روح المقاومة كما تجلت لدى نظام الأسد

2019.04.11 | 00:04 دمشق

+A
حجم الخط
-A

يُعدّ قرار ترامب الأخير في 25 من آذار، الذي وقّع فيه على اعتراف الولايات المتحدة بضم إسرائيل للجولان السوري الذي احتلته عام 1967، وأعلنت ضمه عام 1981 كجزء من "أراضي إسرائيل" ضاربة هي أولاً وترامب ثانياً عرض الحائط بكل قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالأراضي العربية المحتلة الفلسطينية والسورية، من أكثر القرارات تأثيراً على مصير بلدنا، والمنطقة ولعقود مقبلة إن لم يكن لفترات أطول.

بالطبع، اعترضت معظم دول العالم على قرار ترامب، ومنها الدول العربية التي رفضت، في قمتها الأخيرة التي انعقدت في 31 من آذار في تونس، قرار ترامب واكتفت بأن أكدت أن الجولان أرضٌ سورية محتلة، بينما في الواقع العملي يسعى عدد من قادة تلك الدول التي انتقلت في علاقتها مع إسرائيل من السر إلى العلانية، لطمأنة إسرائيل لكي تشعر بالأمان وسط محيطها العربي، حيث عُزف النشيد الإسرائيلي أكثر من مرة في بعض عواصم تلك الممالك والإمارات، أما ردّ النظام السوري الذي اتصف بممانعته ومقاومته الشديدة لإسرائيل، فكان له طعم آخر.

حقاً، لقد صدَم نظام الممانعة ورأس حربة المقاومة بردوده القوية السوريين، بطريقة فريدة لا مثيل لهما، فمن إقامة احتفال في بلدة الشيخ مسكين التابعة لدرعا في 29 آذار، حيث تجمع عدد من أركان النظام حول طاولة فوقها طشت (لا ندري من أين تمّ تعفيشه) ادّعوا أن التراب فيه قد أحضروه من الجولان، إلى تحدي دريد لحام -حذاء للوطن- بردّه العنيف على قرار ترامب، حيث أهدى ولاية كاليفورنيا للمكسيك. تلاهما نصب لوحة إعلانية

الرد الرسمي فقد كان مدويّاً، وجاء على لسان الوزير المعلم، الذي اعتبر أن الولايات المتحدة ستزداد عزلة من جراء قرارها هذا

ضخمة في يوم الثلاثاء 2 نيسان 2019 وسط جامعة حلب تظهر صورة بشار الأسد وهو يقول: "الجولان لنا"، ومن بعده كان الرد الصاعق، ومن عيار مختلف تجلت فيه روح المقاومة الصافية، وصيانة السيادة كمبدأ مقدس، تمثل بإعادة رفات الجندي الإسرائيلي باومل الذي قُتل عام 1982 في البقاع اللبناني، يوم الأربعاء 3 نيسان 2019، (ولا ندري إن كانت حفنة التراب من الجولان مقابل إعادة رفاة الجندي) بمساعدة الحليف الروسي أو بيديه مباشرة -داعم الأسد- وصديق إسرائيل، أو بلغة أوضح: سمسارها في سوريا. ولا ننسى الرد القانوي على يد مجموعة من محامي حلب الموالين لنظام الأسد، الذين طالبوا برفع دعوى قضائية ضدّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في محاكم مدينة حلب، بسبب "اعتدائه الصارخ على السيادة السورية"، مطالبين المحامي العام للنظام بـ "إنزال أشد العقوبات بحقه وتغريمه برسوم وتكاليف الدعوى". أما الرد الرسمي فقد كان مدويّاً، وجاء على لسان الوزير المعلم، الذي اعتبر أن الولايات المتحدة ستزداد عزلة من جراء قرارها هذا، وأن كل الوسائل مطروحة لتحرير هضبة الجولان.

بجرد سريع وبسيط لردود النظام؛ يتبين لنا مدى جذوة المقاومة الكامنة في عقل وقلب القيادة الحكيمة التي لن تهدأ حتى تعود الجولان، كما تشير إلى "عظمتها" أمام "تفاهة" قرار ترامب بضم الجولان.

لم تكن تلك الأحداث غريبة على السوريين -عدا الموالين لدرجة العمى- فهم يعرفون تماماً أن أهم عامل في بقاء هذ النظام، إن لم يكن في نشوئه، هو الرضا الإسرائيلي عنه. فمنذ أن كان الأسد الأب وزيراً للدفاع أيام حرب 1967، يعرف السوريون إعلانه المشهور في البلاغ رقم 66 عن سقوط القنيطرة، ناهيك عن الخدمات التي قدمها نظام العائلة الأسدية لـ "الجارة المدللة"، وخاصة فيما يتعلق بتكملة الحرب على الفلسطينين في لبنان منذ انطلاقة الحرب الأهلية والاجتياح الإسرائيلي المتكرر، حيث تكفل عام 1982 بتصفية ما تبقى من الوجود الفلسطيني وترحيله نهائياً عن لبنان.

