icon
التغطية الحية

رامي مخلوف.. تحايل على العقوبات والأسد

2020.08.14 | 16:02 دمشق

59-257-syria.jpg
إعلان لشركة "سيرياتل" في أحد شوارع دمشق يقدم عروضاً خاصة لعناصر الجيش
 تلفزيون سوريا - وكالات
+A
حجم الخط
-A

قالت وكالة "رويترز"، إن رأس النظام بشار الأسد، أمر الأجهزة الأمنية بتعقّب أموال وثروات ابن خاله رجل الأعمال رامي مخلوف، المخبأة في الخارج، والتي تقدّر بمليارات الدولارات.

ونقلت الوكالة في تقرير مطوّل نشرته أمس، عن مصدر استخباري غربي، أن الأسد التقى وشقيقه ماهر، قائد الحرس الجمهوري، مع علي مملوك رئيس إدارة المخابرات العامة، وطلب منه تعقّب ثروة مخلوف في الخارج.

وقالت مصادر مطلعة إن رامي مخلوف كان يعمل، خلال السنوات الأخيرة، على تعزيز أوضاعه وثروته من وراء ظهر الأسد، وقال مصرفي وشريك سابق لمخلوف، إن الأخير أنشأ شبكة من شركات الواجهة والكيانات الوهمية في كل من لبنان وجزيرة جيرزي والجزر العذراء، حيث حقق مكاسب خاصة منفصلة عن الأموال التي يديرها لصالح عائلة الأسد.

وفرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على رامي مخلوف، واصفة إياه بأنه "أحد مراكز الفساد الرئيسية في سوريا"، واتهمته بأنه "يستغل قربه من السلطة للإثراء على حساب السوريين"، وأكدت أنه تلاعب بالنظام القضائي واستخدم مسؤولي استخبارات النظام لترهيب المنافسين والحصول على مزية تجارية وتراخيص حصرية لتمثيل شركات أجنبية في سوريا.

وجلبت علاقات مخلوف وسطوته داخل الأجهزة الأمنية مشروعات كثيرة ومربحة للتنقيب عن النفط وإقامة محطات لتوليد الطاقة، فضلاً عن مشروعات تجارية واقتصادية متعددة في مجالات الاتصالات والعقارات والفنادق، لكن استثماره الأكبر كان شركة الاتصالات "سيريتل"، والتي وصل عدد مشتركيها إلى 11 مليون مشترك.

وفي السنوات الأخيرة، ساعد مخلوف نظام الأسد على التهرّب من العقوبات الغربية، بالالتفاف عليها من خلال شركات وهمية كانت تورّد الوقود وسلعاً أخرى تتسم بالأهمية لحملات النظام العسكرية.

بذور الخلاف

وبدأ الخلاف بين مخلوف والأسد يظهر للعلن عندما أعلنت "مديرية الجمارك" في حكومة النظام في كانون الأول من العام 2019، عن تجميد الأصول المالية لرامي مخلوف وزوجته، متهمة إياه، ورجال أعمال آخرين، باستيراد بضائع دون تصريح بقيمتها الحقيقية، ليظهر رامي مخلوف على وسائل التواصل الاجتماعي في نيسان الماضي، وينشر مقطع فيديو قال فيه إن النظام طلب منه التنحي عن إدارة شركاته، بما في ذلك شركة "سيريتل"، كما تحدث عن تهديدات من أشخاص غير محددين في النظام بإلغاء ترخيص شركة "سيريتل" ومصادرة أصولها إذا لم يمتثل.

ورداً على ذلك، أصدرت وزارة المالية في حكومة النظام في أيار الماضي، قراراً يقضي بتجميد أصول رامي مخلوف وزوجته وأولاده، كما أمرت بمصادرة الأصول الخارجية "لضمان سداد مستحقات هيئة تنظيم الاتصالات".

وقالت الوزارة إن "سيريتل مدينة لهيئة تنظيم الاتصالات بمبلغ 1347 مليار ليرة سورية، فيما يتعلق بضرائب ورسوم وشرط ترخيض الشركة"، وأصدرت قراراً منفصلاً يقضي بمنع مخلوف من الحصول على عقود حكومية لمدة خمس سنوات.

ونشر مخلوف بعد ذلك فيديو آخر أبدى فيه استعداده للدفع، لكنه هاجم قوات الأمن واصفاً إياها بأنها "غير إنسانية"، وخاطب الأسد قائلاً "يا سيادة الرئيس، الأجهزة الأمنية بدأت تتعدى على حريات الناس".

واعتبر كثير من المحللين، أن ما قاله مخلوف يعدُّ "تحدياً علنياً للنظام"، وكشفت الفيديوهات عن الشرخ الحاصل في دوائر النظام الداخلية، حيث أظهر أن التهديد قد يأتي من حلفاء كانوا مخلصين يوماً.

وعلى الرغم من إذعان رامي مخلوف في مسألة الخلاف مع "مديرية الجمارك"، إلا أنه قاوم فكرة التنازل عن ثروته وممتلكاته، وقال مصرفيون وشركاء أعمال مطلعون إن "مخلوف أبلغ بشار الأسد بأن يسعى للحصول على الدولارات من مكان آخر ومن أباطرة آخرين".

وتبع ذلك حملة اعتقالات شنتها الأجهزة الأمنية بحق موظفين في شركة "سيريتل"، وقالت مصادر مطلعة لـ "رويترز" إن "المعتقلين استُجوبوا بشأن تحويل الأموال إلى شركات واجهة أنشأها مخلوف في الجزر العذراء وجزيرة جيرزي، وتفاصيل الشركات الخارجية التي وقعت صفقات إدارة مع سيريتل".

