icon
التغطية الحية

رجل بقدم واحدة يغتسل على السطح.. كيف حددت أميركا موقع القرشي؟

2022.02.11 | 16:56 دمشق

المبنى الذي أقام فيه القريشي زعيم تنظيم الدولة السابق
المبنى الذي أقام فيه القريشي زعيم تنظيم الدولة السابق
واشنطن بوست- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

خلال الخريف الماضي، حطت طائرة تجسس أميركية فوق بيت يقع على طرف أحد بساتين الزيتون في شمال غربي سوريا، ثم سعت الكاميرا الخاصة بتلك الطائرة لتصوير رجل ملتحٍ يعيش في ذلك البيت بحسب ما ذُكر. كان ذلك الرجل الذي يطلق عليه أحياناً اسم "البروفسور" قد فقد ساقه في الحرب، ولهذا كان لا يبارح بيته في الطابق الثالث إلا نادراً، ولهذا ثبتت الطائرة عدسات كاميرتها على سطح البناء، وأخذت تنتظر.

ثم انضمت أجهزة استخباراتية أخرى مزودة بكاميرات ومعدات استشعار عن بعد لعملية المراقبة، فوق البيت ومن جميع جوانبه، ولم تذهب تلك الجهود سدى في نهاية المطاف. إذ شوهد الرجل في أيام معينة إن كان الطقس يسمح وهو يمشي بعرجته ومعه منشفة ويغتسل على السطح. كما كان بين الفينة والأخرى يغامر بالخروج والسير لفترة قصيرة خارج المبنى.

كانت الإعاقة الجسدية التي يعاني منها ذلك الرجل واضحة، فقد خسر ساقه اليمنى، وهذا يطابق بالضبط أوصاف الرجل المستهدف بالبحث المكثف، أي أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم تنظيم الدولة الإسلامية.

مع زيادة المراقبة، أكد محللون لدى الاستخبارات الأميركية هوية الرجل، إذ بعد مطاردة استمرت لعامين، تم تحديد موقع القرشي الهارب، وقد تم ذلك في بداية الأمر عبر الوشاة والمخبرين الموجودين على الأرض، ثم تم تأكيد تلك المعلومة من خلال عدسات مكبرة مثبتة على طائرة استطلاع.

أما بالنسبة للمسؤولين الأميركيين الذين شاركوا في عملية البحث، فقد بقي سؤالان معلقان، أولهما كيف يمكن قتل ذلك الرجل أو إلقاء القبض عليه مع تقليل نسبة المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها القوات الأميركية؟ ذلك أن أكثر من عشرة أشخاص بينهم نساء وأطفال يعيشون في المبنى ذاته. أما السؤال الثاني فهو: هل يجب أن يتم القصف على عجل أم من الأفضل الانتظار مع محاولة جمع المزيد من المعلومات حول شبكة الخلايا الإرهابية الموسعة والخفية التي يديرها القرشي؟

مرحلة الانتظار والتريث

ثبت أن عملية الانتظار التي امتدت لبضعة أشهر، كانت مهمة، بحسب ما ذكره مسؤولون سابقون وحاليون لدى الاستخبارات الأميركية وفي الشرق الأوسط ممن تحدثوا عن تفاصيل تلك العملية التي أنهت مهمة أهم مطلوب بين الإرهابيين في العالم، إلا أن هؤلاء المسؤولين تحدثوا بشرط عدم الكشف عن أسمائهم وذلك لأنهم يكشفون موادَّ سرية للغاية.

إذ يقول مسؤول رفيع سابق لدى الاستخبارات كان على اطلاع بمجريات الأحداث: "كانت هنالك تحركات: أي هناك مراسلون واتصالات بين الخلايا، أي إنهم كانوا يمارسون مهامهم بتأنٍ، حيث يقومون بجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات. أي كان عليهم أن يحددوا هوية الشخص الذي يتحدثون إليه".

أعلن الرئيس بايدن عن مقتل القرشي خلال الأسبوع الماضي، وذلك عند الانتهاء من العملية التي قامت من خلالها قوات المغاوير التابعة لقوات الدلتا الأميركية بتطويق المبنى الذي يعيش فيه ذلك المقاتل بشكل آمن، إلا أنه حسب ما ذكر مسؤولون أميركيون، كان مفخخاً بقنبلة انفجرت عند اقتراب القوات الأميركية منه، فقتلت القريشي مع عائلته.