وبعيداً عن الماضي، فالموقف الإسرائيلي المعلن بتفضيله للنظام الأسدي وقت الثورة على أي بديل، هو دلالة على ما قدمه ويقدمه باستمرار من خدمات لهم، حيث حظيت إسرائيل بدرجة أمان كبيرة على الحدود مع سوريا، لدرجة اعتبرها ذات يوم إسحق رابين في حديثه للمستوطنين في الجولان، عندما طالبوا بمزيد من الحماية الأمنية لهم، أنها أكثر أمناً من تل أبيب.

ردُّ نظام الممانعة واضح وصريح، والسوريون صاروا يعرفون اتجاهه، فكلما ضربت إسرائيل أهدافاً لقوات محور المقاومة على أراضيها؛ تساءل الناس عن المكان الذي ستتوجه إليه طائراته لتنال من "عملاء إسرائيل". وفي هذه المرة، مع أن القرار يكرس واقعاً قائماً منذ أكثر منذ حوالي خمسين عاماً، لم يختلف الرد كثيراً، فجهته دائماً الداخل، وخاصة المناطق التي ثارت على سلطة مركز المقاومة، وليس من العبث اختيار بلدة من درعا التي انطلقت منها الثورة، ليعلن في مسرحية تافهة عن عودة الجولان، من خلال طشت التراب، ولربما تكون الطريقة المثلى للمقاومة لتحرير الجولان عن طريق سرقة ترابه، كما سخر علي فرزات من ذلك الفعل المقاوم.

والمكان الثاني الذي رفع فيه أزلام الأسد لوحة "الجولان لنا"، في حلب، التي دمّرت طائرت الحلف "المقدس" -الروسي الإيراني الأسدي- أكثر من ثلث أبنيتها وشردت أهاليها، وفي جامعة حلب تحديداً، التي عُرفت باسم جامعة الثورة لدورها في المظاهرات السلمية ضد نظام العائلة الأسدية، وهي التي رفعت علم الثورة على مدخلها في يوم حضور بعثة المراقبين الدوليين يوم الخميس 16 من أيار 2012 في أكبر مظاهرة شهدتها الجامعة.

يريد النظام الأسدي، بردوده المقاومة جداً، أن يشير إلى أنه باق ككابوس فوق صدور الناس، وبخاصة أولئك الذين ثاروا ضده، كرمز لنظام خائن على

لا قيمة للصفاقة والمهانة التي يتعرض الرئيس المقاوم من حليفيه كلّ يوم، وآخرها نقل رفاة الجندي الإسرائيلي الذي قُتل في معركة السلطان يعقوب في لبنان عام 1982

المستوى الوطني، وقمعي متوحش على المواطنين بمباركة إسرائيل. أما قضية الأرض سواء التي احتلتها إسرائيل قديماً، والتي تسرح طائراتها فوق سوريا وقت ما تريد، أو التي تتقاسمها كل من روسيا وإيران علناً، في ظل سيادته على "ما هو مفيد منها"، فلا أهمية لها، طالما الرمز باق في عرشه، ولا قيمة للصفاقة والمهانة التي يتعرض الرئيس المقاوم من حليفيه كلّ يوم، وآخرها نقل رفاة الجندي الإسرائيلي الذي قُتل في معركة السلطان يعقوب في لبنان عام 1982، بتنسيق وعمل مشترك بين روسيا وإسرائيل ومخابراته، في الوقت الذي يصرح إعلامه، على لسان وزير "الحقيقة"، بأن "سوريا الدولة لا تعرف أي شيء عن الجندي الإسرائيلي ومكان دفنه"، رغم معرفة المخابرات بمكان وتاريخ دفنه بالشراكة مع فصيل جبريل الفلسطيني.

نعم، على الرغم من أن السوريين يدركون مدى عمق العلاقة بين النظام الأسدي وإسرائيل وانصياعه الكامل لها، لكنهم صُدموا حقيقة من زحمة الردود المقاومة، وهم يعرفون تماماً أنه لا يمكن استرداد الجولان، قبل تكنيس نظام العائلة الأسدية تماماً من سورية، فمن دون كرامة وحرية المواطنين، يبقى الوطن كله رهينة لكرسيّه فقط، ولأن المواطنين الأحرار هم فقط القادرون على صون استقلال وكرامة البلد.