رئاسة تصريف الأعمال تشكل وزارة جديدة!!

2021.08.12 | 06:26 دمشق

photo_2021-08-10_15-13-08.jpg
+A
حجم الخط
-A

تماماً كما يفعل الرؤساء الحقيقيون، يصدر الرئيس السوري ما يشبه المراسيم والقرارات "الجمهورية"، ويشكل ما يشبه الوزارة، فيقيل ويغير ويعين ويختار ويصرف ويطرد ويحيل إلى التحقيق وإلى التقاعد.. أفعال يحاول بشار الأسد من خلالها أن يوهم نفسه وأن يقنعنا بجدية أنه رئيس وأنه صاحب قرار وراسم سياسات..

آخر تلك المراسيم كان إصدار المرسوم الذي حمل الرقم ٢٠٨ والقاضي بتشكيل وزارة جديدة، وذلك بعد نجاح الأسد بما سمي بالانتخابات الرئاسية، ليكمل بذلك لعبة القط والفأر الديمقراطية، وليحاول إيهامنا بأن ثمة دستور وقانون هما المرجع الذي يتصرف من خلاله الرئيس.

غطاء الوزارة

سواء كانت وزارة عرنوس أو أية وزارة أخرى، سواء غيّر الرئيس بعض الوزراء في التشكيلة الوزارية الجديدة، أم أبقى على التشكيلة القديمة كما كانت، سواء كان هناك وزراء ورئاسة وزراء أم لا، فإن ذلك كله لا جدوى منه ولا طائل من ورائه طالما أن الوزراء لا يقدمون ولا يؤخرون، وطالما أن وجودهم كعدمه، وطالما أن عنصراً صغيراً في المخابرات أو في القصر الجمهوري يستطيع أن يتحكم في قرار الوزير، بل يستطيع أن يتحكم في حياة الوزير ذاتها وفي مستقبله، يستطيع أن يعتقله في أية لحظة، وأن يهدد وجوده وأولاده، أن يجبره على الهرب أو على الانتحار، لا قرار للوزير، ذلك بديهي، ولكن يجب على الوزير ألا تكون لديه شخصية أيضاً، ألا يعترض على عنصر المخابرات إن أطاح الأخير بكل بروتوكولات الوزارة من أجل مصلحة له أو لمن يريد دعمه، فمهمة الوزارات في سوريا الأسد هي تعطيل عمل الناس، جني الضرائب والفواتير، سن قوانين تضر بالمصلحة العامة وتعرقل تطور القطاعات التي تشرف عليها.. فعلى سبيل المثال، أصبحت مهمة وزارة الكهرباء هي تنظيم التقنين، وتحديد ساعات القطع، وجباية الفواتير من المواطن، أما تأمين الكهرباء للمواطنين والذي هو الأساس في عمل هذه الوزارة، فهو بعيد كل البعد عن عمل الوزارة الفعلي.

إشارة تعجب

إنه لمن الغريب حقاً أن يتمسك النظام بوزارات فقدت مبرر استمرارها، خذ على سبيل المثال وزارة الخارجية، ما الذي تفعله هذه الوزارة وما المهمات التي يمكن أن توكل إليها وتسند إليها لكي تحتاج إلى ميزانية وموظفين ومخصصات ومسؤولين، في حين أن معظم العلاقات مع الخارج مقطوعة تماماً كما الكهرباء، أليس من الحكمة تأجيل هذه الوزارة أيضاً وتوفير مصاريفها وتكاليفها والاكتفاء بوفد ينظم العلاقة مع محور الممانعة، أي مع الدول الوحيدة التي يتعامل معها النظام السوري في الخارج حالياً وبالتالي فهو لا يحتاج إلى وزارة، بل إن الخارج كله بات له مقرات في سوريا ولم يعد ثمة احتياج للوزارة وموظفيها وإدارييها!!

خذ على السياق ذاته وزارة السياحة، هل من المعقول أن تستمر هذه الوزارة دون أن يكون لها أي مهمة تقوم بها في الوقت الراهن؟ ولماذا لا يؤجل النظام تشكيل هذه الوزارة على سبيل المثال إلى أن تعود السياحة؟ ما الذي تقوم به وزارة الأشغال ولا تزال إعادة الإعمار احتمالاً بعيداً.

