icon
التغطية الحية

روسيا تستخدم اللاجئين السوريين للتحريض على الغرب وتعويم النظام

2021.10.04 | 05:57 دمشق

0200.jpg
موسكو - سامر الياس
+A
حجم الخط
-A

وجهت الناطقة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، انتقادات حادة لفرنسا وبريطانيا لما وصفته بـ "موقفيهما المنافق تجاه اللاجئين في سوريا". وأضافت "لا ضمير لديهم ولا ذاكرة.. تراكم عدد كبير من المهاجرين غير الشرعيين على الساحل الفرنسي للقناة الإنجليزية، الذين يرغبون قطعها سباحة للوصول إلى إنجلترا. لكن ذلك لا يثير السعادة والحماس في نفوس سكان هذه الجزر".  

واستشهدت زاخاروفا، بقصة الطفل السوري إيلان الكردي، "الذي وقع عندما كان عمره ثلاث سنوات في عام 2015، ضحية لكارثة الهجرة في القارة الأوروبية التي وقعت بسبب الأعمال الإجرامية للغرب الجماعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا". وخلصت في تصريح لها في 24 من سبتمبر/أيلول 2021 الماضي إلى أن "الدول التي ترفض الآن قبول المهاجرين، استخدمت بلا رحمة صورة الصبي السوري للترويج لمصالحها الجيوسياسية، مما جعل المأساة سلاحا للحرب الإعلامية ضد دمشق". 

 ويثير تصريح زاخاروفا الدهشة في القدرة على انتقاد الآخرين وإعطاء دروس لهم، كشاهد آخر على حالة الإنكار والفصام والتهافت في الخطاب السياسي الروسي، والتسويق الإعلامي له، إزاء العديد من الملفات الساخنة، وفي مقدمتها الأزمة السورية. 

فالمعروف أن مدينة كاليه، شمال فرنسا، هي المعبر الرئيسي للمهاجرين باتجاه بريطانيا، وتحديداً مدينة دوفر البريطانية التي تفصلها عن كاليه عدة كيلومترات من بحر المانش، وغالبية المهاجرين غير الشرعيين عبر هذا الممر هم من أفريقيا، السودان وجنوب السودان وأرتيريا أثيوبيا وتشاد، ويأتي بعدهم من حيث العدد الأفغان والإيرانيون، ومن ثم أعداد محدودة من العراقيين، والنسبة الأقل من السوريين. ولذلك كان من المستغرب أن تستخدم زاخاروفا قضية اللاجئين السوريين لانتقاد فرنسا وبريطانيا ووضع كل الدول الأوروبية في خانة النفاق واستغلال اللاجئين السوريين لمصالح جيوسياسية، بل واتهام الغرب بالمسؤولية عن مأساتهم لارتكابه "أعمالاً إجرامية" في منطقة الشرق الأوسط. والأسوأ طريقة استغلال زاخاروفا لمأساة غرق الطفل إيلان وأمه وأخته.  

يفترض أن تكون متحدثة باسم وزارة خارجية دولة كبرى مثل روسيا على دراية بما سبق، وأن انتقاداتها، بصرف النظر عن صحتها بما يخص سلوك فرنسا وبريطانيا تجاه ملف المهاجرين غير الشرعيين عموماً، تعزز الصورة السلبية المأخوذة عن الخطاب السياسي الروسي تجاه اللاجئين والمهجرين السوريين، بنفي مسؤولية روسيا عن نشوء واستمرار مأساتهم، وتخاذلها في الجهود الدولية الرامية لمساعدتهم، ونشر الكراهية ضدهم والتحريض عليهم في مجتمعات الدول التي تستضيفهم. 