وهذه الرواية التي تم تجميعها من خلال مقابلات وإحاطات قدمها مسؤولون يعملون لدى أجهزة ووكالات أميركية متعددة، وكذلك أدلت بها حكومة دولة أخرى قدمت الدعم للقوات الأميركية، تقدم لنا رؤية جديدة حول منهجية البحث الذي أوصل إلى القريشي، بالإضافة لإضاءة حول المراقبة الحذرة لذلك الزعيم الإرهابي والتي امتدت لأسابيع وحدثت في الوقت الذي كان فيه تنظيم الدولة يسعى لإعادة بناء شبكاته بعد مرور ست سنوات على الخيبات والنكسات والهزائم التي مني بها.

الحاج عبد الله..!

بدا القرشي في الصورة التي ظهرت في عمليات المراقبة بأنه قائد عسكري عملي تولى مهام التنظيم الذي ينتمي له بكل ثبات وتصميم، ولديه طموح بإعادة تأسيس دولة الخلافة الإسلامية المزعومة التي سيطرت في يوم من الأيام على منطقة تعادل مساحتها مساحة إنكلترا. ثم إن مشاركته المكثفة في التخطيط للعمليات جعلت منه شخصية خطرة بشكل خاص، بحسب ما ذكره مسؤولون. ولكن بمرور الوقت، فإن هذه الخصلة بالذات هي ما جعله عرضة للخطر أيضاً.

يقول أحد المسؤولين الكبار لدى إدارة بايدن عن القرشي: "كان متولياً لزمام القيادة بشكل كبير، وهو عراقي عمره 45 عاماً، واسمه عند الولادة أمير محمد المولى الصلبي، واشتهر بكنية الحاج عبد الله، أما بالنسبة لمريديه فاسمه البروفسور عبد الله، أو باختصار: "البروفسور" وذلك لأنه يحمل شهادات أكاديمية ولدوره السابق الذي لعبه بوصفه أحد المترجمين الفوريين الرسميين لدى تنظيم الدولة، حيث كان متخصصاً بترجمة الشريعة الإسلامية. ويتحدث أحد المسؤولين عنه فيقول: "لقد كان ملازموه ورسله فعالين للغاية في التأكد من نشر تعليمات وأوامر الحاج عبد الله".

بناء في أطمة

تمثل الغارة التي وقعت خلال الأسبوع الماضي ذروة البحث الذي امتد لعامين والذي بدأ مع ترقية القرشي لقائد لتنظيم الدولة، حيث تمت ترقيته لرتبة خليفة عقب وفاة سلفه أبي بكر البغدادي الذي فجر نفسه بقنبلة في غارة مشابهة شنتها ضده قوات المغاوير الأميركية في تشرين الأول عام 2019. وقد حدثت تلك النهاية المأساوية للبغدادي على بعد 24 كم من دار مؤلفة من ثلاثة طوابق مبنية بالطوب تقع في منطقة زراعية اسمها أطمة بسوريا، وقد تحول ذلك المبنى إلى مقر للقرشي وآخر مكان أقام فيه.

كشفت وثائق بأن الشقة الموجودة في الطابق الثاني من ذلك المبنى قد تم تأجيرها لرجل خلال شهر آذار الماضي، ويعتقد مسؤولون أميركيون بأنه أبو أحمد الحلبي، أحد الملازمين الكبار لدى القرشي. وهكذا انتقل ذلك النائب إلى تلك الشقة، وبعد مرور أسبوعين على انتقاله، قام باستئجار الطابق العلوي أيضاً. وبعد مرور فترة على ذلك، أقام القرشي في الشقة المتواضعة الموجودة في الطابق الثالث والتي تتمتع بإطلالة من السطح على الحقول وبساتين الزيتون.

إجراءات احترازية صارمة

وحتى يتملص ممن يلاحقوه، التزم زعيم تنظيم الدولة ببروتوكولات أمنية صارمة، بحسب ما ذكره مسؤولون أميركيون. إذ بالإضافة إلى حظر الهواتف الخليوية والاتصال عبر الشبكة(الإنترنت)، اعتمد هذا الرجل على المراسلين، بما أن تنظيم الدولة يعتبر طريقة الاعتماد على هؤلاء الأشخاص أسلم من استخدام الهواتف الخليوية وغيرها من وسائل التواصل الإلكترونية. إلا أن هذه الإجراءات تعني وجود زيارات من قبل غرباء لأطمة، وهي قرية تقع على الحدود التركية، بعيدة كل البعد، من جهة المسافة والثقافة عن المعاقل التقليدية لذلك "التنظيم الإرهابي" الموجودة في وادي الفرات. ولذلك فإن الكثير من أهالي تلك المنطقة كانوا ينظرون لتنظيم الدولة بعين الرهبة والازدراء، كما أن البعض منهم كان ينظر بعين الشك تجاه أي قادم جديد غريب، هو وكل من يزوره، بحسب ما ذكره مسؤولون في الاستخبارات.

