رسائل الأشلاء الصغيرة

2022.07.24 | 06:27 دمشق

الجديدة
+A
حجم الخط
-A

سيقول الروس -لو قالوا- إن الغارة استهدفت عناصر إرهابية كانت تخطط لمهاجمة قاعدة حميميم أو أنهم بالفعل من أرسلوا الطائرات المسيرة باتجاه القاعدة، وأن من ماتوا قد تم (فبركة) موتهم أو قتلتهم الجماعات الإرهابية التي تسيطر على الشمال السوري، وهذه المسوغات لطالما كانت حاضرة في البيانات والمؤتمرات والتصريحات الروسية أو لوكلائها الذين حفظوا عن ظهر قلب الدرس بكامل قذاراته.

فجر الجمعة قتلت الطائرات الروسية في غارة على قرية الجديدة غربي إدلب 7 مدنيين بينهم 4 أطفال من عائلة واحدة، وأصيب 12 آخرون من  بينهم أيضاً 8 أطفال، ومع كل هذا الدم البريء لم يحظ الخبر بأي ردة فعل عربية وإقليمية ودولية وحتى ممن يضعون أنفسهم أمناء على دماء السوريين، وطغت أخبار توقيع اتفاقية تصدير القمح من أوكرانيا وروسيا في إسطنبول على معظم فترات النشرات في التلفزيونات العربية الكبرى لكي تبدو روسيا حريصة على إنقاذ العالم من جوعه المنتظر، وأما الخبر السوري فليس سوى حديث بيوت بائسة في منافي البلاد المحطمة.

أرادت روسيا من هذه المذبحة أن تقول لرعاة الشمال إنها المهيمنة، وإنها لن تسمح بأية استطالات أو تغيير للعبة في تلك البقعة من الأرض  التي تحبس فيها ملايين السوريين ممن تجرؤوا على السلطة وداعميها، وأن على الأتراك أن يلتزموا بتفاهمات أستانا، وأن يلجموا طموحاتهم، وأن ما جرى قبل أيام في طهران من رسائل متناقضة بين الرعاة -سواء رسائل التحذير أو تلك التي تريد ضمانات أكبر للحدود- عبّرت عنه بقسوة طائرات الروسي في رسالة حاسمة أنه لا تغيير في الخرائط دون تنازلات يتم التوافق عليها.

رسالة أخرى للجولاني الذي ظهر في فيديو من جبل الزاوية يعد بالانتقام وقيادة معركة باتجاه الساحل، وهو ما ردت عليه روسيا بأنها دمرت طائرتين مسيرتين كانتا باتجاه قاعدة حميميم، واتهمت جبهة الجولاني بالوقوف وراءها، وأتبعتها بقصف أجساد الأطفال الأبرياء لتذكر سلطة الأمر الواقع التي يقودها الجولاني بمشاهد أكثر رعباً صنعتها قوة البطش الروسية منذ أن قررت قتل السوريين بدم بارد.

رسائل لأطراف سورية غير مبالية بما يحدث على أرض الخراب أولهما النظام الذي لن يبدي أي نوع من الفعل فهو غير معني بهؤلاء الصغار وسواهم هو فقط يمني النفس بيوم ليس فيه سوى الرعاع والشبيحة والنبيحة والأذلاء، وفي الوقت ذاته لا مانع من بقاء أولئك القادمين عبر الحدود من جنسيات مختلفة لكنها متوافقة على التخريب والنهب.

الطرف الثاني حيث لا رسائل للموتى في رأس هرم المعارضة السياسية والعسكرية، والذين سيخرجون اليوم -على الشاشات القليلة التي تستضيف بكائياتهم- ليشكوا ضعفهم وقلة حيلتهم، ويهددوا بالشكوى لمجلس الأمن وربما يصدر بيان يدين هذه الوحشية الروسية ولامبالاتها بالدم السوري خدمة للنظام، وربما وهو الأغلب سينتظرون الأوامر التي تقول لهم ابكوا فيبكون.. اشتموا فيشتمون.

عسكر المعارضة عاجزون ومشغولون بالغنائم والضرائب والمناصب والمعابر، وربما يطلقون قذيقة في الهواء تعبيراً عن الغضب من المجزرة، وبهذا يقولون إننا قمنا بالرد على المعتدين، وانتقمنا لكم ولدماء أطفالكم.. ولن يصدقهم أحد.

إسرائيل وحدها تبعث برسائل واضحة لكل الأطراف أولها أنها لا تريد تغيير السلطة في دمشق لكنها تريدها عارية دون عمائم إيرانية ولذلك لا تتوقف عن الضرب المبرح لعاصمة الصمود ليل نهار، ولا تقيم وزناً للروسي الذي يتوافق معها في بقاء السلطة وردع الإيراني الحليف.

في كل هذه المتاهة السورية يظل الدم السوري وحده المباح بالمجان لكي يقول القاتل ما يريده، ولكي يقول العدو ما يرمي إليه، ولكي يفهم الراعي والحليف والوكيل ما يجب أن يفهمه.. الأشلاء السورية بخدمة كل هؤلاء وأكثر وضوحاً من الكلام وإن كانت نضرة وطرية فصداها أعلى أقصر.. ناموا بهدوء الملائكة في زمن صخب الشياطين في تلك البقعة من الأرض.