روسيا في ذيل القائمة 

 ويظهر النفاق الروسي في موضوع اللاجئين في شكل واضح  في أعداد  اللاجئين الذين استقبلتهم منذ عام 2011، فرغم أن دعم روسيا الدبلوماسي ولاحقا العسكري تسبب في تعميق مأساة السوريين، وبحثهم عن أماكن تضمن لهم أقل قدر من الأمان، حتى ولو كلف ذلك ركوب "قوارب الموت"، لم تبد روسيا أيَّ نوع من التعاطف مع اللاجئين السوريين، بذريعة أن "عبء أزمة اللاجئين السوريين يقع على كاهل الدول التي أسهمت سياستها بإشعال الحرب في سوريا"، وحسب بيانات صادرة عن "أوكسفام" ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية رصدت روسيا ما قيمته 54 مليون دولار فقط لتغطية قيمة المساعدات الإنسانية للاجئين السوريين بين عامي 2012 و2015، معظمها ذهب إلى النظام مباشرة دون المرور بآلية الأمم المتحدة. ولم تقدم روسيا أي مساعدات للهيئات الدولية المعنية خلال الأعوام اللاحقة، ورفضت الإسهام في تقاسم المسؤولية على المستوى العالمي، ولم تشارك في مؤتمر لندن للمانحين في فبراير/ شباط 2016، الذي اجتمعت فيه 45 دولة، وتم خلاله جمع تعهدات بـ 6 مليارات دولار لعام 2016 و6.1 مليارات دولار للفترة 2017-2020. وقدرت منظمة "أوكسفام" الخيرية الدولية حجم إسهام روسيا بـ 1% فقط من نصيبها المفترض وفق "تحليل حصص المساهمة العادلة"، وترتيبها يقع في ذيل قائمة 32 دولة مساهمة. 

كما رفضت روسيا استقبال لاجئين سوريين منذ بداية الأزمة، ورداً على طلب إعادة توطين اللاجئين السوريين الذي أطلقته وكالة الأمم المتحدة للاجئين، لم تتعهد روسيا بإعادة توطين أي لاجئ، إنما عرضت تقديم منح دراسية لـ 300 طالب سوري. ومعلوم أن منظمة "أوكسفام" الدولية حددت نصيب روسيا العادل من إعادة توطين اللاجئين، بناء على حجم اقتصادها، بإعادة توطين 33536 نسمة بحلول نهاية عام 2016. 

ولا توجد تحديثات رسمية على أعداد السوريين المقيمين على الأراضي الروسية، وعدد اللاجئين بينهم. آخر إحصائية رسمية قدمتها "وكالة الهجرة الاتحادية الروسية" عام 2016، وحسب الإحصائية يوجد 12 ألف سوري في روسيا، "بينهم طلاب لديهم تأشيرات إقامة سارية أو أشخاص معهم تأشيرات عمل، وبينهم أيضا من كانوا يعيشون في روسيا من قبل بدء النزاع". لكن وفق تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" حتى إبريل/ نيسان 2016 "حصل سوريان لا أكثر على وضع لاجئ منذ عام 2011، وحصل نحو 1300 آخرين على حماية لاجئين مؤقتة، وهي أدنى درجة من فئات الحماية. وهناك نحو 2000 شخص ذكرت التقارير أن لديهم شكلاً من أشكال الإقامة القانونية، لكن يعيش الآلاف غيرهم دون ترتيب أوضاعهم". 

وفي المقابل، كانت روسيا ممراً لآلاف السوريين للهجرة إلى أوروبا عبر معبر مورمانسك على الحدود الروسية النرويجية، أو إلى فنلندا عبر سان بطرسبورغ. وتقطعت بعدة آلاف منهم السبل لاحقا بعد إغلاق مورمانسك من قبل النرويج في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، وقامت مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بإعادة توطين جزء منهم في بلد ثالث ضمن برنامجها، بينما يكابد من لم يحالفهم ظروفاً حياتية مزرية. 

مغالطات روسية مقصودة

وواضح أن انتقاد روسيا للدول الأوروبية بالجملة، حول طريقة استضافة تلك الدول للاجئين السوريين، ليست سوى محاولة بائسة من الدوائر السياسية والإعلامية الروسية، لتبرير موقف موسكو غير الأخلاقي، وإنكار مسؤوليتها عن التسبب بمأساة اللاجئين السوريين ورفض استقبالهم ومساعدتهم، ناهيك عن التحريض عليهم وتشويه صورة الدول التي استقبلتهم، في خلط عجيب.  وفي هذا الإطار فإن تصريحات زاخاروفا ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، فقد سبقها تصريحات أطلقها المسؤولون الروس على مختلف المستويات، تتراوح بين تحميل اللاجئين مسؤولية الفوضى وانتشار التطرف في أوروبا، ولوم قيادات الدول التي استقبلتهم، ووفرت لهم إمكانية للجوء من دون التحري عن وجود عناصر إرهابية ضمن موجاتهم كما تدعي موسكو، وتركز القنوات الحكومية الروسية ووسائل الإعلام التابعة للكرملين على أن اللاجئين لم يستطيعوا الاندماج في المجتمعات الجديدة وهم يعيشون عالة على دافعي الضرائب فيها.  

