رئيسي للزعماء العرب: في سوريا نحن نأخذ الأرض.. وخذوا أنتم الوهم

2023.05.10 | 06:57 دمشق

رئيسي للزعماء العرب: في سوريا نحن نأخذ الأرض.. وخذوا أنتم الوهم
+A
حجم الخط
-A

حاول الرئيس الإيراني "إبراهيم رئيسي" في زيارته التي قام بها مؤخراً إلى دمشق أن يحذو حذو الرئيس الروسي "بوتين"، وأن يثبت هو الآخر، ليس للسوريين وللنظام السوري فحسب، بل ولكل العرب ولكل العالم، أن إيران أيضاً ترى سوريا بلداً تابعاً لها، وأنها – أي إيران – هي فقط من تقرر علاقتها بسوريا، وشكل هذه العلاقة وصيغتها. بوضوح شديد أراد "رئيسي" القول: إن سوريا منطقة جغرافية تخضع للنفوذ الإيراني، بكل ما فيها، ولن يكون بعد اليوم مصير سوريا قابلاً للنقاش، إلا كما تريد طهران أو ترغب.

في كل تفاصيل زيارته تصرّف "رئيسي" كما لو أنه سيد هذه البلاد المسماة "سوريا"، أما من يسمى رئيسها، أي بشار الأسد، فليس له إلا أن ينفذ ما تريده طهران، حتى في شؤون صغيرة كوضع تفاصيل الزيارة، والمناطق التي سيزورها، وبمن سيلتقي من السوريين، فهذا كلّه قرار إيراني وليس لـ "السيادة" السورية أي حضور فيه، وفوق كل هذا تعمّد أن يعطي لزيارته وجها دينياً خاصاً، فزار الأماكن التي يعتبرها رموزه الدينية، واستُقبل فيها بما يتناسب مع رجل دين لا بما يتناسب مع رئيس دولة، ولم يبخل النظام السوري بتقديم الدعم له حتى في تقمصه للشخصية الدينية، فجاء خطاب وزير الأوقاف السوري خطابا متخما بالخضوع والتزلف الطائفي.

جاء "رئيسي" مدججاً بأوراق كثيرة، منها ديون قدّرها خبراء اقتصاديون إيرانيون وأوردها مسؤولون إيرانيون بأنها تتجاوز 30 مليار دولار

اختار "رئيسي" توقيتاً مهماً لزيارته، فهو استبق قرار وزراء الخارجية العرب بعودة النظام السوري لشغل مقعد سوريا في جامعة الدول العربية، وهو أيضاً استبق نتائج الانتخابات التركية التي تنشغل بها تركيا الآن، وهو أيضا أراد أن يضع تقييدات واضحة على ما قد يتطلبه التقارب السعودي الإيراني في مراحل قادمة.

جاء "رئيسي" مدججاً بأوراق كثيرة، منها ديون قدّرها خبراء اقتصاديون إيرانيون وأوردها مسؤولون إيرانيون بأنها تتجاوز 30 مليار دولار، وهي تمثل كلفة حماية كرسي بشار الأسد خلال سنوات الثورة السورية، ومنها انتشار واسع لميليشيات طائفية تتبع للولي الفقيه، ووحدات عسكرية تتبع للحرس الثوري الإيراني تنتشر في معظم مناطق سوريا، بالإضافة لولاء قسم كبير من الجيش السوري لإيران وليس لسوريا، وخصوصا الفرقة الرابعة التي تُعد القطعة العسكرية الأكبر في الجيش السوري والتي يقودها ماهر الأسد، والتي تسيطر على صناعة المخدرات في سوريا، وتسيطر على منافذ سورية بحرية، وبرية وجوية.

وفق وكالة أنباء النظام السوري "سانا"، فإن إيران ستوقع اتفاقات اقتصادية كثيرة، تشمل مجالات عديدة، منها الزراعة، والنفط، والنقل، والمناطق الحرة والاتصالات، لكن ما لم تشر له "سانا"، هو اتفاق مناجم الفوسفات، واتفاق الأرض التي ستستولي عليها إيران، والاتفاقات العسكرية، والأمنية، وإدارة إيران للمناطق الدينية التي تعتبرها مناطق مقدسة "شيعياً"، وتحديد أي المرافئ السورية سيكون خاضعا لها، والأهم حصة إيران من عقود إعادة الإعمار مستقبلاً.

