icon
التغطية الحية

روسيا تتطلع لتوسيع نفوذها وتعزيزه شرق الفرات

2021.10.28 | 07:37 دمشق

روسيا
مدرعات روسية شرق الفرات (إنترنت)
+A
حجم الخط
-A

في منتصف تشرين الأوّل 2021، وصل وفد عسكري أميركي إلى قاعدة "لافارج" قرب مدينة عين العرب شمال شرقي حلب والتقى بوفد عسكري روسي.

ووفق مصادر خاصة لموقع تلفزيون سوريا فإنّ هذا اللقاء لم يكن الأوّل بين الطرفين؛ إذ سبق أن زار وفد عسكري روسي مكوّن من 5 عربات لا يحمل علم بلاده قاعدتي العمر وكونيكو شرقي دير الزور في 27 و 30 من أيلول الماضي.

هذه المباحثات الميدانية غير المسبوقة بين القوات الأميركية والروسية في سوريا لا يبدو أنّها مرتبطة بتفعيل اتفاق فك الاشتباك (2015)، لأنّه لم يتعطّل أصلاً؛ باستثناء تعليق العمل به مؤقتاً في نيسان 2017، قبل أن يعود الطرفان سريعاً للالتزام نسبياً بإجراءات مذكرة التفاهم المبرمة بينهما رغم حوادث الاعتراض التي تجاوزت رقم 25 وجميعها شرق الفرات.

وبالرغم من صعوبة الوصول إلى معلومات حول مضمون المباحثات العسكرية التي أجراها الطرفان إلّا أنّ دخول القوّات الروسية، في 21 من تشرين الأول، إلى قرية جنينة غربي دير الزور بتغطية من الطيران المروحي تعطي مؤشراً إلى سعي روسيا الحثيث لتعزيز وتوسيع انتشارها في شرق الفرات.

ولدى القوّات الروسية وفق مركز جسور للدراسات 7 مواقع عسكرية شرق الفرات، إضافة إلى 6 مواقع على الضفة الغربية لنهر الفرات. ويعود انتشار روسيا العسكري شرق هذا الأخير إلى 14 من تشرين الأول 2019 بموجب تفاهم مع قوات سوريا الديمقراطية.

بديل عن القوّات الأميركية

عندما انسحبت القوات الأميركية من مواقعها العسكرية في محافظتي حلب والرقة، منتصف تشرين الأوّل 2019، سارعت القوات الروسية للانتشار في 6 من تلك المواقع وهي نقطتا عون الدادات والعسلية في منبج، ونقطة مشتى النور وقاعدة صرّين الجوية في عين العرب بريف حلب، وقاعدتا عين عيسى ومطار الطبقة في ريف الرقة.

لكن القوات الروسية لم تنتشر في عدد من المواقع رغم بقاء معظمها خالياً من الوجود العسكري للتحالف الدولي الذي عاد منتصف عام 2020، للانتشار في موقعين عسكريين بمحافظة الرقة سبق وانسحب منهما، نهاية عام 2019.

فيما يبدو أنّ بعض المواقع بقيت تحت حماية التحالف الدولي رغم الانسحاب منها، ممّا حال دون انتشار القوات الروسية فيها، مثل قاعدة لافارج قرب عين العرب التي زارتها القوات الأميركية برفقة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، في نيسان 2020، لكن دون إعادة التمركز فيها.

من الواضح، أنّ القوات الروسية تتطلّع لأن تحلّ مكان القوات الأميركية شرق الفرات، وهذا لا يقتصر على الانتشار في المواقع العسكرية التي كانت، أو ما زالت، توجد فيها قوات التحالف الدولي بل يشمل غالباً المهام التي تؤديها أي مكافحة الإرهاب وضمان الاستقرار وحماية الأكراد.

وبطبيعة الحال إنّ مناقشات على هذا المستوى؛ أي سبل وإمكانية استبدال المواقع والمهام بين الطرفين في شرق الفرات، يُفترض أن تكون من اختصاص الرئاسة أو الخارجية أو الدفاع. لكن لدى روسيا القدرة على المبادرة لاتخاذ إجراءات تقنية تكون بمثابة اختبار للثقة قد يُسهم بتعزيز سبل الحوار والتعاون بشأن سوريا بين الطرفين منذ القمة التي عقدها الرئيسان فلاديمير بوتين وجو بايدن منتصف حزيران 2021.

ويُمكن الاعتقاد أنّ روسيا عرضت على الولايات المتحدة تسيير دوريات تابعة لها سواء بشكل مستقل أو مشترك على الضفة اليمنى لنهر الفرات من أجل فرض المزيد من إجراءات الرقابة والاستطلاع لمنع أي هجمات قد تقوم بها القوات الإيرانية على المنطقة.

لا يبدو ذلك مستبعداً لا سيما وأنّ الاجتماعات التي انتهت بدخول رتل عسكري روسي لأوّل مرة إلى شرق الفرات جاءت بعد استهداف حقلي العمر وكونيكو في 7 و10 و11 من تموز، بقذائف صاروخية مصدرها القوات الإيرانية الموجودة على الضفة اليسرى لنهر الفرات.

كما أنّ تعزيز روسيا لوجودها العسكري في محافظة حلب ضمن ناحيتي عين العرب ومنبج يقتضي تنسيقاً مع التحالف الدولي و"قسد". من شأن هذا الانتشار أن يُشكّل مزيداً من العوائق أمام تركيا في حال أصرّت على شنّ عملية عسكرية أو أنشطة ذات طابع عسكري وأمني.