 التقارير والتصريحات الروسية تكذبها البيانات والوقائع، فقد كشفت إحصائية، صدرت مؤخراً عن "مكتب الإحصاء الألماني"، أن عدد السوريين في ألمانيا وصل إلى نحو 800 ألف نسمة، العدد الأكبر منهم وصل بعد العام 2011 كلاجئين بسبب الحرب الدائرة في بلادهم. وبلغ عدد السوريين الذين دخلوا سوق العمل 148 ألفاً، بينما عدد من سجل كباحث عن عمل 253 ألفاً. 

أما في السويد، البلد الثاني بعد ألمانيا في استقبال اللاجئين السوريين، بيَّنت تقارير مركز الإحصاء السويدي أن " المواطنين المنحدرين من أصل سوري والذين يقيمون في السويد بلغوا ما يقارب 250 ألف مواطن، منهم أكثر من 50 ألف مواطن ولدوا في السويد وكان أحد أبويهما مولودًا في سوريا".  

ومن بين الدول الأوروبية الأخرى استضافت هولندا ما يقارب 45 ألف لاجئ سوري، حصل أكثر من نصفهم على الجنسية الهولندية. واستقبلت النرويج 31 ألف لاجئ سوري، حصل كثيرون منهم على إقامات دائمة. في حين تصنف فرنسا وبريطانيا في خانة الدول الأوروبية الأقل استقبالا للاجئين السوريين، فرنسا ما يقارب 17 ألفاً وبريطانيا 22 ألفاً. لكن ليس هذا ما رمت إليه زاخاروفا في انتقادها للبلدين. 

استخدام ورقة اللاجئين 

اتخذ التحريض الروسي على اللاجئين السوريين في الدول الأوروبية عدة أشكال، على الصعيد السياسي بنت موسكو تحالفات مع أحزاب وقوى اليمين المتطرف في أوروبا، على قاعدة أيديولوجية شعبوية، معادية للمهاجرين واللاجئين والأقليات، ولمنظومة الاتحاد الأوروبي، وتأجيج مشاعر الإسلاموفوبيا، وأسهم تحريضها على اللاجئين واستخدامها مصطلح " مهاجرين" لأغراض تحسين الوضع الاقتصادي في زيادة أصوات اليمين الشعبوي في أوروبا، وسجلت في الانتخابات البرلمانية الألمانية والفرنسية والسويدية والهولندية والنمساوية تدخلات روسية لصالح الأحزاب اليمينية المتطرفة. 

واتبعت موسكو نهجاً يقوم على ابتزاز الحكومات الأوروبية. وعلى سبيل المثال؛ هدَّد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الأوروبيين، في مؤتمر صحفي للوزير الروسي مع نظيره الهولندي ستيف بلوك في أبريل/نيسان 2018، بـ "موجات جديدة من المهاجرين" إذا نفذت واشنطن تهديداتها بتوجيه ضربات عسكرية للنظام السوري، على خلفية اتهامات بمسؤوليته عن الهجوم الكيمياوي بمدينة دوما في الغوطة الشرقية قرب دمشق. وطلب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، في لقاء جمعهما بتاريخ أغسطس/ آب 2019 ، تقديم "مساعدات إنسانية" للنظام السوري والمساهمة في إعادة الإعمار، وأضاف: "تزايد عدد اللاجئين يشكل عبئا هائلا على أوروبا، لذلك يجب أن نفعل كل ما بوسعنا لتمكين هؤلاء الناس من العودة إلى ديارهم".

وضمن نهج التحريض على اللاجئين السوريين ابتدعت موسكو ما سمته "مؤتمرا دوليا للاجئين" تحت رعاية نظام الأسد، الغاية منه إيهام العالم بأن سوريا باتت بيئة آمنة لعودة اللاجئين، ولم يحضر المؤتمر سوى وفود من روسيا وإيران والعراق ولبنان. 

