icon
التغطية الحية

روسيا تستخدم ورقتي ضغط ضد تركيا لتغيير موقفها بسوريا

2019.05.28 | 17:05 دمشق

رتل عسكري للجيش التركي في الشمال السوري (أرشيف - إنترنت)
فراس فحام - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

تشير الأحداث الحالية التي تدور في شمال سوريا وتحديداً ريف حماة، إلى أن اتفاق "سوتشي" الذي جرى توقيعه بين تركيا وروسيا حول إدلب في شهر أيلول/ سبتمبر 2018، لم يكن سوى محاولة لتجنب الصدام بين أنقرة وموسكو، وهو إجراء فضفاض يتضمن كثيراً من التفاصيل الخلافية، وذلك بعد أن وصلت الأمور بين الجانبين إلى طريق مسدودة، حيث تمسكت تركيا ولا تزال بإبقاء إدلب ومحيطها تحت سيطرة الفصائل العسكرية، وترفض دخول نظام الأسد لها، في حين حشدت روسيا الميليشيات المرتبطة بها في محيط حماة وإدلب من أجل إعادة آخر معاقل المعارضين  للنظام إلى سيطرته الشكلية.

ورغم رفض فصائل الجيش السوري الحر والجانب التركي بعد توقيع الاتفاق دخول دوريات روسية إلى المنطقة المنزوعة السلاح، إلا أن موسكو لم تبادر للتصعيد حينها، لتشهد المنطقة فترة هدوء نسبية.

 

لماذا صعَّدت روسيا عسكرياً في ريف حماة ؟

يمكن إجمال أسباب التصعيد الروسي في ريف حماة بثلاثة أسباب رئيسية، أولها الغضب الروسي من وصول المفاوضات بين تركيا والولايات المتحدة حول منطقة شرق الفرات إلى مرحلة متقدمة، حيث أعلن المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا "جيمس جيفري" في مطلع شهر أيار/ مايو الحالي أنه تم الاتفاق مع تركيا على تفاصيل المنطقة الآمنة على حدودها المتاخمة لشرق سوريا.

والسبب الثاني للتصعيد الروسي هو الرغبة في سحب أوراق مهمة من يد الفصائل العسكرية في شمال سوريا، والمتمثلة في استهداف مطار حميميم والأهداف العسكرية المحيطة بغرب حلب، وذلك عن طريق الاستحواذ على المنطقة الممتدة من كبانة شمال اللاذقية مروراً بسهل الغاب وقلعة المضيق شمال غرب حماة، حتى جنوب شرق إدلب ووصولاً إلى منطقة الراشدين في غرب حلب، خاصة بعد تعنت تلك الفصائل ورفضها دخول الدوريات الروسية، واستخدامها لأوراق الضغط هذه عدة مرات لإجبار موسكو على وقف تصعيدها في كل مرة.

والسبب الثالث للتصعيد الأخير يكمن في رغبة روسيا بالضغط العسكري من أجل الحصول على ليونة في الموقف التركي بما يخص فتح الطرقات الدولية التي تصل حلب ودمشق وحلب واللاذقية، والتي يبدو أن عدم فتحها أمام حركة التجارة يمثل رغبة أمريكية وغربية وتركية مشتركة، بهدف مواصلة الضغط الاقتصادي على نظام الأسد، لإجباره على تحقيق انتقال سياسي.

 

روسيا تستخدم ورقتي ضغط ضد تركيا

تعمل روسيا حالياً على استخدام ورقتي ضغط مؤثرتين على الأمن القومي التركي، وذلك بهدف دفع أنقرة إلى تغيير مواقفها سواء بما يخص التفاوض مع أمريكا شرق الفرات أو فتح الطرقات الدولية، وحتى بما يتعلق باللجنة الدستورية.

وتتمثل أولى أوراق الضغط الروسي في مواجهة تركيا، بإحداث موجات نزوح كبيرة من عمق الشمال السوري باتجاه الحدود التركية، الأمر الذي يعني بطبيعة الحال تدفق الآلاف من هؤلاء النازحين إلى الأراضي التركية بطرق غير شرعية.

وأفاد مصدر خاص من فريق "منسقي الاستجابة" لموقع تلفزيون سوريا بأن عدد النازحين من ريف حماة الشمالي، وريف إدلب الجنوبي وصل إلى أكثر من 400 نسمة منذ بدء التصعيد العسكري في نهاية شهر آذار/ مارس الماضي، كما أشار المصدر إلى أن نصف عدد هؤلاء النازحين توجهوا إلى المناطق الحدودية مع تركيا شمال إدلب.