إذاً، تحاول روسيا أن تقدّم نفسها كوسيط يحول دون وقوع صدام بين تركيا و"قسد" وبما يضمن الاستقرار ومهام مكافحة الإرهاب، وهو ما قد لا تعترض عليه الولايات المتحدة الأمريكية أو فرنسا لا سيما في حال انتشار القوات الروسية في قاعدة لافارج.

هذا لا يعني أنّ الولايات المتحدة قد تسمح لروسيا بتأسيس مواقع عسكرية بالقرب من أماكن انتشارها في سوريا ما لم يكن هناك خارطة طريق متفق عليها بين قيادة البلدين؛ فسابقاً، حاولت القوات الروسية مراراً تأسيس نقطة تابعة لها في منطقة آليان بناحية المالكية في الحسكة، لكن القوات الأميركية منعتها من ذلك بشكل غير مباشر.

علماً، أنّ الطرفين اختبرا سابقاً إمكانية التعاون المشترك بين قواتهما في شرق الفرات؛ عندما تم تسيير دورية منسّقة ومشتركة في محيط قرية دير غصن بريف الحسكة، في 27 من أيار 2020. ومع أنّها كانت خطوة غير مسبوقة ولم تتكرّر إلا أنّها أسهمت في تخفيض مستوى التصادم بين قوات البلدين.

وصول على حساب إيران

أواخر نيسان 2021، توصّلت قوات الأمن الداخلي (الأسايش) التابعة للإدارة الذاتية وبين ميليشيا "الدفاع الوطني" التابعة للنظام السوري، لاتفاق تهدئة يقضي بوقف إطلاق النار في حي طي بمدينة القامشلي شمالي الحسكة، وخروج الميليشيا من الحي بشكل كامل لصالح الأولى.

وميليشيا "الدفاع الوطني" في الحسكة تعتبر جزءاً من القوات الإيرانية التي باتت تُقدّم لها التمويل والتدريب بكثافة منذ أن تراجعت قدرة النظام السوري على ذلك نهاية عام 2020.

رعت روسيا الاتفاق بشكل كامل رغم أنّه كان لصالح "الإدارة الذاتية" على حساب النظام وإيران. من الواضح حرص موسكو على تعزيز قدرتها على الوصول في شرق الفرات حتى وإن كان ذلك على حساب طهران وبطبيعة الحال أنقرة.

هذا يعني أنّ روسيا مستعدّة لتقليص نفوذ إيران أو تقويض قدرتها على الوصول في شرق الفرات عسكرياً وسياسياً، على أمل أن تُشجّع هذه الخطوة الولايات المتحدة على تقبّل وجود ودور القوّات الروسية كبديل عن قواتها مستقبلاً.

إنّ مساعي روسيا لا تقتصر على استبعاد الوجود العسكري لإيران في شرق الفرات بل تطول دورها في التأثير على "الإدارة الذاتية"، وذلك من خلال الانخراط بشكل أكبر في دور الوساطة بين هذه الأخيرة والنظام السوري.

لطالما كانت تؤدي إيران دوراً رئيسياً في إدارة العلاقة بين النظام السوري و"حزب الاتحاد الديمقراطي" (PYD) وأجهزته، فعدا رعايتها تم توقيع اتفاق بين الطرفين، منتصف عام 2012، يقضي بتقاسم عائدات النفط بين 65% للأول و35% للثاني، فقد توسّطت لعقد مفاوضات ثنائية بينهما كانت قد بدأت منذ منتصف عام 2018 دون أن تحقّق أي اختراق أو تقدّم.

ومنذ رعاية روسيا توقيع تفاهم حميميم، منتصف تشرين الأوّل 2019، والذي قضى بإعادة انتشار قوات حرس الحدود التابعة للنظام في بعض مناطق شرق الفرات، زادت تباعاً من تدخّلها لأداء دور الوساطة بين الطرفين.

ولا يُعتبر اتفاق التهدئة في حي طي بمدينة القامشلي مثالاً وحيداً على ذلك، فقد كان هناك حرص واضح من قبل روسيا على مشاركة أحزاب من المعارضة الداخلية المدعومة من قبلها في لقاءات الحوار التي أطلقتها الإدارة الذاتية منذ عام 2019.

ومع ذلك، إنّ تعزيز روسيا لدورها في التأثير على الأكراد شرق الفرات لا يعني أنّها مستعدة لمنحهم سقفاً مرتفعاً من الامتيازات والمكاسب مستقبلا؛ لا سيما بما يخصّ قضايا السلاح والإدارة.

وصول على حساب تركيا

منذ توقيع مذكرة سوتشي (2019) بين تركيا وروسيا، قدّمت هذه الأخيرة نفسها كوسيط يضمن لتركيا عدم تنفيذ "حزب العمال الكردستاني - PKK" أنشطة تهدّد أمنها القومي، كبديل عن النظام السوري الذي كانت هذه المسؤولية تقع على عاتقه بموجب اتفاق أضنة (1998)K قبل أن يخلّ بها منذ الاتفاق الذي أبرمته مع "PYD"، في تموز 2013، وقضى بتسليمه محافظة الحسكة بشكل شبه كامل.

مؤخراً، أبدت روسيا مجدداً الاستعداد للعب دور الوساطة بين تركيا و"قسد"، وذلك على لسان نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، في 21 من تشرين الأول الجاري، وهو موقف ينبع من حرص روسيا الواضح على عدم تقويض مذكرة سوتشي (2019) إذا ما نشبت المواجهات بين الطرفين مجدداً.

روسيا تتطلع أيضاً إلى تقليص حجم ومساحة انتشار القوات التركية في سوريا بما في ذلك شرق الفرات بإعادة تفعيل اتفاق أضنة بصرف النظر إن كان ذلك بموجب تعديلات عليه أم لا، لكنها حريصة على ألا يؤثر ذلك على مساعيه في استمالة الأكراد نحوها.