تبدو الاتفاقيات الاقتصادية الموقّعة، وبنود سرية أخرى، واعدة بالنسبة لإيران، لكن لا بد من السؤال هنا: هل ستكون النتائج الحقيقية مطابقة للآمال الإيرانية، وهل ستسمح البنية التحتية المتهالكة في سوريا ووضعها الراهن على مختلف الصعد، لإيران بأن تحقق  ما تراه ديناً مستحقاً على بشار الأسد، وهل ستقف أطراف دولية أخرى كثيرة، موقف المتفرج منها، لا سيما أنها أطراف قادرة وفاعلة، فهناك أميركا، ودول أوروبية، وتركيا، وهناك إسرائيل أيضاً؟.

العزف النشاز في كل هذا المشهد السوري، هو تلك الانعطافة القوية التي قام بها النظام الرسمي العربي، والتي تجلّت بقرار وزراء الخارجية العرب بعودة النظام السوري لشغل مقعد سوريا في جامعة الدول، فما الذي جرى حتى غيرّت دول عربية عديدة، موقفها من عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية، وماذا سيكسب النظام الرسمي العربي من عودة سوريا بوضعها الحالي، وهل مطلب عودة سوريا موحدة أرضاً وشعباً يكفي لإقناع السوريين والعرب أن النظام العربي حريص على سوريا، لا سيما أن إيران أيضاً تريدها موحدة أرضاً وشعباً، وروسيا وتركيا و..و..الخ، لكن كلّها تريدها موحدة تحت سيطرتها، والنظام الرسمي العربي يريد إخراج الميليشيات الأجنبية من سوريا، وإيران لا تمانع، فكل ميليشياتها ستغدو جزءاً من الجيش السوري، الذي سيقوده مستقبلا ًماهر الأسد، الحليف الأساسي لإيران.

بعبارة أخرى وبوضوح شديد، لا يُمكن للنظام السوري أن يقدم شيئاً استراتيجياً للنظام الرسمي العربي، ولا للشعب السوري، وكل ما يمكن أن يفعله، هو أن يقدم تنازلات في ملفات يسيطر عليها، ويتقن اللعب في تفاصيلها، ويمكن تلخيص هذه الملفات على النحو التالي:

  1. يستطيع النظام السوري أن يقتل السوريين، وأن يخضعهم، وأن يشردهم أو يسجنهم.
  2. يستطيع النظام السوري أن يؤجر، أو يهب أرض سورية لميليشيات وجيوش أجنبية.
  3. يستطيع النظام السوري أن يغرق المنطقة بالمخدرات.
  4. يستطيع أيضاً صناعة التنظيمات الإرهابية وتصديرها.
  5. يستطيع النظام أخيراً، أن يتنازل عن حق السوريين في أرضهم المحتلة، وأن يقايض السيادة السورية بمكاسب له ولعائلته.

ما سوف تضخّه الدول العربية من أموال في سوريا التي يحكمها بشار الأسد، بحجة استعادتها إلى الصف العربي، سيصب في النهاية في جيوب إيران وروسيا

في السباق العربي الإيراني التركي الروسي للفوز بسوريا، يجب الإقرار بأن العرب هم الأضعف، وأن ما سوف تضخّه الدول العربية من أموال في سوريا التي يحكمها بشار الأسد، بحجة استعادتها إلى الصف العربي، سيصب في النهاية في جيوب إيران وروسيا، ولن تكون إلا قوة لإيران في صراعها مع محيطها العربي.

أما ما يتشدّق به النظام الرسمي العربي، حول حرصهم على مصير السوريين، وقلقهم حول مستقبلهم، فهو ليس أكثر من كلام بلا أي معنى، فما من عاقل سيقتنع بأن من ارتكب كل المجازر بحق السوريين، سيكون معنياً بمصير المهجرين، أو بالكشف عن المفقودين والمغيبين، أما حقوق السوريين وفي مقدمتها حقهم في محاسبة من أجرم بهم، وحقهم في اختيار النظام الذي يريدون، والدولة التي يحلمون ..فهذا كلّه لا يهم أحداً، بدءاً من النظام الرسمي العربي، مروراً بالدول التي تنشر جنودها على الجغرافيا السورية، وانتهاءً بمن سيوقعون على كل هذه الصفقات من السوريين.