icon
التغطية الحية

رؤساء أميركيون تحركوا بقوة في آخر أيامهم.. ماذا سيفعل ترامب؟

2020.11.21 | 04:20 دمشق

wright-trump.jpg
نيويوركر- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

على مدار السنوات الخمسين الماضية، تزاحم الرؤساء الأميركان على الساحة الدولية خلال الأسابيع الأخيرة من رئاستهم بغية إنقاذ ما خلفوه من إرث على الصعيد الداخلي. لكنهم أُصيبوا بالفشل، فكثيرون منهم تسببوا بخلق فوضى أو قاموا بعمل إضافي دون أن ينجزوه قبل مجيء خلفهم.

إذ خلال الأسابيع الأخيرة لولايته، سافر ريتشارد نيكسون إلى إسرائيل ومصر وسوريا والسعودية والأردن لإطلاق عملية سلام في الشرق الأوسط، ثم توجه إلى الاتحاد السوفييتي لخوض حوار حول ضبط السلاح، وكان الهدف من هاتين الرحلتين تحويل انتباه الناس عن فضيحة ووترغيت المدوية في الداخل. ولهذا لم يحقق أي تقدم واضطر للاستقالة بعد ذلك بفترة قصيرة. وخلال أسابيعه الأخيرة في السلطة، أرسل جيمي كارتر دبلوماسيين إلى الجزائر من أجل التفاوض على إطلاق سراح 52 أسيراً أميركياً في إيران. وفي ليلة باردة وماطرة، انتظرت عند مدرج مطار الجزائر حتى تصل طائرة الأسرى المحررين، إلا أن طهران رفضت السماح لهم بمغادرة الطائرة بعد دقائق من مغادرة كارتر للبيت الأبيض، فكانت تلك وصمة العار الأخيرة له.

وبعدما فشل في محاولة إعادة انتخابه، قام جورج بوش بنشر 28 ألف جندي في الصومال التي مزقها النزاع خلال أسابيعه الأخيرة في الحكم، وذلك ليقوم بما أمره الرب بالقيام به بعد قيام أمراء الحرب في تلك البلاد بمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى الملايين من ضحايا الجفاف والقحط. بيد أن هذه العملية المحدودة امتدت لأكثر من سنة بعد رحيل بوش عن السلطة، وأسفرت عن مصيبة: سقوط الصقر الأسود، التي قتل فيها 18 جندياً.

ومع نهاية مدة ولايته، أرسل بيل كلينتون وزيرة الخارجية مادلين أولبرايت إلى كوريا الشمالية للتباحث حول اتفاقية صاروخية، ثم استضاف قادة إسرائيليين وفلسطينيين في مؤتمر سلام وهو يعرج على ساق واحدة خلال أيامه الأخيرة في السلطة، فقد سعى هذا الرجل إلى رفد الإرث الذي سيخلفه بعدما وجهت إليه اتهامات بفضيحة جنسية. وهكذا سافرت برفقة أولبرايت إلى بيونغ يانغ وغطيت محادثات كامب ديفيد، ولم نحقق أي نجاح في كلتا الحالتين، كما أن أياً منهما لم يستر وصمة عار الاتهامات التي مني بها ذلك الرجل. وخلال أسابيعه الأخيرة، قام جورج دبليو بوش برحلة الوادع ليلقي النظرة الأخيرة على حربه في بغداد، حيث رماه عراقي بحذائه وهو يصرخ: "هذه قبلة الوداع يا كلب!" هذه من الأرامل والأيتام ومن قتلوا في العراق!" وبعد مرور عقد كامل على ذلك، ماتزال العراق تبحث عن الاستقرار.

إن كل تلك القضايا التي تتصل بالسياسة الخارجية بدءاً من إيران، فالعراق فالسلام في الشرق الأوسط، وصولاً إلى الترسانة النووية لروسيا وأمراء الحرب الصوماليين، بقيت نقاطاً تلمع في الأفق. أما دونالد ترامب الذي يتقلب مزاجه خلال أسابيعه الأخيرة بين التجهم والانتقام، فيبدو أنه يخطط لإنقاذ ما تلطخ من صورته وذلك عبر عرقلة وصول الرجل الذي هزمه إلى الرئاسة. إذ إن جو بايدن بالأساس كان على وشك أن يرث عالماً أصبح أخطر بكثير مما كان عليه قبل أربع سنوات، غير أن تصرفات ترمب الأخيرة على صعيد السياسة الخارجية تهدد بإبطاء وتعقيد بل حتى عرقلة جهود بايدن ومحاولاته الساعية لنشر الاستقرار في بلده وفي العالم قاطبة.