ألا يمكن تأجيل تشكيل وزارة الكهرباء نفسها إلى ما بعد توفر الكهرباء مثلاً إذ تكفي لجنة لتسيير أمور قطع الكهرباء ويتم من خلال ذلك توفير كثير من المصاريف الزائدة؟؟

من هنا يتضح مدى الكذبة التي يكذبها المرسوم اللا تشريعي في حقيقته، أو اللا مرسوم إن توخينا الدقة، فمن هذا المشرع؟ ومن هو الراسم وماذا يرسم ولمن ولماذا؟

لقد أصبح مفهوم "الحكومة" بحد ذاته في سوريا مفهوماً كاريكاتورياً مضحكاً، فكل السوريين يعرفون جيداً أن المؤسسة الوحيدة التي تدير شؤون البلاد هي المؤسسة الأمنية، وهي لا تدير فعلياً سوى الشأن الأمني، ولكن هذا لا يتضمن أمن البلد أو أمن المواطن، بل فقط أمن الرئيس ومن حوله، أي أمن النظام وشخصياته الفاعلة فقط.

حكومة لتحمل الشتائم والاحتجاج

ربما كانت مهمة الحكومة الجديدة، -تماماً كما القديمة- هي أن تتلقى الشتائم عوضاً عن مستحقيها الحقيقيين، فعلى كل من يريد التمرد والاحتجاج أن يحتج على المدير، على الوزير، على الحكومة برمتها، على رئيس الحكومة، كل الأخطاء والتجاوزات والفشل تتحمله الحكومة، ومسموح بشتم الحكومة، رغم أن كل الأخطاء والإساءات والخراب والدمار الإداري والأخلاقي وغلاء الأسعار وانهيار العملة والتضخم، وحتى الفساد والسرقة والنهب، لا دخل للحكومة فيه، قد تشارك الحكومة أو أفراد منها في ذلك، قد ينهب المسؤول وينهب الوزير، ولكن هؤلاء لا يتجرؤون على النهب دون غطاء وحماية من المخابرات أو القصر الجمهوري أو من الرئيس شخصياً، فالسرقات الكبرى مخصصة لسيادته، والنهب والسلب كذلك، عمليات التهريب الكبرى، النفط، أو ما تبقى منه، الآثار، كل ذلك من مخصصات الرئيس وبعض حاشيته، أما الوزراء والمديرون وباقي المسؤولين الصغار فنصيبهم الفتات، الفتات الذي لم يعد الرئيس وحاشيته بحاجة له، الفضلات التي تبقى عالقة في صحون السادة.

إن كل ما يتعلق بالوزارة في ظل هذا النوع من الحكم المخابراتي ما هو إلاّ استنزاف لمقدرات الدولة إن كان لنا أن نتحدث عن دولة، إنه تبذير لا معنى له، كل مصاريف الوزير من راتبه الشهري إلى بنزين سيارته إلى فرش مكتبه استهلاك في استهلاك، وسرقة موصوفة تزيد من عذابات المواطنين وحرمانهم ومعاناتهم وفقرهم وأمراضهم، فيما يصر السيد الرئيس على استمرار تلك الوزارات ربما لسبب وحيد وهو ممارسته للسلطة، فلو قنن الرئيس العمل واكتفى بما يلزم، ستكون ممارسته للسلطة منقوصة.

كابوس التوريث

تماماً كما تسقط حكومة ما وتبقى لفترة من أجل تصريف الأعمال، سقط بشار الأسد منذ اللحظة التي رضي فيها بالعبث بالدستور لكي يصاغ على مقاسه، ومنذ عشر سنوات سقط مرة أخرى بحكم تحوله من فاسد وسارق للسلطة إلى قاتل، ولكن احتفظت به الدول المتدخلة في سوريا لكي يقوم بتصريف أعمالها إلى حين صدور مرسوم من تلك الدول بتغيير الرئيس.

غير أن العقبة الأولى والأهم التي تواجه الرئيس ومصداقيته وتنكد عليه فرحة نجاحه بالانتخابات، وفرحة إصدار المراسيم، هي الحقيقة الماكثة أمام الجميع وهي أن سوريا لا تزال جمهورية فيما طريقة الحكم الفعلية تنتمي إلى الحكم الملكي، ما يعني أن عار التوريث لا يزال يطارد بشار الأسد، وهذا العار لم يكن بفعل المؤامرة، وليس افتراء من أحد ولا ماكيتاً من الماكيتات التي صورتها قناة الجزيرة، كما أن فعل التوريث هذا ليس حالة تموت بالتقادم وليست قابلة للنسيان ولا يمكن تغطيتها بأي غربال.

ولهذا كله فإن حياة بشار الأسد كرئيس تشابه تماماً حياة حكومات تصريف الأعمال، فهو يعي جيداً أنه مستعمل من قبل القوى المتحكمة في القرار وأن استمراره مرهون بمصالح تلك القوى، ولهذا فإن عليه أن يكمل حياته في السلطة طاغية هنا وخاضعاً هناك، وأن يستمر في الكذب المكلف والذي يحرم الشعب حتى من قوت يومه، ولكن المهم بالنسبة للأسد هو أن يستمر كرئيس شكلي، على حساب مستقبل البلد، ومستقبل أرضه وشعبه.