رامي البراميل

2019.07.29 | 00:07 دمشق

+A
حجم الخط
-A

لم يخطط ليكون قاتلاً، لكن هذا ما حدث منذ التحق بقوات «النمر» مطلع 2013، عندما كان في التاسعة عشرة، وكانت هذه القوات تتشكل لتصبح الذراع الأبرز للنظام برياً، مصحوبة بعدد من المروحيات التي طالما صعد إليها رامي القذائف هذا وألقى مخزونها على سكان محافظات حلب ودير الزور ودرعا وحماة وإدلب، وصولاً، وفق تسريب شبه مؤكد، إلى الصورة التي اشتهرت منذ أيام، وتُظهر قدميه وبينهما تقبع مدينة كاملة هي خان شيخون.

سام... هل تفسر الأسماء؟ لماذا أطلق عليه والده يونس حسن هذا الاسم المأخوذ عن صاروخ سوفييتي، ثم روسي، وهو المولود عام 1994 عندما لم تكن هناك حروب، بينما أعطى لأبنائه الآخرين أسماء ذات خلفيات طائفية ستتناسب مع ميل أسرة أبو علي إلى التبرك بالمزارات وتبجيل المشايخ. هل يوحي اسم قريته «أم الطيور» بشيء؟ هي الواقعة على الطريق بين حماة ومصياف، والتي أخذت اسمها من كمية هائلة من أعشاش الطيور قيل إنها كانت تسكنها قديماً، حتى تطوع عدد من شبانها للخدمة في الطيور المعدنية التي تسببت بمقتلة مريعة في أنحاء البلاد، لم ينجُ منها بعض راكبيها أنفسهم، كما تدل أغنية أنجزها بعض المهتمين في القرية لاستعراض من فقدتهم أثناء الثورة. وكان عددهم قد تجاوز الخمسين عند إعداد الفيديو في تشرين الأول 2016، من أصل حوالي خمسة آلاف هو عدد أهلها الذين يراوحون بين ممارسة الزراعة، والوظائف الحكومية العادية كما هي حال الأب يونس، فضلاً، بالطبع، عن الانخراط في الجيش الذي وصل شقيقان من أبنائها إلى مرتبتين رفيعتين فيه كقادة فرق؛ اللواء محمد عمار للرابعة، واللواء علي للخامسة ثم للمنطقة الوسطى.

كان سام أحد المتعاقدين الكثيرين الذين التحقوا بقوات العقيد سهيل حسن (النمر) التي تشكلت غالبيتها من أبناء وسط سوريا. وأغرم بقائده الذي كانت نجوميته بين الموالين تفيض على عناصره الذين صاروا يحظون بالتقدير أينما تحركوا في هذه البيئة

سوى التطوع في المؤسسة العسكرية أو في الأجهزة الأمنية، أتاحت حاجة النظام إلى قوات لقمع الثورة للكثير من شبان المنطقة فرصة التعاقد مع الميليشيات المحلية. كان هذا أيضاً نوعاً من «العمل» الذي يمنح راتباً آخر الشهر، مع ازدياد نسب البطالة أصلاً وانحسار الأعمال بتسارع، ولا سيما في الأرياف المختلطة طائفياً، والتي صار التنقل فيها محفوفاً باحتمال الخطف لطلب التبادل أو الفدية أو القتل.

كان سام أحد المتعاقدين الكثيرين الذين التحقوا بقوات العقيد سهيل حسن (النمر) التي تشكلت غالبيتها من أبناء وسط سوريا. وأغرم بقائده الذي كانت نجوميته بين الموالين تفيض على عناصره الذين صاروا يحظون بالتقدير أينما تحركوا في هذه البيئة، ولا سيما العاملين منهم في قطاع الحوامات، إذ انتحلوا بسهولة صفة «النسر» التي يحوزها الطيار الحربي وتعدّ أرقى مراتب الجيش. لم يكن الفارق مهماً لدى مؤيدي النظام طالما أن هؤلاء أيضاً يحققون لجمهورهم أشد ما يريده من غرائز... التشفي.

بين أقاربه ومعارفه في القرية وفي مصياف يحوز المجرم الشاب المودة نتيجة ذلك، وبسبب ما يصفه الناس به من عادية وأدب ومسحة دينية طفيفة. يشاهدونه على الموتور أحياناً، أو مصطحباً ابن أخته إلى السمّان، دون أن يفكروا للحظة أنه يقتل مثل هذا الطفل بشكل متكرر وربما يومي!

 

 

هو نفسه لا يفكر في ذلك! الأمر بالنسبة إليه هو مجرد الذهاب إلى «الدوام» في مطار حماة المجاور. وفي الأوقات التي لا «تعمل» فيها قوات النمر يقضي «أبو الحسن» وقته بالثرثرة ولعب «الورق» وشرب المتة، أما في أيام القتال فيذخّر المروحية ويصعد مع طاقمها... ويرمي!!

لا يبدي حماساً كبيراً للنظام وروايته السياسية، لكنه متأكد من أن الطائفة مهددة وهذا واجبه

في السنة السابعة على هذا «الروتين» اعتاده إلى حد الملل. في 2016 قرر أن يضيف جديداً إلى حياته فسجّل في كلية التاريخ بجامعة «البعث» في حمص لكنه لم يوفق، إذ اكتشف أن الوقت قد فات على امتلاك الجلَد الكافي للدراسة. لقد استهلكته «الحرب» التي طالت كثيراً. لا يبدي حماساً كبيراً للنظام وروايته السياسية، لكنه متأكد من أن الطائفة مهددة وهذا واجبه. خط التماس يبعد عن قريته عشرات الكيلومترات فقط. حتى خان شيخون تبعد أقل من ساعة بالسيارة في الوضع الطبيعي، ودقائق بالمروحية التي تدلى منها وأخذ الصورة بتلقائية.

يلتقط «جماعة الحوامات» الكثير من الصور، ويسجلون الفيديوهات، بسبب سهولة حركتهم. لكن قليلاً منها ينتشر بقوة لأنه يحمل الرمزية المباشرة التي عبّر عنها كل من تداولوا الصورة، سواء في الصفحات الموالية للنظام على فيسبوك أو في الصفحات الثورية، بترجمة واحدة موحدة: مكانكم تحت البوط!...