فمنذ خسارته في الانتخابات، بدا ترامب وكأنه أصبح يولي مسألة التفكير في العمليات العسكرية التي تجري خارج البلاد أهمية أكبر من أهمية تحقيق وعوده التي لم ينجزها على المستوى الداخلي أو فيما يتصل بالجائحة. إذ لم يكن هنالك أي شيء على برنامجه العام منذ 12 يوماً، وأصبح يبتعد عن الصحافة والإعلام على غير عادته، فقد أمضى أربعة أيام وهو يلعب الغولف، ولكن يقال إنه خصص وقتاً لمشاورة العسكريين في البنتاغون والمسؤولين الرفيعين فيه حول شن غارات عسكرية على إيران ووكلائها في العراق. ويمثل تركيزه على القوة المهلكة تحولاً غريباً كان متوقعاً من رئيس وعد بإنهاء التدخل الأميركي في الشرق الأوسط، إذ تعهد ترامب في شهر آب الماضي، خلال حملة لجمع التبرعات أنه: "إذا فزنا... فإننا سنعقد اتفاقاً مع إيران خلال أربعة أسابيع"، لكنه خسر، فبدأ إثر ذلك بالتفكير بعمل فتاك، بشكل سري وعلني.

وثمة أسباب مشروعة للقلق من سلوك إيران، وذلك لأن هيئة الرقابة النووية العالمية أي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أوردت خلال الأسبوع الماضي بأن لدى طهران ترسانة من اليورانيوم المخصب أكبر باثنتي عشرة مرة من الكمية التي سمحت بها الاتفاقية النووية التي أبرمتها إدارة أوباما في عام 2015 مع خمس قوى كبرى، إذ يعتبر اليورانيوم المخصب وقوداً للأسلحة النووية بالإضافة إلى الطاقة النووية المستخدمة للأغراض السلمية.

وترامب الذي يزعم أنه سيد من عقد الصفقات، خرج من تلك الاتفاقية التاريخية في عام 2018، في الوقت الذي التزمت بها الدول الأوروبية وكذلك روسيا والصين. وتحجج ترامب بأنه ضغط على إيران، وذلك من خلال عقوبات اقتصادية أشمل لم يسبق وأن فرضت على هذه الدولة، وذلك حتى ترضخ وتقبل باتفاقية أوسع وأفضل. لكنه لم يفعل كل ذلك بكل بساطة. فقد التزمت إيران بالاتفاق الأصلي هي أيضاً، ولم تتجاوز الحدود التي رسمها هذا الاتفاق لمدة تجاوزت السنة. ولكن عندما فرضت واشنطن المزيد من العقوبات؛ بدأت طهران بخرق بنود الاتفاق بشكل تدريجي. فقد حدثني خبراء بأن كل التحركات التي قامت بها إيران لا تشكل أي خطر أو تهديد مباشر، ولهذا يمكنها الرجوع عنها بسرعة. غير أن الوقت الذي تحتاجه هذه الجمهورية الإسلامية لبناء قنبلة نووية قد تقلص اليوم من أكثر من سنة، وذلك عندما غادر أوباما منصبه، إلى حوالي ثلاثة أشهر، وذلك خلال فترة ولاية ترامب. ما يعني أن إيران تفوقت بمناوراتها على ترامب. ولهذا لابد أن يكون الرئيس اليوم ساخطاً على إيران لأنها لم تأته زحفاً، وعلى بايدن لأنه تعهد بالعودة إلى الاتفاقية النووية الإيرانية حتى بعد تعديلها وإضافة بنود أخرى عليها.

ولهذا فإن الضربة العسكرية اليوم بوسعها أن تحبط مخططات بايدن وأن تفشلها. وذلك لأن المهمة العسكرية المحدودة يمكن أن تخرج عن السيطرة بسهولة وأن تتحول إلى نزاع متكامل الأركان سيكون له أصداء وتبعات في عموم الشرق الأوسط وجنوب آسيا وعلى اقتصاد العالم بأسره، وهذا ما حذره منه نائبه مع القادة العسكريين خلال الأسبوع المنصرم. إذ خلال مدة تجاوزت أربعين سنة، انتهجت كل من الولايات المتحدة (التي تمثل أقوى جيش في العالم) وإيران (التي يحتل جيشها المرتبة الرابعة عشرة بين ألمانيا وباكستان) استراتيجيات مختلفة تماماً. إذ هيمنت الأساليب غير التقليدية وغير المكلفة التي تبنتها إيران والتي تقوم على الاستعانة بالوكلاء والتفجيرات الانتحارية والطائرات المسيرة، والألغام التي يتم لصقها والصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، بالرغم من خلافاتها الكبيرة من القوى الأعتى منها. وهكذا تمكنت إيران ووكلاؤها من طرد الجنود الأميركان من لبنان في ثمانينيات القرن الماضي، كما أجبرت الجنود الإسرائيليين على الخروج من لبنان في عام 2000، وأسهمت في هزيمة فصائل الثوار في سوريا على مدار العقد الماضي. ولقد قتلت إيران ووكلاؤها المئات من الأميركيين في المنطقة، بالرغم من أن هاتين الدولتين لم تدخلا الحرب بعد، كما قتلوا أيضاً مئات الإسرائيليين، بالرغم من أن هاتين الدولتين لم تدخلا الحرب بعد أيضاً.

