icon
التغطية الحية

رحلة مظلوم عبدي.. بين جبال قنديل والبيت الأبيض

2019.10.26 | 14:48 دمشق

000_1lp7nh.jpg
+A
حجم الخط
-A

ظهر اسم مظلوم عبدي في الساحة السورية أواخر عام 2015، وسط أحداث ضخمة غيرت من مجريات الأحداث وخريطة السيطرة بشكل كبير جعل السوريين لا يولون اهتماماً للأسماء وقيادة الفصائل الكثيرة، في حين كانت تركيا تضع "عبدي" وعدداً آخر من قيادات المجموعات الكردية المقاتلة في سوريا تحت المجهر، على الرغم من محادثات السلام التي كانت تجريها تركيا مع حزب العمال الكردستاني.

تُعرّف وحدات حماية الشعب YPG نفسها على موقعها الالكتروني بأنها "الجيش الرسمي لروج آفا"، وأن تشكيلها الأول والبدائي كان عام 2004، بعد ما عُرفت بأحداث القامشلي، ورغم أن الموقع الرسمي يقول بأن الإعلان عن تأسيسها كان عام 2011، إلا ان ظهور الوحدات في المدن الكردية السورية علناً كان في منتصف عام 2012، وذلك عندما رفعت مجموعات كردية مسلحة أعلامها على الدوائر الرسمية للنظام ومخافر الشرطة وكذلك على حواجز المدن والبلدات ذات الغالبية الكردية، دون تسجيل اشتباكات ملحوظة في هذه المناطق من الحسكة وحلب تحديداً، ولذلك يتهم كثيرون وحدات الحماية بأنها سيطرت على هذه المناطق بتنسيق مع النظام الذي انسحب منها طواعية.

كان واضحاً الانتماء العقائدي لوحدات الحماية عبر رفع صور عبد الله أوجلان، وكذلك تسمية كتائب وألوية بأسماء شخصيات سورية قاتلت وقُتلت مع حزب العمال الكردستاني، مثل ما حصل في تشرين الأول من عام 2012 عندما أعلنت القيادة العامة لوحدات حماية الشعب YPG عن تشكيل لوائها الثالث باسم "لواء الشهيد صادق كوباني" في منطقة عين العرب (كوباني) شمال شرق حلب، و"صادق" هو عادل محمد بالي من مواليد عين العرب 1967 انضم إلى حزب العمال عام 1986 والتحق بالجناح العسكري فيه عام 1991، حتى قُتل عام 2012 بمعركة ضد الجيش التركي واحتفظت تركيا بجثته.

أُعلن عن تشكيل قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، في تشرين الأول عام 2015، وذلك بعد 5 أشهر من استعادة وحدات الحماية سيطرتها على عين العرب (كوباني) من تنظيم الدولة، في أواخر شهر حزيران من العام نفسه، بدعم كبير من التحالف الدولي، وبمعركة عنيفة استمرت أكثر من 100 يوم.

بالعودة إلى مظلوم عبدي أو مظلوم كوباني أو شاهين جيلو أو فرهاد عبدي أو فرهاد عبدي شاهين (اسمه الحقيقي)، فلا يوجد تاريخ محدد لتوليه قيادة قوات سوريا الديمقراطية ولا حتى تاريخ محدد لتعيينه قائداً على وحدات الحماية قبل تشكيل "قسد".

وُلد مظلوم عام 1967 في قرية حلنج التابعة لمدينة عين العرب وكان والده طبيباً، وانضم عام 1990 إلى منظومة المجتمع الكردستاني KCK، ليصبح عضواً دائماً في المجلس الأعلى للمنظومة، ثم شارك في المواجهات المسلحة مع الجيش التركي في قضاء شمديلي بولاية هكاري جنوب شرق تركيا، لينتقل بعدها في الأعوام ما بين 1997 و2003 إلى أوروبا لتلقي الرعاية من إصابة في الساق أصيب بها في كردستان العراق، وتنقل بين ألمانيا وهولندا وإيطاليا، وحمل في تلك الحقبة اسم شاهين سيلو. وما زال مظلوم يعاني حتى الآن من إصابة قدمه التي يعرج بها.

