رواية "سيناريو" ومنافي الفلسطينيين المتعددة

2019.11.21 | 16:03 دمشق

69085974_422799218334823_765020377922404352_n.jpg
+A
حجم الخط
-A

"كتبت ملاحظات كثيرة تحكي كلها أني لا أعرف المدينة، لكن أياً منها لا يحكي أنها رغم كل ذلك، بشكل أو بآخر، لاعتبارات عدة ليست مدينتي".

قد يكون هذا الجزء تلخيصاً لأهم نقطة تعالجها رواية السيناريو التي صدرت مؤخراً عن الدار الأهلية للنشر والتوزيع، للكاتب والروائي الفلسطيني السوري سليم البيك، فهي تعالج الهوية المركبة للاجئ الفلسطيني في سوريا، التي لم يبق منها سوى وثيقة سفر، ليبقى متعلقاً بأرض آبائه وأجداده في فلسطين.

لاجئ ويعيد

الكاتب، أو بطل الرواية الذي أمضى حياته لاجئاً في سوريا، هرب تحت جحيم القصف إلى فرنسا، ليصبح فيها لاجئاً، وهناك التقى بشابة فلسطينية قادمة من ذات مدينته الأم "حيفا"، فهو يعرف أنه من حيفا، ولكن لا يعرف عن تلك المدينة شيئاً سوى أن جده كان يذكرها ويبكي، وظل معتقداً طوال حياته أن إقامته في مخيم الوافدين بحمص لن تطول، وبعد أن اندلعت ثورات الربيع العربي، ازداد يقينه بهذا الشيء، فهو يريد أن يدخل من الجولان إلى حيفا، مشياً على الأقدام، فالعجوز يعرف الطريق، لقد مشاه قبل نحو ستين عاماً، ولكن الموت عاجله، لتخرج بعد ذلك كل عائلته وأحفاده من المخيم

البطل الذي كان لا يسكت أمام من يقول إن حيفا إسرائيلية، لأنه فلسطيني لا يتخلى عن حق العودة، أحس بصدمة الهوية المركبة التي يعاني منها فلسطينيو الشتات

على وقع القصف الشديد الذي تعرضت له حمص عام 2012، ليصبح اللاجئون لاجئين من جديد، ولكن هذه المرة ليس في دول الطوق، على أمل العودة السريعة، وإنما في أوروبا البعيدة، "الآن نحن في منفى، وليس يوم كنا في المخيم، ليس الفرنسيون سوريين، وليس الجليل على الحدود".

عائد إلى حيفا

البطل الذي كان لا يسكت أمام من يقول إن حيفا إسرائيلية، لأنه فلسطيني لا يتخلى عن حق العودة، أحس بصدمة الهوية المركبة التي يعاني منها فلسطينيو الشتات، وكأن ريما الراقصة الفلسطينية التي أتت لتوها من حيفا كشفت له الغطاء عن مشكلة كبيرة، فهو يحلم بالعودة إلى حيفا، ومتأثر كثيراً برواية الأديب الكبير غسان كنفاني عائد إلى حيفا، ولكنه لا يعرف أيَّ شيء عن تلك الحيفا، التي كان كتب عنها سيناريو لفلم بقي حبراً على الورق، ومن هنا جاء اسم الرواية، " فكرت بحيفا كمكان لا أعرفه، وبالمخيم كالمكان الذي أعرفه، إن كان لابد من عودة فلتكن إلى المخيم في حمص، في المخيم أعود إلى حيفا التي أعرفها، وليس حيفا ريما".

لاجئان بواحد

لقد اكتشف أنه أصبح لاجئَيْن اثنَين في لاجئ واحد، وهذا هو سبب اهتمام شارلوت به، تلك الفتاة الشقراء التي كان يلتقيها بشكل يومي في المقهى الذي يرتاده في باريس، ما لبث أن أحبها وكتب سيناريو لهذه العلاقة، وبالصدفة المحضة تحول كل ما كتبه إلى واقع، لكن هذه العلاقة لم تدم طويلاً تحت ضغط الهوية.

هوية بقيت تلح عليه.. فهو سوري بين الفلسطينيين وفلسطيني بين السوريين، فهو يشعر أنه ليس أقل فلسطينية من ابن رام الله ولا بنت حيفا، وليس أقل سورية من أي حمصي وصل لاجئاً إلى أوروبا، فهو يعرف حمص أكثر من كثير من الحماصنة، " لكني فلسطيني كما لا يُتوقع منه أن يكون، فلسطيني بحاجة أبدية لشرح فلسطينيته وتبريرها، حتى لفلسطينيين، قائلاً: اعتبروني أقلية سورية بين الفلسطينيين، كما بحاجة لتبرير سوريته لسوريين، قائلاً: اعتبروني أقلية فلسطينية بين السوريين".

عودةٌ.. ولكن إلى أين

أقام علاقة جسدية مع التشيلية كلارا، دون أن يحبها ولكنها بعد غيابها بدأ يفتقدها، حاول مع شارلوت أن ينشئ علاقة حب كعلاقة حبه لحيفا.. وهذا ما لن تفهمه صديقته الفلسطينية ريما، "لن تفهم أني سأعود إلى حيفا وأني سأرى ما لم تره هي يوماً في كل حياتها في المدينة() فأستطيع الكتابة عن حيفا المخيم، أو البدء بالكتابة عن حيفا من المخيم".

لم يحب تلك الصداقة التي جمعته بالحيفاوية ريما لأنها تظهر له كم هو بعيد عن حيفا، حتى الفلم (بارك أفيك إل) الذي حضراه سوية كان يظهر هذا البون الشاسع بين تفكير الاثنين، فالممرض يقع في حب مريضة ميتة سريرياً (كوما)، حيث أحب كريم هذا الفلم كون حالة الحب هذه تلامس شيئاً لديه، كحبه للمدينة التي لا يعرفها إلا عبر مرويات ودموع جده، بينما ريما لم يعنِ لها هذا الفلم شيئا.

جرأة في التصوير

يترك كريم الصديقات الثلاثة ريما الفلسطينية، وحبيبته شارلوت وصديقتها ميلاني، ليحول هذه القصة إلى رواية، ويرسم لها سيناريو، "سيكون سيناريو لا مكان لحيفا فيه، ولا المخيم، سيكون قصة حب، كما بدأت هذه الحكاية وأمكن لها أن تكتمل مع شارلوت أو ميلاني، لو أن ريما لم تحضر ولم أقترب منها أكثر".

الملاحظ أن في هذه الرواية جرأة في تصوير العلاقات الجسدية الحميمة بين البطل وحبيباته، بل ستجد في بعض الفصول الكثير من تصوير ووصف الجلسات الجنسية، حتى تعتقد في بعض الأحيان أنك تقرأ رواية من الأدب الإيروتيكي.

عن الكاتب

بقي أن نشير إلى أن سليم البيك، كاتب فلسطيني من سوريا مقيم في باريس. له خمسة كتب من بينها روايتاه «تذكرتان إلى صفورية» و«سيناريو» ويكتب مقالات في الثقافة والسياسة، إضافة إلى النقد السينمائي.