البحث عن السيولة

وبعد التدخل الروسي قلب الأسد مجرى الحرب، بدا واضحاً أن لـ "الانتصار" ثمناً باهظاً لابد من دفعه، فقد بات الاقتصاد السوري منهاراً، وفقدت اليرة السورية ما يقارب 80 % من قيمتها، وتسببت الأعمال العسكرية بأضرار بالغة في البنى التحتية وخراب لقطاعي الزراعة والصناعة، كما قضي على تدفق العملات الأجنبية من السياحة وصادرات النفط، وتفاقم التضخم بشكل كبير.

وبينما دعمت روسيا نظام الأسد عسكرياً وبإمدادات غذائية، فإن تدخلها لم يكن مجانياً، إذ يتعيّن على النظام أن يدفع مقابل معظم القمح الروسي الذي يستورده، فضلاً عن ثمن مبيعات الأسلحة.

كما أدت الأزمة المصرفية في لبنان إلى قطع المصدر الحيوي والأبرز للقطع الأجنبي للنظام، ما أدى إلى تفاقم الصدمة الاقتصادية وتدهور العلاقات المالية المتوترة بالفعل بين الأسد ومخلوف.

وأدى هذا التدهور إلى نزيف مستمر للاقتصاد السوري، دفع النظام للحفاظ على موارده لتغطية نفقاته والمحافظة على وجوده، وذكرت وسائل إعلام سورية أن اجتماعاً مغلقاً عُقد في أيلول من العام 2019 في فندق "شيراتون" دمشق، جمع محافظ المصرف المركزي حازم قرفول، مع مجموعة من رجال الأعمال والأثرياء المقربين من النظام.

وذكرت وسائل الإعلام أنَّ الاجتماع يهدف إلى تعزيز العملة المتداعية من خلال تبرعات النخبة الثرية، غير أن مصادر خاصة بوكالة رويترز تحدثت مع أشخاص حضروا الاجتماع قالوا إنه لم يكن يتعلق بالعمل الخيري.

فقد عرض قرفول قائمة بالعقارات والأصول الأخرى التي يملكها رجال الأعمال والصفقات المربحة التي أبرموها، ولمّح إلى إمكانية مصادرة ثرواتهم إذا لم يقدموا مساهمة كبيرة لخزينة النظام.

وذكرت المصادر أن رجل الأعمال سامر فوز، المقرّب من بشار الأسد، تعهّد بدفع عشرة ملايين دولار، لكن قرفول أبلغه بأن هذا لا يكفي، ليرد فوز بالقول "اعتبرها دفعة أولى".

وقال أحد المقربين من رجال الأعمال الذين حضروا الاجتماع، وصديق شخصي لمحافظ المصرف المركزي لوكالة "رويترز"، إنَّ هذا كان "لإظهار أنه يتم الضغط على تجار الحروب للقيام بواجبهم تجاه البلد".

مخلوف أيضاً ورث من أبيه

وظهرت أولى الترتيبات المالية بين عائلتي الأسد ومخلوف بعد استيلاء حافظ الأسد على السلطة، وتكليف محمد مخلوف، نسيب الأسد ووالد رامي ، بإدارة الأموال التي تدرّها الصناعات التي تسيطر عليها الدولة وعمولات العقود التي من شأنها دعم حكمه.

وقال جوشوا لانديس، المتخصص بالشؤون السورية ورئيس مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة أوكلاهوما، إن "محمد مخلوف كان أفضل تعليماً وتمرساً وكان بوسعه المساعدة في الشؤون المالية، وهو أمر لم تكن عائلة الأسد بارعة فيه ولم تتلق التعليم له، كما أن عائلة مخلوف كانوا أفضل في التعامل مع أهالي دمشق وحلب الذين يهيمنون على الاقتصاد السوري".

وبدأ مخلوف الأب يحصد ثمار العلاقة مع الأسد منذ السبعينيات، حيث عُين رئيساً للمؤسسة العامة للتبغ، التي كانت تحتكر الصناعة في سوريا، وبعد عقد من الزمان، وسّع مصالحه التجارية بصفته رئيساً للبنك العقاري المملوك للدولة، ولعب دور الوسيط للعقود الحكومية.

ونشأ أبناء مخلوف والأسد معاً، وكانوا مقربين جداً، واستطاعت أنيسة، زوجة حافظ الأسد، بشخصيتها القوية وتأثيرها السياسي النافذ أن تضغط من أجل ابن أخيها رامي، ولعبت دوراً أساسياً في صعوده، ومع تقدّم محمد مخلوف في العمر، تولى رامي بسلاسة مسؤولية مدير الأموال لعائلة الأسد.

_methode_times_prod_web_bin_9655cb2a-cb4e-11e9-aa23-8f74f0aafdde.jpg
محمد، ابن رامي مخلوف، أمام مدخل قصره في دبي بالإمارات العربية المتحدة

ويعيش مخلوف وعائلته حياة مليئة بالرفاهية بين الإمارات العربية المتحدة وفرنسا واليونان ودول أخرى، وينشر أبناؤه صوراً على مواقع التواصل الاجتماعي لسيارات رياضية فارهة وطائرة خاصة ومنازل فخمة، بينما يعيش 80 % من السوريين تحت خط الفقر، بحسب تقارير رسمية.