تمكنت الفصائل العسكرية شمال غربي سوريا من السيطرة على مساحات جديدة غربي مدينة حلب، واقتربت مرة أخرى من الطريق الدولي الذي يربط بين حلب وغازي عنتاب التركية، بالإضافة إلى إحراز تقدم ملحوظ شرقي محافظة إدلب على مقربة من طريق M5 قرب مدينة سراقب.
على الرغم من التسريبات التي انتشرت على مدار الأسابيع الماضية حول نية فصائل الشمال تنفيذ عملية عسكرية باتجاه مدينة حلب، بقي هذا السيناريو غير مرجح في ظل توافق الدول الضامنة لخفض التصعيد المشاركة في مسار أستانا على استمرار الهدوء الذي ساد منذ مطلع عام 2020 عندما عقدت أنقرة مع موسكو تفاهم سوتشي لوقف الأعمال القتالية.
من الواضح أن هجمات الفصائل العسكرية تركز على مناطق النفوذ الإيراني المنتشرة في محيط حلب الغربي، بالإضافة إلى منطقة سراقب وما حولها التي تتخذ منها قوات الرضوان التابعة للحزب قاعدة لها.
قراءة في الموقف التركي
نقلت وكالة رويترز عن مصادر أمنية تركية تأكيدات بأن العملية التي شنتها "فصائل المعارضة السورية" محدودة وتقع ضمن حدود منطقة خفض التصعيد المتفق عليها بين روسيا وإيران وتركيا عام 2019، لكنها توسعت بسبب مغادرة قوات النظام السوري لمواقعها، مع توضيح أن العمليات أتت رداً على الهجمات المستمرة من النظام على منطقة خفض التصعيد.
من المفترض أن تركيا هي الضامن لضبط سلوك فصائل الشمال بموجب تفاهمات أستانا، مقابل التزام روسيا وإيران بإلزام النظام السوري بوقف العمليات العسكرية. ولكن تصريحات المسؤولين الأتراك لوكالة رويترز تقدم تفسيراً لعدم منع هذه العمليات وهو "استمرار هجمات النظام السوري على منطقة خفض التصعيد".
التصريحات التي أطلقها وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، قبل عدة أيام تشير بوضوح إلى عدم الرضا عن دور إيران المعرقل لعقد تفاهمات بين أنقرة ودمشق، إذ أكد أن هذا الأمر ليس ضمن أولويات إيران، وهي أيضاً ليست على جدول أعمال روسيا نظراً لاستمرار وقف إطلاق النار وعدم ظهور تهديد خطر في المنطقة.
تقويض النفوذ الإيراني شمال غربي سوريا يصب في مصلحة تركيا، خاصة في ظل ما يوفره هذا النفوذ من دعم لعناصر حزب العمال الكردستاني التي تنشط شمال غربي حلب في المنطقة الممتدة من باشمرا وتل رفعت والشيخ عيسى ومرعناز. حيث اشترك الطرفان طوال السنوات الماضية في تهديد القواعد التركية المنتشرة شمالي حلب، بالإضافة إلى قصف المدنيين السوريين في اعزاز والباب وغيرها من مناطق ريف حلب.
أيضاً، استمرار نشاط الميليشيات الإيرانية في المنطقة قد يفتح الباب لتدخلات غربية وإسرائيلية أوسع وتكثيف للهجمات التي قد تصل إلى درجة تهديد حالة الاستقرار النسبية، خاصة وأن تنظيم قسد يحاول فيما يبدو الترويج لفكرة مساهمته في خطط تقليص نفوذ إيران عبر السماح له بالتمدد في المنطقة، وبالتالي محاولة حجز مكان له في استراتيجية إدارة ترمب الأميركية، التي من المتوقع أن تضع مسألة تحجيم دور إيران في المنطقة ضمن أولوياتها.
غياب روسي عن المشهد الميداني
غاب الطيران الروسي بشكل ملحوظ عن المشهد الميداني، باستثناء بعض الجولات الاستطلاعية، وبقيت الطائرات التابعة للنظام السوري هي من تقوم بالهجمات المساندة للقوات الأرضية التي تراجعت بشكل سريع.
وفق المعطيات الحالية، يبدو أن موسكو غير سعيدة من استقبال بشار الأسد مؤخراً لمسؤولين إيرانيين على رأسهم علي لاريجاني مستشار علي خامنئي، وتأكيده على نقل رسالة من المرشد إلى بشار. وهذا يخالف النصائح التي وجهها بوتين إلى الأسد عند استدعائه في تموز/يوليو الماضي إلى موسكو، فقد طلب منه بوضوح ترك مسافة بينه وبين إيران بسبب وجود توجهات غربية لتقليص حضور إيران الإقليمي.
زيارة لاريجاني أتت في وقت بات واضحاً فيه وقوف بشار الأسد على الحياد تجاه الهجوم الإسرائيلي على حزب الله اللبناني، وتصاعد الحديث عن تفضيله التركيز على تطبيع علاقاته العربية والدولية على مصالح إيران. وهذه الخطوة بطبيعة الحال تعاكس توجهات روسيا التي باتت في الآونة الأخيرة تتساهل بشكل واضح مع الغارات الإسرائيلية على الأهداف الإيرانية في سوريا، ونشرت قرابة 8 نقاط مراقبة في جنوبي البلاد لضمان وقف هجمات فصائل الحشد الشعبي العراقية المدعومة إيرانياً من جنوبي سوريا باتجاه الجولان.
يبدو أن موسكو تسعى من خلال موقفها حيال عملية "رد العدوان" إلى التأكيد للأسد عدم قدرة إيران على توفير الحماية له، وأن عدم الاستماع لنصائحها مكلف. كما أنها، فيما يبدو، تظهر مرونتها تجاه عدم عرقلة الجهود الإقليمية والدولية لإضعاف حضور إيران في سوريا.
من غير المتوقع أن تتوسع العمليات العسكرية إلى درجة كبيرة، وستركز على الأرجح على دخول بعض المدن مثل سراقب ومعرة النعمان، بما يتيح تسهيل عودة عشرات آلاف اللاجئين والمهجرين إلى مناطقهم، بالإضافة إلى فرض طوق أمني يسهم في وقف هجمات الميليشيات الإيرانية وقسد على شمال غربي سوريا.