 

EHwIAnYW4AEDcB3.jpeg

 

وبحسب تقرير صادر عن مؤسسة الأبحاث الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التركية "سيتا"، بعنوان (PYD- YPG فرع حزب العمال الكردستاني في شمال سوريا)، عاد مظلوم إلى العراق عام 2004، وكان في مدينة مخمور، ليصبح عام 2005 عضواً في المجلس التنفيذي الأعلى لحزب العمال الكردستاني.

 

EHwF5QyXYAAsn3k.jpeg

 

EHwF5QaXYAU3-Yu.jpeg

 

في عام 2009، عيّن حزب العمال الكردستاني مظلوم مسؤولاً عن قوات العمليات الخاصة في وحدات حماية الشعب، وعاد مظلوم إلى سوريا مع بداية الثورة السورية عام 2011، وبقي بمنصبه هذا حتى عام 2012.

وسُجّل آخر ظهور لمظلوم في جبال قنديل عام 2010، عندما نشرت له صورة تعود لتاريخ 27 / 8 / 2010 تجمعه مع أحد قيادي حزب العمال الكردستاني رستم جودي على الحدود العراقية - الإيرانية.

 

67051548_2359393077485740_6881359875385851904_n.jpg

 

وبعد عام 2012 لم يكن لمظلوم منصب محدد واضح ضمن البيانات الرسمية لوحدات الحماية أو قسد أو حتى حزب الاتحاد الديمقراطي PYD، الذي تعتبره تركيا الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني ووحدات الحماية الجناح العسكري للحزب في سوريا.

إلا أن مقابلة أجرتها قناة الجزيرة بداية عام 2016 مع قائد لواء التحرير ومسؤول العلاقات العامة المنشق عن قوات سوريا الديمقراطية عبد الكريم عبيد، كشف فيها عن دور مظلوم في تلك الفترة التي تعتبر حلقة مفقودة في تتبع مسيرته، وقال عبيد بأن "قسد" يقودها مجلس قيادة "صوري"، الكلمة الفصل فيه لشاهين جيلو المعروف باسم "مظلوم" أو "الخال"، ويتبع بشكل مباشر للقيادي الكردي البارز في حزب العمال الكردستاني باهوز أردال. ويقود جيلو قادة عسكريين (قائد جبهة لكل منطقة) يشكلون المرجعية الرئيسية لقيادات الإدارة الذاتية، وحتى قوات الأمن (الأسايش).

وأكد مظلوم في مقابلة أجراها مع موقع "المونيتور" في آذار الفائت، بأنه التقى مع أعضاء من المخابرات الوطنية التركية داخل سوريا في عام 2015، وناقش الطرفان قضايا أمن الحدود، وذلك تزامناً مع مباحثات السلام بين تركيا وحزب العمال.

وبعد قرارات ترمب المفاجئة قبل أشهر كتبت الصحفية الأميركية روبن رايت مقالاً في مجلة نيويوركر بعنوان "كيف خان ترمب الجنرال الذي هزم داعش"، وذكرت رايت في مقالها بأن مسؤولين أميركيين أخبروها بأن "مظلوم" التقى في 18 آب عام 2014 مع قاسم سليماني قائد فيلق القدس في العراق، ومن ثم سارع الأميركيون للجلوس معه في اليوم نفسه في مدينة السليمانية، وتزامن هذان اللقاءان مع سيطرة تنظيم الدولة على نصف مساحة كوباني.

وبحسب رايت، فإن مظلوم أخبرها بأنه خدم في صفوف حزب العمال الكردستاني لفترة من الزمن، وأنه صديق شخصي لعبد الله أوجلان، واستدرك "أوجلان عمل هنا والناس هنا موالون له، لكن وحدات الحماية ليست منظمة إرهابية".

 

EHwIAndXYAIQC7L.jpeg

 

 

EHwIAneWkAAlnA9.jpeg

 

وذكرت بأنه في نيسان من عام 2015، اتصلت الولايات المتحدة بمظلوم لتطرح عليه قيادة الحرب ضد تنظيم الدولة، وتزامن ذلك مع تخلي إدارة أوباما عن برنامج للبنتاغون يهدف إلى تدريب 15 ألف مقاتل سوري في تركيا والأردن، وفي حين تم تخصيص 500 مليون دولار للبرنامج تم إنفاق 50 مليون دولار فقط حيث أغلق البنتاغون برنامجه وتوجه بالدعم إلى "قسد".

