في لحظةٍ كان يُفترض أن تتوحد فيها الجهود الوطنية السورية من أجل مستقبلٍ جامع، شهدت ساحة الكرامة في مدينة السويداء حادثةً صادمة تمثّلت في رفع العلم الإسرائيلي، بما يحمله من رمزية سياسية، وتاريخ عدائي، ومعانٍ صادمة للوعي الوطني السوري.
لا يمكن فصل هذا الحدث عن المسألة الوطنية السورية، التي لا تزال تعاني من التشظي والانقسام ومحاولات التشويه الممنهجة، وهو ما يجعل من هذا الفعل أكثر من مجرد استفزاز رمزي، بل تهديداً مباشراً لأي مشروع وطني جامع.
أولاً: المساس بالهوية الوطنية الجامعة
إن رفع علم الكيان الإسرائيلي – العدو التاريخي الذي لا تزال طائراته تقصف الأرض السورية، ويحتل الجولان – يمثل خروجاً فادحاً عن أي إجماع وطني سوري، ويقوّض بشكل مباشر مفهوم الهوية الوطنية الجامعة التي تكافح قوى التغيير من أجل الحفاظ عليها. هذا التصرف يعيد إنتاج الانقسام على أسس لا تخدم سوى مشاريع التفتيت الخارجية والداخلية.
ثانياً: تشويه الحراك الشعبي في السويداء
أبناء السويداء، بخروجهم إلى الساحات، عبّروا على مدى سنوات عن مطالبهم بالكرامة والعدالة والمواطنة، في إطار حراك مدني ووطني نابع من معاناة حقيقية. غير أن هذه الرمزية الإسرائيلية التي أُقحمت على الحراك تضعه أمام خطر التشويه والاختطاف السياسي، وتمنح أعداءه الذريعة لتصويره كخارجٍ عن الصف الوطني، أو كأداةٍ تخدم أجندات إقليمية ودولية مشبوهة.
ثالثاً: إضعاف وحدة الطائفة الدرزية
من المفارقات المؤلمة أن هذا التصرف لم يعبّر حتى عن إجماع داخل السويداء ذاتها، فقد عبّر كثير من أبناء الطائفة الدرزية، سواء داخل سوريا أو في الشتات، عن رفضهم الواضح لهذا الفعل، واعتبروه تشويهاً لهويتهم الوطنية والقومية. وهو ما يُنذر بمزيد من الانقسام داخل السويداء، ويُحرج رموزها الدينية والاجتماعية.
رابعاً: تهديد للتضامن السوري-السوري
أي مشروع تغيير أو تحرر لا يمكن أن ينجح دون تضامن شعبي واسع. غير أن رفع العلم الإسرائيلي يُفقد السويداء تعاطف السوريين في باقي المناطق، خاصة من فقدوا أبناءهم في مواجهات مع العدو ذاته، أو من يعتبرون فلسطين جزءاً أساسياً من ضميرهم الجمعي. هذا السلوك يعمّق الشرخ ويُضعف جسور الثقة بين السوريين أنفسهم.
خامساً: ذرائع لتدخلات خارجية
حين يُرفع العلم الإسرائيلي في مظاهرة داخلية سورية، تُفتح الأبواب واسعة لتدخلات إقليمية تحت ذرائع "محاربة التطبيع" أو "الدفاع عن الوحدة الوطنية"، مما يُفاقم من تدويل الأزمة السورية أكثر مما هي عليه. وقد تجد قوى مثل إيران أو حتى تنظيمات متشددة في ذلك مبرراً لضرب الحراك بقوة أكبر، تحت عنوان "الرد على عملاء إسرائيل".
سادساً: ضرب جوهر القضية السورية
القضية السورية، في جوهرها، هي قضية حرية وعدالة ومواطنة. وإقحام رموز الاحتلال أو أي رايات خارج هذا الإطار يشوّه البوصلة ويعيد إنتاج الاحتلال بصيغة داخلية. فتلك الأعلام لا تمثّل صوت المقهورين، بل صوت التوظيف السياسي الخارجي الذي لا يرى في سوريا سوى ساحة صراع بين أطرافٍ متنازعة على النفوذ.
ما جرى في ساحة الكرامة لا يُمكن تبريره ولا التساهل معه، لأنه يُهدد بشكل مباشر إمكانيات بناء مشروع وطني حقيقي في سوريا. المسألة الوطنية ليست شعاراً أجوف، بل مسؤولية مشتركة تقتضي الحفاظ على الرموز الجامعة، والابتعاد عن كل ما يُعزز الانقسام والارتهان للخارج.
الكرامة الحقيقية لا تُبنى تحت علم محتل، بل تحت راية الوطن.
ساركوزي وسيادة القانون والحلم العربي المنتظر
البرلمان السوري الجديد.. امتحان للانتقال من حكم الفرد إلى دولة المؤسسات
هل هو شكل من أشكال الاستفتاء الشعبي؟
رفع العلم الإسرائيلي.. طعنة في قلب المسألة الوطنية السورية
التجييش الطائفي وخطاب الكراهية في سوريا.. تهديد للوحدة ومأزق أمام الحل الوطني