رجل بساق واحدة

كان القرشي معروفاً في الجوار بسبب ساقه التي يعتقد محللون في وكالة الاستخبارات المركزية بأنها بترت عقب إصابة عانى منها بعد غارة جوية وقعت عام 2015، قد شوهد في بعض الأحيان خارج المبنى، أو وهو يتمشى لفترة قصيرة في بساتين الزيتون. فوصلت أخباره في نهاية الأمر لمخبرين يعملون لدى قوات سوريا الديمقراطية، تلك الميليشيا الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة، بحسب ما ذكره مسؤولون أميركيون سابقون وحاليون. وهكذا بدأت عملية المراقبة المكثفة على الفور، بوجود مراقبين يتابعون وصول ومغادرة رجال مسلحين يصعدون السلالم ليلتقوا بالقرشي.

وقد توسعت عملية المراقبة لتشمل بعض الكاميرات وأجهزة الاستشعار عن بعد الأكثر تطوراً لدى الحكومة الأميركية، ومعظمها كانت مثبتة على طائرات مسيرة من قبل وزارة الدفاع الأميركية بحسب ما ذكره مسؤولون. وعلى مدار الأسابيع التالية، سخّر من يعملون على عمليات الاستهداف لدى وكالة الاستخبارات الأميركية، وهم عبارة عن محللين يقومون بتدقيق المعلومات الاستخباراتية الخام للتوصل إلى أدلة حول شخصيات مشتبه بها بممارستها للإرهاب، (سخّروا) أياماً طويلة من العمل والبحث في ذلك الملف، إلى جانب الجهود التي بذلها محللون آخرون لدى الاستخبارات ووزارة الدفاع الذين ظلوا يراقبون ذلك المبنى والحي المحيط به.

التأكد من هوية القرشي

وفي إحاطة حول ذلك ذكر مسؤول عسكري رفيع يوم الخميس ما يلي: "لقد عملنا على نطاق واسع مع تجمع استخباراتي للخروج بفهم عميق حول الأشخاص الموجودين في ذلك البناء، ونمط الحياة التي يعيشها كل القاطنين هناك".

وفي النهاية لم تثمر تلك الجهود عن تأكيد هوية القرشي فحسب، بل أيضاً أثارت جدلاً مضنياً حول الأساليب الواجب اتباعها: إذ هل يجب شن غارة تعتمد على أسلوب المواجهة مع المخاطرة بقتل أبرياء، أم من الأفضل إرسال قوات مغاوير أميركية إلى تلك المنطقة المضطربة في سوريا والتي تسيطر عليها مجموعات مسلحة بينها مقاتلون لهم ارتباطاتهم بتنظيم القاعدة؟

مرحلة التدريب 

في أواخر شهر أيلول الماضي، بدأت فرق القوات الخاصة الأميركية بالتدرب على اقتحام ذلك المبنى، الذي كان المخططون العسكريون شبه متأكدين من أنه ملغّم لمنع أي مهاجم من الاقتراب. وتلك الاستعدادات شملت تدريبات متكررة على نماذج منها نموذج موسع للطابق، بحسب ما ذكره مسؤولان عسكريان رفيعان شاركا في تلك العملية.

كما أضافا بأنه تم التفكير بتنفيذ غارة جوية على المبنى، ولكن سرعان ما تم استبعاد تلك الفكرة، ويعلق أحدهما على ذلك بقوله: "كان هنالك عدد كبير من الأشخاص الذين لم يكونوا مقاتلين، بينهم أسرة وأطفال يعيشون في الطابق الأول".

وهكذا تم اختيار الخطة البديلة، وهي عملية اقتحام طويلة المدى تتم عبر إنزال قوات مغاوير بطائرة مروحية، وبالرغم من أن هذا الاقتراح: "يحمل خطراً أكبر بالنسبة للقوات الأميركية، إلا أن الهدف من تلك المهمة هو القبض على زعيم تنظيم الدولة وجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات الاستخباراتية، مع تجنب إيذاء المدنيين بكل تأكيد".

