icon
التغطية الحية

روسيا تشوّه مصداقية "حظر الأسلحة الكيماوية" للدفاع عن النظام

2019.07.13 | 16:07 دمشق

مقر منظمة حظر الأسلحة الكيماوية في لاهاي (أرشيف)
إسطنبول - ماهر الوكاع
+A
حجم الخط
-A

تواجه منظمة حظر الأسلحة الكيماوية هجوما من روسيا والنظام يستهدف مصداقيتها، ازدادت وتيرته بعد إعلان مدير المنظمة بدء عمل فريق تحقيق خاص سيحدد الجهات المسؤولة عن تنفيذ الهجمات في سوريا، لأول مرة في تاريخ المنظمة.

وفي جديد الحملة الروسية، نشرت وكالة تاس الروسية أمس الجمعة، تصريحات لمدير مؤسسة "دراسة الديمقراطية" الروسي مكسيم غريغورييف ادعى فيها أن مقابلات شهود العيان في سوريا تظهر أنه لم يكن هناك هجوم كيميائي في دوما.

وفقًا لغريغوريف، أجرت مؤسسته في أواخر حزيران ومطلع تموز الجاري مقابلات مع أشخاص يعيشون في المنزل الذي عثر فيه على جثث ضحايا الهجوم الكيماوي.  وتابع "لقد أظهرت هذه المقابلات أنه لم يكن هناك أي هجوم وأن الأشخاص الذين عاشوا في المنزل لفترة طويلة لم يعرفوا الأشخاص الذين يُزعم أنهم تعرضوا للكلور ".

وذكر لغريغوريف الذي وصفته تاس بالخبير، أن بعثة منظمة حظر الأسلحة الكيماوي كان بإمكانها مقابلة الشهود "ومع ذلك لسبب ما فشلوا"، على حد تعبيره.

حديث "الخبير" الروسي تزامن مع تصريحات لمندوب النظام الدائم لدى منظمة حظر الأسلحة الكيماوية بسام الصباغ قال فيها إن تقرير المنظمة حول استخدام الكيماوية في دوما يتضمن تحريضاً ضد نظامه "ويفتقد المصداقية والموضوعية ويشوه الحقائق". لافتا إلى أن "هذه المزاعم جاءت بسبب انتصارات الجيش العربي السوري على الإرهاب."

الصباغ تطرق خلال مؤتمر صحفي مشترك مع البعثة الروسية لدى منظمة حظر الأسلحة الكيماوية أمس، إلى التقرير الذي أعده إيان هندرسون أحد خبراء المنظمة عن هجوم دوما، وتم تسريبه في وقت سابق، وشكك بمصداقية التقرير النهائي عن دوما.

تشويش على بعثة المنظمة

ويأتي النشاط الروسي المدافع عن النظام بعد أن أعلن المدير العام للمنظمة فرناندو أرياس، أواخر الشهر الماضي أن فريق التحقيق الخاص بسوريا "بدأ عمله لتحديد مستخدمي الأسلحة الكيماوية".

وقال أرياس في بيان نشر بطلب من الإمارات ونقلته  وكالة فرانس برس، إن الفريق "سيحدد وسينشر كل المعلومات التي يمكن أن تكون ذات صلة لكشف مصدر الأسلحة الكيماوية" التي استخدمت اعتبارا من العام 2013 في سوريا.

ولم يعط مدير المنظمة أي تفاصيل سواء حول الأنشطة الأولى لفريق التحقيق "الصغير وإنما المتين" أو المواقع، التي سيبدأ محققو الفريق البالغ عددهم نحو عشرة أشخاص عملهم فيها.

وفي السياق نفسه نقلت وكالة رويترز عن مصادر خاصة (لم تسمها) قولها إن الفريق الجديد سيحقق في وقوع تسع هجمات بالأسلحة الكيماوية من بينها الهجوم الكيماوي على مدينة دوما.

ويأتي ذلك بعد تلقي أرياس خطابًا من نائب وزير خارجية النظام فيصل مقداد مطلع حزيران الماضي، يقول فيه إنهم لن يعترفوا بفريق التحقيق الجديد، وبالتالي لن يتم منحهم تأشيرة دخول. وذهب المقداد إلى أبعد من ذلك، قائلاً إن النظام لن يمنح أعضاء الفريق الوصول إلى "أي معلومات سرية" تتعلق بالأسلحة الكيماوية.

رد أرياس على المقداد قائلاً إنه بصفته المدير العام عليه التزام بتنفيذ القرار الذي أنشأ الفريق، وسوريا بصفتها طرف في الاتفاقية عليها أن تلتزم أيضاً.

من أين أتى الفريق؟

في مؤتمر حول نزع السلاح في أيار 2018، اتهم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش مجلس الأمن بالفشل في الوفاء بمسؤوليته فيما يتعلق بالأسلحة الكيماوية. وقال "لا يمكننا السماح باستمرار الإفلات من العقاب في سوريا أو في أي مكان آخر"، ودعا إلى إنشاء "آلية جديدة ونزيهة لتحديد من يستخدمونها".

