روائح كريهة لصفقات بوتين مع نتنياهو والأسد

2021.03.15 | 05:39 دمشق

kkk.jpg
+A
حجم الخط
-A

روائح الصفقات الثلاثية بين النظام الروسي ونظام الأسد وإسرائيل بدأت تفوح كثيراً وتتضح معالمها وخيوطها السرية، إذ كشفت وسائل إعلام إسرائيلية أن نظام الأسد سلّم القوات الروسية خرائط تفصيلية للمنطقة المحيطة بمقبرة مخيم اليرموك من أجل البحث فيها عن رفات الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين، الذي أعدم شنقاً في ساحة المرجة بدمشق في 18 مايو/ أيار 1965، إضافة إلى تسليم نظام الأسد "غرضاً شخصياً"، تعود ملكيته لكوهين، إلى الروس الذين نقلوه بدورهم إلى إسرائيل لفحصه.

ويأتي تواتر عمليات البحث، التي تقوم بها القوات الروسية عن رفات إسرائيليين في سوريا، في إطار استكمال بنود صفقات ثلاثية رخيصة، أُبرمت بين كل من بوتين والأسد ونتنياهو، وليس آخرها صفقة اللقاحات الروسية لنظام الأسد بتمويل إسرائيلي.

ولعل تأكيد نتنياهو، في مقابلة تلفزيونية أجريت معه مؤخراً، أن عمليات البحث عن رفات كوهين في سوريا جارية بالفعل هذه الأيام، هو أول تصريح رسمي من الحكومة الإسرائيلية، الأمر الذي أثار امتعاض وغضب الساسة الروس الذين يريدون إبقاء الأمر سرياً، لذلك اضطر مكتب نتنياهو إلى التراجع عن تصريحاته، فأصدر بياناً نفى فيه ما ذكرته القناة، وأوضح أن "نتنياهو تحدث عن استمرار جهود إعادة رفات إيلي كوهين، وأن هذه الجهود لا علاقة لها بالرئيس الروسي".

لا تصمد محاولة نتنياهو إنكار أي دور للرئيس الروسي في صفقات البحث عن رفات الجاسوس كوهين والجنود الإسرائيليين أمام الوقائع

غير أن ذكر اسم بوتين في التراجع الإسرائيلي له دلالات أبعد منه، كونه يأتي بمنزلة التأكيد على دوره المهم، ويندرج في سياق محاولة نتنياهو التباهي بعلاقاته المميزة مع بوتين ودوره الشخصي في الصفقات التي يعقدها مع بشار الأسد، في ظل تواتر تقارير إعلامية تتحدث عن عمليات بحث تقوم بها قوات روسية عن رفات كوهين في مقبرة مخيم اليرموك إلى جانب رفات الجنديين الإسرائيليين، تسيفي فيلدمان ويهودا كاتس، اللذين قتلا في معركة "بيادر العدس" أو "السلطان يعقوب"، خلال حرب إسرائيل على لبنان في يونيو/ حزيران عام 1982.  

ولا تصمد محاولة نتنياهو إنكار أي دور للرئيس الروسي في صفقات البحث عن رفات الجاسوس كوهين والجنود الإسرائيليين أمام الوقائع، إذ سبق أن أعلن بوتين، خلال اجتماعه مع نتنياهو في موسكو مطلع أبريل/ نيسان 2019، أن وحدات عسكرية روسية خاصة عثرت بالتعاون مع جهات عسكرية في نظام الأسد على رفات الجندي الإسرائيلي، زخاريا باوميل، وتمّت إعادتها إلى إسرائيل. وقبلها تباهى بوتين أمام صديقه نتنياهو بإعادة دبابة إسرائيلية استولى عليها جيش النظام، خلال معارك حرب 1982، وقام بتسليمها إلى إسرائيل في أيار/ مايو 2016، أي قبل أقل من أسبوع من الانتخابات التشريعية المبكرة التي سمحت لنتنياهو بالبقاء في السلطة، وكان يتنافس فيها بشدة مع زعيم الجنرالات بيني غانتس، وتلاحقه قضايا فساد عديدة.