وهكذا، في 20 كانون الأول، التقى الرئيس الأميركي بفريق الأمن القومي ليصدّق بشكل رسمي على العملية التي تستهدف القرشي، حيث سأل الرئيس عن احتمال وقوع قتلى بين صفوف المدنيين وهل سينهار المبنى في حال قام ذلك الزعيم الإرهابي بتفجير قنبلة، مما قد يؤدي إلى قتل العائلات الموجودة في الطوابق تحته. ولذلك، قام مهندسون عسكريون بدراسة المبنى وخلصوا إلى نتيجة مفادها بأن ذلك لن يحدث.

ليلة بلا قمر

لم يكن هنالك أي داع للعجلة في تنفيذ تلك العملية، بحسب ما ذكره العديد من المسؤولين، إذ بالإضافة إلى الحاجة للتخطيط والتدريب، كانت هنالك اعتبارات عملية، مثل الطقس وحالة القمر، إذ فضل المخططون أن تكون ليلة تنفيذ العملية غير مقمرة. وفي تلك الأثناء، سمحت عملية المراقبة المستمرة لمسؤولي الاستخبارات بالحصول على معلومات أكبر حول الشبكة السرية التي يديرها القرشي والتي تضم عشرات الخلايا الموزعة بين سوريا والعراق.

وبسبب المراقبة المكثفة، أصبح المسؤولون الأميركيون على ثقة بأن بوسعهم "اكتشاف أي محاولة لمغادرة" المبنى، بحسب ما ذكره أحد المسؤولين الكبار السابقين لدى الاستخبارات. وذلك لأن أي محاولة من هذا القبيل يمكن أن تمثل فرصة لتنفيذ غارة جوية بعيداً عن المبنى والمدنيين الذين يقطنونه.

بيد أن الأسابيع الفاصلة بين ذلك التاريخ وموعد العملية كشفت عن كنز من المعلومات الاستخباراتية، بحسب ما ذكره أحد المسؤولين، وذلك بسبب تعقب الرسل ومراقبتهم عند لقائهم بمعارف وجهات اتصال أخرى في مناطق أخرى داخل العراق وسوريا. فقد زاد عدد الرسل الذين زاروا المبنى الموجود في أطمة بشكل كبير بعد الهجوم الهائل الذي شنه مقاتلو تنظيم الدولة خلال الشهر الماضي على سجن في الحسكة يخضع لسيطرة الكرد في شمال شرقي سوريا، إذ انخرط القريشي بعمليات التخطيط لتلك العملية بشكل كبير بحسب ما ذكره مسؤولون أميركيون.

وهنا يتحدث أحد المسؤولين الكبار السابقين لدى الاستخبارات فيقول: "كان ذلك الرجل يعمل على ذلك، أي إنك ترى أمامك رجلاً لطخت يداه بالدماء"، بما أن القرشي أشرف على ما نفذته جماعته من سلسلة الاغتيالات والتفجيرات التي وقعت في كل من سوريا والعراق.

ظروف مؤاتية

وبحلول الأول من شباط، قرر المخططون العسكريون أن الظروف مناسبة لتقوم فرقة المغاوير بالعملية، ولهذا تمت إحاطة بايدن في اجتماع عقد بالمكتب البيضاوي حول الخطط النهائية لتلك العملية، فوافق عليها. وفي اليوم التالي، أي في الثاني من شباط، وعند الساعة الخامسة مساءً بتوقيت واشنطن، تم استدعاء الرئيس إلى غرفة العمليات في البيت الأبيض ليقوم بمشاهدة العملية عبر اتصال فيديو مع البنتاغون.

وعن الأجواء التي سادت في تلك القاعة يخبرنا أحد المسؤولين الكبار لدى الإدارة الأميركية فيقول: "ساد الصمت والتوتر الشديد، ولم يكن هنالك كلام إلا بالقدر القليل".

ومما زاد حالة التوتر معرفة أن القوات الأميركية ستقوم بتنفيذ العملية في منطقة معادية تسيطر عليها جماعات متطرفة، كما أن قوات المغاوير كانت ستنتقل إلى تلك المنطقة وتعود منها عبر المجال الجوي الذي يسيطر عليه الجيش الروسي. وهكذا تم اتخاذ قرار يقضي بعدم تنبيه موسكو مسبقاً، والاعتماد عوضاً عن ذلك على قناة لخفض التصعيد وذلك لنزع فتيل أي مشكلة يمكن أن تحدث.

