعد رفع العقوبات عنها، والذي يربط بين طهران والعراق وسوريا، فإنها ستهدد الاستراتيجية الروسية القائمة على ابتزاز أوروبا من بوابة تزويدها بالنفط والغاز، والحفاظ على هذه الاستراتيجية كانت من ضمن الأهداف الروسية الهامة التي دفعتها إلى إقامة قواعد على الشواطئ السورية في البحر المتوسط الغني بالثروات، إذ ليس من مصلحة موسكو أن تحصد إيران المكاسب وتصل إلى ثروات حوض البحر المتوسط من بوابة سوريا وتقوي علاقاتها التجارية مع أوروبا، فهذا سيعطي بديلاً للأوروبيين عن الطاقة الروسية.

روسيا تزاحم إيران شرقي سوريا

أفادت مصادر خاصة لموقع تلفزيون سوريا أن روسيا أنشأت أخيراً العديد من معسكرات التدريب شرقي سوريا بهدف استقطاب الشباب وتجنيدهم لصالحها.

وتركزت المعسكرات التابعة لروسيا في مناطق: "التبني" و "عياش" في ريف دير الزور، و "السخنة" في البادية السورية.

وتأتي هذه الخطوة لتعزيز الحضور الميداني الروسي، الذي شكل طوال السنوات الماضية نقطة ضعف أمام إيران في سوريا، خاصة أن تجنيد المقاتلين المحليين يتم في منطقة حساسة بالنسبة لإيران، وتعتبر إحدى المحطات الهامة في الطريق البري الذي تخطط طهران لإقامته، للوصول إلى البحر المتوسط مروراً بالعراق ودير الزور والبادية السورية.

ومنذ شهر شباط/ فبراير الماضي زادت روسيا نشاطها لتجنيد الشبان في "البوكمال" و "الميادين" بريف دير الزور، والتي تعتبر أهم معقل للميليشيات الإيرانية في المنطقة، حيث ضم الفيلق الخامس المدعوم روسياً إلى صفوفه المئات من الشبان.

الانتشار العسكري الروسي في شرقي سوريا الذي كان ولايزال ساحة النشاط الإيراني الأهم، سيكون بمنزلة ورقة مهمة لموسكو، ستستفيد منها في إطار التفاوض مع الدول الغربية وإسرائيل على الملف الإيراني.

تخفيف العقوبات مؤشر على تفاهم أولي

في نهاية شهر تموز/ يوليو وافق الأردن على فتح معبر جابر/ نصيب، الواصل بين الأراضي الأردنية والسورية، والخاضع لسيطرة النظام السوري.

هذا القرار يعتبر تخفيفاً للقيود الاقتصادية المفروضة على النظام السوري، وتشرف الولايات المتحدة الأميركية عليها بشكل مباشر، ومن غير المحتمل أن تكون عمان قد اتخذت قرارا كهذا بشكل منفرد.

وفي الثامن عشر من آب/ أغسطس الجاري قررت وزارة الخارجية البريطانية رفع العقوبات عن رجل الأعمال الموالي للنظام السوري "طريف الأخرس"، ليكون هذا القرار هو الأول الذي يتضمن شطب الحكومة البريطانية اسم شخص من قائمة العقوبات المفروضة بموجب القواعد الجديدة التي تم تبنّيها بعد "بريكست" لدعم العقوبات ضد الأفراد المرتبطين بحكومة النظام السوري.

وسبق أن رفض الاتحاد الأوروبي الطعن الذي قدمه "طريف الأخرس" عام 2016 في قرار العقوبات المفروضة عليه.

ويكشف هذا القرار عن أن صورة "الدرج" التي جمعت السفيرين الروسي والبريطاني في طهران، إنما هي مؤشر على مفاوضات لتحقيق تفاهمات حول النفوذ الإيراني، خاصة أن "طريف الأخرس" عم أسماء زوجة بشار الأسد، هو رئيس مجموعة "الأخرس" التي تعتمد عليها "أسماء" المدعومة من روسيا في النشاطات الاقتصادية والتجارية بعد تقويض هيمنة "رامي مخلوف" -المحسوب على إيران- على الاقتصاد السوري.

ورغم كل المؤشرات التي تدل على أن روسيا تحاول لعب ورقة إيران من أجل التوصل إلى صفقة مع الغرب حول سوريا، فإنه يبقى نجاح هذا المسار مرتبطاً بمدى قدرة روسيا على ضبط إيران فعلاً، لأن النفوذ الإيراني على الأراضي السورية لم يعد مجرد انتشار قواعد أو قوات عسكرية تقليدية، بل هناك اختراقات اجتماعية وثقافية واقتصادية حققتها طهران على مدار السنوات الماضية، وتعمل اليوم على استنساخ نموذج الضاحية الجنوبية اللبنانية في دمشق وحلب ودرعا، وقد قطعت شوطاً مهماً في ذلك، بل اخترقت المكونات العشائرية السورية في المنطقة الشرقية وريف حلب.

وسبق أن تعهدت روسيا أمام الولايات المتحدة وإسرائيل خلال اتفاق التسوية في الجنوب السوري عام 2018 بأن تبعد الميليشيات الإيرانية عن هضبة الجولان، إلا أن عدد المواقع التابعة للميليشيات الإيرانية في الجنوب السوري ازداد إلى الضعف منذ 2018 حتى 2021، وأصبح اللواء 90 بريف القنيطرة مركز استطلاع ورصد للقوات المدعومة من إيران، ويشرف عليه جنرال في الحرس الثوري الإيراني يدعى الحاج "جواد هاشم"، ولذا فإن مهمة تفكيك النفوذ الإيراني في سوريا لن تكون سهلة التحقيق.