رفعت الأسد من عميل أميركي إلى روسي

2022.01.16 | 06:20 دمشق

0681e2a0d-2529-4ca1-b88a-e05617c82c2a_4x3_690x515.jpg
+A
حجم الخط
-A

من بين الحكايات الكثيرة التي تحفل بها مذكرات المسؤول الليبي السابق عبد السلام جلود، قصة رفض رفعت الأسد الخروج من دمشق مباشرة إلى باريس، تنفيذا لاتفاق تسوية الخلاف مع شقيقه الرئيس الراحل حافظ الأسد. ويروي جلود أنه توسط بين الشقيقين حين اندلع النزاع بينهما عام 1984 على خلفية مرض الأسد ودخوله المستشفى، واستغلال رفعت الفرصة وتحضير نفسه للخلافة. وينسب جلود لنفسه أنه هو الذي تمكن من الضغط على رفعت كي يوقف حركة التمرد ضد شقيقه، ويوافق على تسوية يخرج بمقتضاها من سوريا إلى فرنسا.

ينقل عن رفعت قوله "أنت تعلم أن أسرتي مؤلفة من 48 فردًا، ولذلك سوف أطلب مبلغ 200 مليون دولار لأؤمن على أسرتي في الخارج".

وتفيد رواية جلود أن تنفيذ اتفاق الخروج واجه عقبتين. الأولى هي، سفر رفعت مباشرة من دمشق إلى باريس، واعترض على ذلك بأنه سوف يثبت عليه تهمة العمالة لأميركا، ورد جلود عليه "قبل أن تخرج إلى أوروبا سوف نرتب لك زيارة للاتحاد السوفياتي لنفي أي تهمة عنك". والثانية هي مسألة تأمين نفسه وأسرته ماليا، وينقل عن رفعت قوله "أنت تعلم أن أسرتي مؤلفة من 48 فردًا، ولذلك سوف أطلب مبلغ 200 مليون دولار لأؤمن على أسرتي في الخارج".

كان حل المعضلة الأولى سهلا، وبالفعل سافر رفعت على رأس وفد سوري عسكري كبير، ضمه وعددا من الضباط من بينهم قائد الوحدات الخاصة حينذاك علي حيدر وقائد الفرقة العسكرية الثالثة شفيق فياض، وعاد جميع الضباط إلى دمشق، وأكمل رفعت طريقه إلى باريس. أما شرط دفع 200 مليون دولار فقد قال الأسد "ليس لدينا ما يكفي من العملة الصعبة. هل ليبيا مستعدة لدفع هذا المبلغ لتحافظ على سوريا وتحول دون تدميرها؟" وكان جواب جلود "نحن لا نستطيع أن ندفع المبلغ مباشرة لرفعت، لكن يمكن تقديم هذا المبلغ كمساعدة من ليبيا لسوريا، وعليكم أن تتصرفوا". وهذا ما حصل فعلا.

لخوفه من أن يدخل السجن في فرنسا قرر أن يعقد صفقة العودة إلى القرداحة مع بشار الأسد، والتي دفع مقابلها عدة ملايين

ويصف جلود مهمته بـ"القومية الصعبة والمعقّدة في سوريا بمنع رفعت الأسد من تنفيذ انقلابه"، وينسب لنفسه ترتيب أمر سفره إلى الاتحاد السوفياتي، ثمّ انتقاله نهائيًا إلى أوروبا، في حين أن الرواية المتداولة تقول إن الاتفاق بين حافظ ورفعت تم داخل العائلة أولا، وبضغوط وضمانات من الطائفة، في حين اقتصر دور ليبيا على تسديد المبلغ الذي تقاضاه رفعت. وبقي هذا الرقم غير محدد بالضبط حتى ثبته جلود بـ 200 مليون دولار، وكانت روايات قد درجت في حينه تتحدث عن مبلغ 300 مليون دولار تلقاها رفعت من ليبيا، بالإضافة إلى مبالغ لا تقل عن ذلك منها ثروة رفعت الشخصية التي جناها في سوريا ولبنان، وهبات تلقاها من بعض بلدان الخليج، وعلى نحو خاص من ملك السعودية السابق عبد الله بن عبد العزيز، بالإضافة إلى مبلغ تسوية من شقيقه حافظ كي يوقع على وثيقة الخروج، وقدرت أوساط في حينه تلك الثروة بأنها تجاوزت مليار دولار، شكلت استثمارات رفعت في فرنسا وبريطانيا وإسبانيا والإمارات، والتي خسر القسم الأكبر منها في المحاكمات التي واجهها في الأعوام الثلاثة الأخيرة في أوروبا، ولخوفه من أن يدخل السجن في فرنسا قرر أن يعقد صفقة العودة إلى القرداحة مع بشار الأسد، والتي دفع مقابلها عدة ملايين.

ويمر جلود على نقطة مهمة تكشف مدى العداوة بين الشقيقين حافظ ورفعت خلال فترة الخلاف. ويقول في مذكراته التي صدرت حديثا عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" إن رفعت عانقه مودّعًا في نهاية أحد اللقاءات، التي عقدها معه لتسوية الخلاف، وقال له "من قبل كان لي أخ، والآن لدي اثنان". وحين سأله "ومَن هما؟"، أجاب رفعت "الأمير عبد الله بن عبد العزيز وأنت". ويقول جلود إنه أجابه "لا، عليك أن تختار إمّا أنا وإمّا الأمير"، فضحك رفعت، و"الأكيد أنه اختار الأمير عبد الله".