icon
التغطية الحية

رواية 1984 لـ جورج أورويل.. دليلك إلى الاستبداد في كل زمان ومكان

2021.01.07 | 14:56 دمشق

ybll.jpg
سهير أومري
+A
حجم الخط
-A

الاستبداد بأقبح أشكاله، هو ما تعرضه رواية 1984 الشهيرة للكاتب البريطاني (إريك آرثر بلير) أو ما عُرف بــ جورج أورويل، والمنشور سنة 1949 في 385 صفحة.

الأخ الأكبر

تتحدث الرواية عن حكم الحزب الواحد، وكيفية سيطرته على الجماهير الذين جعلهم كالرجال الآليين يعيشون كما يريد الحزب، يأكلون ويشربون مايوفره لهم الحزب من فتات الطعام وقبيح الشراب وأسوئهما، فترى الجماهير يعيشون لأجل الحزب يرددون شعاراته كل يوم، وتطاردهم صورة زعيمه وهو ( الأخ الأكبر) كما يسمونه، وترافق الصورة عبارة: (إنه يراقبك في كل مكان)، هذا غير جهاز الرصد المنصوب وسط المدينة والذي له شاشات تراقب الجميع، وليس من حق أحد من أعضاء الحزب السير في حارات المدينة أو ممارسة نشاط غير نشاطات الحزب، كما ليس لأحد أن يفكر بشيء يخالف مبادئ الحزب, طبعاً لا ننسى أن القائد الرمز حريص دائماً على تقديم نفسه لشعبه بصفة الأخ، وللأطفال بصفة الأب لفرض نفسه على أنه القدر المكتوب الذي لا مفر لهم منه

وزارة الحقيقة للتزوير

ويمضي الكاتب ليتحدث عن أهم مرتكزات الحزب في السيطرة على الجماهير والتي تتمثل بــ (تزوير الماضي) وذلك من خلال وزارة سماها وزارة (الحقيقة!) يتم فيها تغيير كل ماجاء في التاريخ، سواء في الكتب أو المجلات أو الصحف أو الوثائقيات، فكله تعاد صياغته، ويُتلف الأصل كما لو كان غير موجود

العدو الوهمي

ثم ينتقل أورويل للوقوف عند ركيزة أخرى لإحكام سيطرة الحزب على الشعب وهي خلق العدو الوهمي، إذ يشعر الجماهير بخطر عدو لا أحد يعلم هل هو موجود فعلاً أو لا، هذا العدو هو جولدشتاين وحزبه حزب (الإخوة) كما يسمونه، ويتم الترويج لأسس يقوم عليها هذا العدو، ومن ذلك أنه يسعى لاستعباد الناس وعودة الرأسمالية البغيضة، ويُفرض على الجماهير ممارسة طقوس يومية ودورية لشتم هذا العدو ولعنه، من ذلك ما يسمى بدقائق الكراهية وأسبوع الكراهية، بالإضافة لترديدهم كل يوم شعارات الكراهية لهذا العدو، ونظم أشعار وأغان للتنديد به وتوعده بالفناء والدمار.

وزارة الحب للتعذيب

أما الركيزة الثالثة التي تُمكن المستبد من قمع الشعب فهي توزيع أجهزة التنصت على الناس، وبث المخبرين بينهم، حتى في مدارس الأطفال وذلك ليعلم من يشذ عن الحزب الحاكم أو يضمر له العداوة ولو بأفكاره ليتم اعتقاله فيختفي تماماً ولا يعود له ذكر بين الناس أبداً...

ويتوقف الكاتب مع التعذيب في المعتقلات والتي تقوم بها وزارة (الحب) كما سماها، ونرى في سجون الرواية صورة واقعية للتعذيب في كل سجوننا العربية، وقد ركز الكاتب على الفارق بين هذه السجون وبين محاكم التفتيش التي كانت في العصور الوسطى حيث يُقتل المتهم هناك وهو مذنب، أما هنا فلا يقتلونه حتى يتوب ويصبح موالياً فكراً وقلباً وعقيدة للحزب أي بعد أن يغسلوا دماغه (حقيقة وليس مجازاً)، ولا يعود في عقله مثقال ذرة لكره الحزب/ لأجل ذلك كانت آخر عبارة في الرواية: أحب الأخ الأكبر.

معجم لمصادرة الكلام والأفكار

من المؤكد أن كل ما سبق رأيناه لدى كل المستبدين ، إلا أن الكاتب يمضي أفقاً أبعد فيتحدث عن اجتهاد الحزب الحاكم المستبد في تأليف معجم جديد للغة، وذلك ليقلص عدد الكلمات، بحيث تقصر اللغة عن التعبير، ويبدأ الموضوع بألا يسمح للشعب إلا باستخدام الكلمات المحدودة التي يقررها هو، وبالتالي وعبر توالي الأجيال تُحذف المترادفات، فلا يعود بمقدور الناس أن يتكلموا فيكون قد كمم أفواههم إذ لا يجد الشعب كلمات كثيرة ليكتبها، وليس هذا فقط فهو لا يكتفي بمصادرة كلامهم بل يتعداه لمصادرة قدرتهم حتى على التفكير، فالكلمات المحدودة ستختصر التفكير قبل التعبير.

 

من ركائز تمكين الاستبداد حرص الحزب الحاكم على تجهيل الشعب وإشغاله في السعي لتأمين لقمة عيشه

 

ملهيات الشعب

ومن ركائز تمكين الاستبداد حرص الحزب الحاكم على تجهيل الشعب وإشغاله في السعي لتأمين لقمة عيشه، دون أن يجد لديه متسع وقت ليفكر بحاله أو يعترض على النظام الذي يحكمه. وتشرف وزارة (الوفرة) كما سماها الكاتب على نقص الموارد وترشيد الاستهلاك.

الأسلوب 

بالنسبة للأسلوب فأبرز ما يطالعك عند القراءة إسهاب الكاتب في الوصف على نحو ممل أحياناً، وتكرار الأفكار بأكثر من أسلوب، إلا أنك في كل مرة تلعن الحزب الذي يصوره الكاتب والاستبداد الذي تعيشه أنت ألف مرة.

من المعلوم أن هذه الرواية ليست الوحيدة لأورويل التي يتحدث فيها عن الاستبداد فله أيضاً رواية أخرى اسمها: مزرعة الحيوان وهي إسقاط على الأحداث التي سبقت عهد ستالين و خلاله قبل الحرب العالمية الثانية، وتتحدث أيضاً عن آلية التحكم بالجماهير وكيفية السيطرة عليهم، وإن كانت رواية الحيوان رمزية أكثر كون أبطالها من الحيوانات ورواية 1984 أكثر مباشرة كون أبطالها من البشر.

رواية (1984) عدسة مكبرة تسلط الضوء على حال الاستبداد في كل زمان ومكان، وهو ما عايناه وما زلنا نعاينه في سوريا في ظل حكم حزب البعث، واحتكار الحكم بين الأسدين الأب والابن، إذ صورت الرواية واقعنا بكل دقة حتى إذا وصلنا إلى نهايتها وجدنا أنفسنا نلعن الاستبداد والحكم الشمولي وكل طغاة الأرض.