3 شباط 2022

وعند الساعة الواحدة صباحاً يوم 3 شباط حسب التوقيت المحلي، والساعة السادسة مساء من يوم 2 شباط حسب توقيت واشنطن، حلقت مروحيات تحمل العشرات من قوات النخبة فوق المبنى الموجود في أطمة. وعندما استعد فريق دلتا للنزول بواسطة الحبال، ظهرت في الأجواء طائرات أباتشي المروحية المقاتلة إلى جانب طيران حربي وطائرات استطلاع من نوع ريبر لتراقب ما يجري هناك.

إلا أن صوت شفرات المروحيات الدوارة أيقظ الجيران، فخرج الناس من بيوتهم ليروا ماذا يحدث، وتحدث البعض عن سماعهم لصوت يصرخ ويأمر باللغة العربية باستخدام مكبر للصوت ويقول: "من يريد أن يحفظ روحه فليخرج"

بعد ذلك خرج رجال يرتدون دروعاً تغطي كامل أجسادهم من إحدى المروحيات، ثم هبطوا بواسطة الحبال على الأرض، وعرفوا عن أنفسهم بواسطة بوق، وبعدها جمعوا كامل العائلة في الطابق الأول، وهم أسرة مؤلفة من رجل وامرأة وعدد من الأطفال، وبعدها اقتادوهم بعيداً عن الدار.

بيد أن القرشي لم يستسلم ولم يدع أسرته تهرب، إذ بحسب ما ورد في الروايات الرسمية التي دعمتها شهادات شهود ومحللين قاموا بمراجعة صور المبنى من الخارج، فإن القريشي قام هو أو أتباعه بتلغيم المبنى بمواد متفجرة حتى لا يتمكن أحد من إلقاء القبض عليه حياً. ولكن لم يتضح من قام بتفجير المبنى، إذ يقول مسؤولون عسكريون إنه هو من فعل ذلك على الأرجح، لكنهم لم يستبعدوا احتمال قيام شخص آخر بذلك، إذ لعل إحدى زوجاته هي من فعلت ذلك. فيما يرى آخرون أن التفجير الذي أصاب المبنى أكبر بكثير من تفجير تتسبب به سترة ناسفة يقال إن البغدادي استعان بها ليقتل نفسه قبل ثلاث سنوات.

كانت الأسرة الموجودة في الطابق الأرضي قد غادرت للتو عندما وصلت ذروة الانفجار للسماء، وصدر عنه صوت مرعب سمع على مسافة تبعد كيلومترات عن الحادثة. حيث تسببت قوة الانفجار بهدم العديد من الجدران وبتناثر الجثث والأشلاء على الأرض، أي على بعد ثلاثة طوابق.

أعقب التفجير حالة سكون، لذا وتحسباً لوجود ملغمات أخرى، أرسل فريق دلتا "إمكانيات أخرى"، يفترض أنها مسبار آلي أو طائرة مسيرة صغيرة، لتقوم بمسح ما تبقى من الشقة، وذلك بحسب ما ذكره مسؤولون عسكريون.

وبعد البحث، أتت قوات المغاوير تحت النار فعثرت على حارس القرشي وزوجته في الطابق الثاني،  حيث قتل كلاهما في تبادل لإطلاق النار، كما قامت القوات الأميركية بإخراج عدد من الأطفال الموجودين في ذلك الطابق وعهد بهم إلى أسرة أخرى تعيش في الجوار.

انتهت العملية بعد ساعتين من بدايتها، وفي تلك الأثناء قام أفراد من فريق الدلتا بجمع أوراق وغيرها من المعلومات الاستخباراتية الثمينة من داخل ذلك المبنى، فيما قام آخرون برفع بصمات الأصابع عما تبقى من جثة القريشي ووضعها في أكياس من أجل إجراء فحص DNA على عينة مأخوذة من جسده الذي بقي هناك وسط ركام المبنى الذي كان موجوداً على أحد أطراف بستان من بساتين الزيتون.

وقبل الساعة السابعة صباحاً بتوقيت واشنطن، أي بعد مرور 12 ساعة تقريباً على انتهاء العملية، انتهت عمليات الفحص، وتم التأكد من هوية زعيم تنظيم الدولة، فأعد مسؤولو البيت الأبيض تصريحاً رسمياً قدمه بايدن على الهواء عبر شاشات التلفاز، قال فيه: "لم يعد هذا الزعيم الإرهابي المرعب موجوداً".

المصدر: واشنطن بوست