بعد بضعة أيام، اقترحت بريطانيا طريقًا بديلاً لتحديد المسؤولين عن الهجمات الكيماوية من خلال منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، التي لا تمتلك فيها روسيا حق النقض. وبدعم من أستراليا وبلغاريا وكندا وفرنسا وألمانيا واليابان ونيوزيلندا وبولندا ورومانيا والولايات المتحدة، طلب عقد دورة استثنائية لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية.

بعد أن عجزت روسيا عن عرقلة الجلسة الاستثنائية، قدمت اقتراحًا مضادًا بدعم من الصين. سعى إلى تجريد المدير العام للمنظمة من سلطة إنشاء "مهام خاصة" (مثل بعثة تقصي الحقائق). لكن المسعى الروسي لم يحظَ بتأييد الأغلبية. فقدمت بريطانيا اقتراحها خلال الجلسة الاستثنائية للتصويت، وحصل على تأييد 82 دولة ورفضته 24، وهو عدد يشكل أغلبية الثلثين المطلوبة لاعتماد المقترح.

شكلت بعد ذلك المنظمة فريقها الخاص بسوريا بناء على التعديلات الجديدة، وحصل الفريق على دعم سياسي ومالي أوروبي، حيث تبرعت له بريطانيا بنحو 200 ألف جنيه إسترليني، وألمانيا بمبلغ مليون يورو، والسويد بنحو 200 ألف دولار.

ومع خسارة روسيا والنظام معركتهما في قاعة المنظمة، توجهوا خارجها ببروبغاندا إعلامية هدفها تشويه مصداقية المنظمة في العالم الغربي، اعتمدت على صحفيين مقربين من الكرملين امتطوا منصات روسيا الناطقة بالإنجليزية، وأهما RT.

وثيقة هندرسون

شكلت وثيقة مسربة من منظمة حظر الأسلحة الكيماوية عن هجوم دوما، ركيزة أساسية في الهجوم الروسي على المنظمة، حيث ظهرت قبل نحو شهر  وثيقة داخلية مسربة - "تقييم هندسي" يتعلق بتحقيق دوما - على الإنترنت. كتبه (التقييم) موظف منظمة حظر الأسلحة الكيماوية إيان هندرسون، وكُتب على هامشها "مسودة للمراجعة الداخلية" و "لا تعمم"، وأشار التقييم إلى أنه تم وضع "أسطوانة غاز في هجوم دوما" يدويًا. في تعارضٍ مع التقرير الرسمي للتحقيق الذي استند إلى استنتاجات ثلاثة خبراء مستقلين، ويشير ضمنا إلى أنه تم إسقاط الأسطوانات من الجو (ما يعني أن النظام نفذ الهجوم بطائرة).

بعد أسابيع قليلة من تسريب الوثيقة، أصدر فريق يسمي نفسه (بروبغندا سوريا في الإعلام)  ورقة من 8400 كلمة تدعي أن تحقيق دوما الذي أجرته منظمة حظر الأسلحة الكيماوية"باطل". ودعا الفريق (لم يعلنوا عن الجهة التي تدعمهم) إلى "إعادة فحص مستقلة" لجميع التحقيقات السابقة في سوريا، و"إصلاح جذري" لحكم المنظمة وإجراءاتها.

اختراق "حظر الأسلحة الكيماوية"

تسريب الوثيقة يأتي بعد أشهر من إلقاء القبض على أربعة عملاء في المخابرات الروسية وهم يحاولون اختراق نظام الواي فاي التابع للمنظمة من موقف للسيارات بجوار مقرها في هولندا في نيسان 2018. ووصل العملاء الروس إلى هولندا بجوازات سفر دبلوماسية، لذا طُردوا بدلاً من إلقاء القبض عليهم.

ووفقًا لمدير المنظمة، لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تُستهدف فيها منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، حيث كانت هناك هجمات إلكترونية منذ بداية العام، وأنشأت المنظمة مؤخرًا صندوقًا خاصًا "للأمن الإلكتروني".

الوثيقة المسربة أصبحت موضوع الدعاية الروسية، ونشرت عنها وكالة سبوتنيك الروسية باللغة الإنجليزية، كما تحدث عنها أشهر بريطاني يتبنى "نظرية المؤامرة" الروسية حول استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، المغني "روجر ووترز".

بينما تعتمد موسكو على أسلوب مألوف للدفاع عن روايتها، استخدمته في ردها على إسقاط الطائرة الماليزية بصاروخ روسي فوق أوكرانيا عام 2014، وفي نفي اتهامات بتسميم العميل سيرجي سكريبال في بريطانيا عام 2018، وقتل طائراتها للمدنيين في سوريا، تسير منظمة الحظر الأسلحة الكيماوية، في طريقها لكشف الجهة التي قتلت مئات السوريين خنقاً بالغازات السامة، ما يضع النظام وروسيا أمام خيارين؛ إما الاعتراف بالمنظمة وتحقيقاتها، أو الانسحاب من اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية، ودخول في مواجهة جديدة مع الدول الأوروبية وأميركا.