وركز الطيران الروسي وطيران النظام خلال اليومين الماضيين من قصفه على المدن التي تحتوي تجمعات سكنية كبيرة تصل إلى أكثر من 100 ألف نسمة في المدينة الواحدة، حيث قصف مدن أريحا ومعرة النعمان بريف إدلب، مما أدى إلى وقوع أكثر من 25 ضحية مدنية وعشرات الجرحى، كما وصل القصف إلى مدينة الأتارب بريف حلب الغربي، وذلك بهدف دفع مزيد من السكان إلى الحدود التركية بعد أن فضلوا النزوح إلى المدن الآمنة نسبياً في إدلب، ولم يتجهوا إلى الحدود التركية.

وعادت روسيا مجدداً إلى اللعب بورقة دعم "وحدات الحماية" الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني، قرب المناطق الحدودية مع تركيا، في خطوة تعيد إلى الأذهان الدعم الروسي لتلك الوحدات من أجل السيطرة على بلدات وقرى سكانها عرب في ريف حلب الشمالي أبرزها تل رفعت ومنغ في شهر شباط/ فبراير 2016.

وأكدت مصادر خاصة لموقع تلفزيون سوريا أن روسيا أدخلت في السادس والعشرين من الشهر الحالي وحدات من الشرطة العسكرية الروسية إلى تل رفعت، ونشرت نقاطاً أخرى في خطوط التماس مع الجيش الوطني السوري قرب اعزاز بعد مفاوضات مع "وحدات الحماية"، وذلك بهدف منع أي هجوم محتمل للجيش الوطني السوري وبدعم من تركيا لاسترداد تلك المناطق التي تشمل تل رفعت وما حولها.

ويأتي الموقف الروسي هذا بعد تأكيدات من فصائل الجيش السوري الحر حصولها على دعم تركي لمواجهة الهجمة الروسية على ريف حماة الشمالي وإدلب، الأمر الذي انعكس على الميدان في كبح جماح الحملة على ريف حماة عن طريق تكثيف استخدام الصواريخ المضادة للدروع.

 

هل تسعى روسيا لنسف التنسيق مع تركيا؟

رغم "الدبلوماسية" الخشنة التي سادت خلال الأسابيع الماضية بين تركيا وموسكو، ومحاولة الطرفين لعب أوراق ضغط ضد بعضها بعضاً، فإنه لا مصلحة لروسيا في نسف التنسيق مع تركيا في سوريا، لأن مسار أستانا الخاص بالحل السياسي يعتبر مصلحة روسية بالدرجة الأولى، لكون موسكو مضطرةً لأن تدخل في مفاوضات مع "المعارضة السياسية" من أجل إنجاز حل سياسي يلبي مصالحها ويكون بنفس الوقت شرعياً أمام المجتمع الدولي كون الطرف المعارض لنظام الأسد قد شارك فيه.

وكذلك فإن الإصرار الروسي على التصعيد شمال سوريا، يحمل في طياته مخاطر من الانزلاق إلى حرب مفتوحة وشاملة، قد تؤدي إلى شن الفصائل العسكرية بدعم إقليمي هجمات في حلب وحماة  لا تستطيع القوات المدعوّة من روسيا صدَّها، خاصة بعد أداء تلك القوات الهزيل في ريف حماة الشمالي وعلى رأسها "الفيلق الخامس" أكثر فصيل حظي بدعم موسكو، وفشلهم في إحراز التقدم إلا في بعض البلدات السهلية.

كما وتخشى روسيا في حال إغضابها تركيا، أن تتحول الأخيرة إلى طرف أساسي في استنزاف عسكري كبير للروس في شمال إدلب، وبدعم من جهات دولية عديدة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وقد ظهرت بوادر هذا الخطر من خلال عودة ظهور صواريخ "تاو" المضادة للدروع في يد فصائل الجيش السوري الحر مؤخراً.

ومن المرجح أن يستمر التصعيد الروسي لفترات إضافية أخرى، مع إمكانية فتح محاور قتال جديدة ضد فصائل الشمال السوري وتحديداً في جنوب وغرب حلب، بهدف قضم أكبر جزء ممكن من المنطقة المنزوعة السلاح، والتعويض عن التعثر في ريف حماة الشمالي والتوقف عند حدود كفرنبودة، لكن دون التورط في حرب مفتوحة وطويلة الأمد، إلا أن موسكو قد تفكر في أبعد من المنطقة المنزوعة السلاح في حال لم تجد رد فعل قوي من تركيا والفصائل العسكرية في إدلب وريف حلب.