عاد مظلوم للظهور مجدداً عام 2016 في صورة إلى جانب المبعوث الخاص للرئيس الأميركي باراك أوباما لمحاربة داعش، بريت ماكغورك، عندما التقى الأخير بعدد من قادة وحدات حماية الشعب في مدينة عين العرب (كوباني).

بدأت الولايات المتحدة بإرسال شحنات السلاح والذخيرة إلى "قسد" التي بات مظلوم قائدها رسمياً، حيث سبق أن انتقد ترمب سياسة أوباما في حملته الانتخابية عام 2016، واتهمه بأنه لم يبذل ما يكفي للقضاء على داعش، وبعد 4 أشهر من تولي ترمب منصب الرئيس، وافق على تمويل كبير للبنتاغون لتزويد "قسد" بالسلاح الثقيل والمتوسط والعربات المدرعة استعداداً لمعركة الرقة (عاصمة تنظيم الدولة).

في هذا التوقيت بدأت أنقرة بإظهار غضبها بصوت مرتفع، من الدعم الأميركي الكبير لـ "قسد"، حيث بدأت تنظر أنقرة إلى دعم من تعتبرهم جناحاً لحزب العمال الكردستاني، على أنه تهديد حقيقي لأمنها القومي، وهي سبق أن غضت الطرف عن الوجود الكردي المسلح على حدودها بداية عام 2012، والذي كان غير واضح الملامح والتوجه، ومن ثم زجت تركيا بوحدات من الجيش الحر بقيادة العقيد عبد الجبار العكيدي في معركة كوباني عام 2015 إلى جانب وحدات الحماية ضد تنظيم الدولة، في محاولة منها لمنع سقوط المدينة بيد تنظيم الدولة، وذلك بعد أن هدد أوجلان من سجنه بانهيار محادثات السلام مع تركيا في حال سيطر التنظيم على كوباني.

زاد الدعم الأميركي المقدم إلى "قسد"، لاستكمال معركة طرد تنظيم الدولة من شمال شرق سوريا، وزاد التوتر التركي الأميركي أيضاً.

وفي منتصف معركة دير الزور أواخر عام 2018، وبعد أن دفعت "قسد" أكثر من 10 آلاف قتيل في معاركها مع تنظيم الدولة، اتصل قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط الجنرال جوزيف فوتيل بمظلوم، وأخبره أنه تلقى خطابًا من البيت الأبيض قبل ساعتين، يأمر فيه بالانسحاب الفوري للقوات الأميركية من سوريا، وذلك عقب أول قرار لترمب بسحب القوات من سوريا.

إلا أن الانسحاب الحقيقي للولايات المتحدة لم يحدث إلا قبل أيام عندما أطلقت تركيا عملية "نبع السلام" لتشكيل منطقة آمنة تريدها على حدودها بطول 440 كم وعمق 30 كم، بعد أن ضاقت ذرعاً بمحاولات واشنطن لتخفيف مخاوفها.

ووسط حالة سخط كبيرة في المجتمع السياسي الكردي من العملية التركية وردة الفعل الأميركية، بدأت تتوضح ملامح الاتفاقات والتفاهمات بين روسيا وتركيا وأميركا حول مصير شمال شرق سوريا، وقررت واشنطن الإبقاء على قوة لحماية آباء النفط السورية والاستمرار في مكافحة تنظيم الدولة، الأمر الذي طمأن وحدات الحماية و"قسد" وحزب الاتحاد الديمقراطي.

قبل أيام أكدت وسائل إعلام أميركية بأن أعضاء من مجلس النواب الأميركي يضغطون نحو منح مظلوم تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة لمناقشة الملف بشكل أوسع، وذلك بعد أن أجرى مظلوم مكالمة هاتفية مع ترمب، وتبادلا عبارات الغزل الدبلوماسية في تويتر الذي أنشأ مظلوم فيه حساباً شخصياً قبل 5 أيام، وقامت شركة تويتر بتوثيقه على الفور.

عاد الغضب التركي إلى واجهة العلاقات المتوترة مع واشنطن، وطالبت أنقرة بتسليمها مظلوم المطلوب لديها على لوائح النشرة الحمراء للإنتربول الدولي.