وتطرح الصفقات السرية، الرخيصة والكريهة، بين كل من الأسد ونتنياهو، التي يخطط لها ويرعاها بوتين شخصياً، أسئلة عن أهدافها وغايتها وما المقابل الذي ينتظره بوتين من نتنياهو بالتفاهم أو بالاشتراك مع أطراف دولية أخرى، خاصة أنها تتمحور حول دعم نتنياهو وتخليصه من مآزقه السياسية والملاحقات القضائية، وضخ دم جديد في حملته الانتخابية قبل أيام قليلة من موعد الانتخابات المزمع إجراؤها في 23 من آذار/ مارس الجاري. إضافة إلى أن استعادة رفات الجواسيس والجنود الإسرائيليين تمثل نقاطاً يسجلها نتنياهو لمصلحته، كونها تظهره بمظهر الحريص والمهتم بالإسرائيليين وبقتلاهم واستعادة رفاتهم، كي يدفنوا في إسرائيل وفق تعاليم ونصوص التوراة.

بالمقابل، تطرح أسئلة عن أهداف نظام الأسد من الصفقات، ودوافع تنفيذه كل ما يتفق عليه بوتين ونتنياهو، وهل ينحصر المقابل أو الثمن في تعهد إسرائيل بمساندة ودعم نظام الأسد واستمراره في الحكم وعدم التعرض له أم يتعداه إلى أبعد من ذلك؟ إذ يعمد نظام الأسد إلى إنكار وإخفاء دوره في الصفقات، ومحاولاته توظيف بعض تفاصيلها لمصلحته، مثلما فعل عند الكشف عن بعض تفاصيل عملية العثور على رفات باوميل وتسليمها لإسرائيل، إذ لجأ كعادته إلى الادعاءات الكاذبة، من خلال الإيحاء بأن "الجماعات الإرهابية" هي من وجدت الرفات في إحدى المقابر، في حين أن بوتين أعلن بشكل لا لبس فيه أن العملية قام بها "أفراد من الجيش الروسي بالتنسيق مع السوريين"، الأمر الذي عرّى ادعاءات الأسد وفضح محاولاته إخفاء دوره في الصفقة.

تبادل كل من الأسد الأب والأبن وجنرالات إسرائيل وساستها الخدمات المتبادلة والمواقف المساندة

وإذا كان فلاديمير بوتين يريد أن يظهر للعالم أنه الصديق الداعم لنتنياهو ولدولة الاحتلال الصهيوني، فإن تاريخ نظام آل الأسد، بنسختيه الأب والابن، يكشف سجلاً حافلاً من تبادل الخدمات وبناء التفاهمات وعقد الصفقات، حيث تبادل كل من الأسد الأب والابن وجنرالات إسرائيل وساستها الخدمات المتبادلة والمواقف المساندة، ووصل الأمر إلى أن نظام الأسد جاهر بربط أمنه وبقائه في حكم سوريا بأمن إسرائيل إبان اندلاع الثورة السورية، وهو ما يفسر التدخل الإسرائيلي لدى الإدارات الأميركية من أجل عدم توجيه ضربات للنظام، إضافة إلى غض النظر الإسرائيلي عن دخول ميليشيات حزب الله اللبناني وسائر ميليشيات نظام الملالي الإيراني للدفاع عن الأسد في السنوات الأولى للثورة السورية.

ولا شك في أن بوتين ينتظر ثمناً سياسياً مقابل الصفقات، وهو ثمن يصب في مصالحه ومصالح نظام الأسد أيضاً، فضلاً عن أنه يريد من وراء الصفقات، التي يعقدها مع نتنياهو وينفذها الأسد، أن يثبت للعالم أن روسيا هي اللاعب أو العنوان الأوحد بين الطرفين، وقوة لها مكانتها الإقليمية والدولية، أما نظام الأسد فتتمحور غايته الأساسية منها في الحفاظ على بقائه في الحكم، لكونه مستعداً للقيام بأي شيء مقابل ضمان بقائه جاثماً على صدور السوريين، الأمر الذي يفسر كل الخطوات التي ترسم مسار ونهج النظام، ويفسر آلية انخراطه في صفقات رخيصة وكريهة مع إسرائيل.