قصص مفبركة والنفخ بالإسلاموفوبيا

ولعب الإعلام الروسي منذ بداية الأزمة السورية دوراً مكشوفاً في التحريض على اللاجئين والمهجرين السوريين، بتصوير أن اللاجئين السوريين يشكلون خطراً ارهابياً على أوروبا، وأن استقبالهم ينسف الطابع المسيحي للمجتمعات الأوروبية ويهدد بأسلمتها، وأن تدفق المهاجرين إلى أوروبا ردّ على الحملة الصليبية. 

وروجت وسائل الإعلام الروسية العديد من القصص المفبركة لشحن المجتمع الروسي والمجتمعات الأوروبية. من أشهر تلك القصص قصة فتاة من أصل روسي تبلغ من العمر 13 عاماً وتسكن في برلين، زعمت في يناير/كانون الثاني 2016 أنها تعرضت للاختطاف والاغتصاب من قبل على يد مجموعة من الرجال تشير ملامحهم إلى أنهم منحدرون من المنطقة المطلة على البحر المتوسط. وتبنت وسائل الإعلام الروسية هذه الرواية ونفخت فيها، ودعت لخروج مظاهرات تدعو الحكومة الألمانية لطرد اللاجئين السوريين. 

ليتضح بعدها في بيان صدر عن المتحدث باسم الادعاء العام الألماني أن "مزاعم الفتاة الألمانية من أصل روسي بتعرضها للاغتصاب في ألمانيا مختلقة"، وأنه "تم العثور على متعلقات للفتاة (13 عاما)، لدى صديقها (19 عاما)، واعترف الصديق أيضا بأنها كانت معه خلال ليلة ادعائها وقوع الجريمة. وهناك العشرات من القصص التي فبركها الإعلام الروسي لا يتسع المجال لذكرها. 

ورقة مساومة لتعويم النظام 

رغم أن التدخل العسكري الروسي تسبب في أكبر موجات اللجوء إلى أوروبا وتركيا وغيرها من دول الجوار وخاصة بعد سقوط مدينة حلب وسيطرة النظام عليها في 2016.  وفي وقت لاحق تسبب القصف الروسي على مناطق الشمال السوري في العامين 2019 و2020، بموجات نزوح وصفتها الأمم المتحدة بأنها الأكبر في تاريخ سوريةا بعدما أجبر أكثر من  مليون و180 ألف مدني على ترك منازلهم والهرب من الموت. وحسب التقرير الأممي فإن حملة الروس والنظام  ما بين  نوفمبر/تشرين الثاني 2019 ونهاية فبراير/شباط 2020، أي في غضون أربعة أشهر، تسببت في نزوح أكثر من مليون سوري بالتزامن مع الحملات العسكرية التي شنها النظام وروسيا على مناطقهم في أرياف إدلب وحماة وحلب رغم توقيع اتفاق سوتشي لوقف إطلاق النار مع تركيا في سبتمبر/ أيلول 2018.   

ومنذ منتصف 2018، بدا واضحا أن روسيا التي تسببت في نزوح الملايين، تريد استغلال ملف عودة اللاجئين ضمن مساعيها الرامية لكسر العزلة الدولية المفروضة على النظام السوري، نظرا لأنه لا بد من التنسيق مع النظام سياسيا وأمنيا واقتصاديا لعودة اللاجئين.  

وفي ملف مرتبط، عملت الدبلوماسية الروسية على بحث عملية إعادة الإعمار للبنى التحتية المدمرة، وغير الجاهزة لاستقبال اللاجئين، مع عدم ربط الملفين بالتسوية السياسية. ومن المؤكد أن روسيا التي تواصل دعم النظام الذي شرد ملايين السوريين غير معنية بمصير وحياة السوريين، ولكنها تريد أن تجني مع حليفها الأسد فوائد اقتصادية عبر تسويق مشاريع إعادة الإعمار، واستغلال التمويلات المتاحة لإنعاش اقتصاده المتداعي ما يؤجل سقوطه، وفي الوقت ذاته تحصل روسيا على " فواتير" دعمها للنظام، وتسترد بعض الديون التي قدمتها له.