إلا أن هنالك إجماعا كبيرا في أوساط السياسة الخارجية الأميركية اليوم حول اعتبار أي تحرك عسكري ضد إيران بمثابة الخطأ التاريخي، إذ يرى الفريق المتقاعد دوغ لوت الذي خدم في مجلس الأمن القومي خلال فترة إدارة جورج دبليو بوش وأوباما بأن هذا: "عمل طائش وأهوج. إذ بمجرد أن تطلق الطلقة الأولى، عندها سيمتد الوقت المخصص لأي حملة عسكرية بدت لنا نظيفة ومقيدة ومحدودة في البداية". كما حذر لوت من أي هجوم موسع في أي مكان في العالم إلا في حال تعرض الولايات المتحدة لهجوم، حيث قال: "لا أعتقد أنه من الحكمة القيام بأي عمل أرعن قبل موعد تنصيب الرئيس الجديد، إذ يتعين على الرئيس الذي تحول إلى بطة عرجاء اليوم ألا يخاطر بالخوض في مناطق لا يمكن له أن يتوقع ما سيحدث فيها". فيما وصف رايان كروكر وهو السفير الأميركي السابق في كل من العراق، وسوريا، وأفغانستان، وباكستان، ولبنان، والكويت، فكرة قيام ترامب بهجوم عسكري خلال الشهرين الأخيرين المتبقيين له في السلطة بأنها: "شيء بين الجنون والإجرام، إذ من الصعب أن أجد كلمة تصف ذلك".

إلا أن الخطر يمكن في تحرق ترامب حتى يكون له القول الفصل بالنسبة لإيران، وكذلك بالنسبة لما سيخلفه على مستوى السياسة الخارجية. إذ ماتزال خيارات قيامه بعمل عسكري مطروحة على الطاولة حتى العشرين من شهر كانون الثاني المقبل، وكذلك الأمر بالنسبة للذرائع التي ستبرر قيامه بذلك. إذ صدرت تقارير في يوم الثلاثاء الماضي حول إصابة مبنى السفارة الأميركية في بغداد بعد استهدافها بثلاثة صواريخ أطلقتها ميليشيا تابعة لإيران. كما أبدت الإدارة الأميركية قلقها إزاء قيام إيران بعمل انتقامي في الثالث من كانون الثاني أو قبله أو بعده، أي مع حلول الذكرى السنوية الأولى لاغتيال الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني بغارة جوية أميركية، لأن ما يحدث حولنا لابد أن يصيبنا.

وخلال هذا الأسبوع، أعلنت إدارة ترامب بشكل مفاجئ عن سحب القوات الأميركية من حربين ساخنتين تدخلت فيهما أميركا، حيث تم سحب نصف عدد الجنود الموجودين في أفغانستان وكذلك تم سحب خمسمئة جندي من العراق. ومن المقرر أن يتم استكمال عمليات الانسحاب تلك بحلول 15 كانون الثاني، أي قبل خمسة أيام من رحيل ترامب عن البيت الأبيض. وقد قيل أن قرار الرئيس هذا أتى مخالفاً لنصيحة كبار القادة العسكريين، ولنصيحة مارك إسبير الذي كان حينها وزيراً للدفاع لدى ترامب. إذ بعد مرور ستة أيام على الانتخابات، تم فصل إسبير، كما ذكر الرئيس بالحرف على تويتر، ويعود أحد أسباب ذلك إلى المذكرة السرية التي كتبها في تشرين الثاني بالنيابة عن تسلسل القيادة، وحذر من خلالها بأن الظروف ليست مواتية للانسحاب من أفغانستان، إذ أتى توقيت ترامب في مكان وسط بين اللحظة الحرجة والمريعة. ولطالما عبر المسؤولون الأميركيون عن رغبتهم بإنهاء الحروب التي لا تعرف نهاية، والتي قتل فيها أكثر من 220 جنديا أميركيا، وأصيب أكثر من 20000 بجروح، وكلفت حوالي ترليون دولار. ( أما التكلفة المادية والبشرية في تلك الدولة فقد تأرجحت كثيراً بالمقارنة بما تكبده الأميركان، إذ يعتقد بأن 50000 أفغاني لقوا حتفهم منذ عام 2001، وغالبيتهم قضوا بسبب هجمات شنتها طالبان).

غير أن كروكر يرى بأنه بعد مرور تسعة عشر عاما في أفغانستان، قررت الولايات المتحدة الانسحاب قبل اختتام المحادثات بين الحكومة الأفغانية المحاصرة وطالبان، أي أن الانسحاب في هذا العام سيزيد من جرأة طالبان بعدما أحرز هجومها الأخير الذي اشتمل على آلاف الهجمات التي شنت في مناطق مختلفة من أفغانستان تقدماً هائلاً على الأرض. وهنا يقوم كروكر الذي ساعد على إعادة فتح السفارة الأميركية في كابول بعد طرد طالبان، بتقريع إدارة ترامب وذلك بالقول: "من الواضح أن هذه الإدارة تسعى للخروج. فعلى المستوى السياسي، لا يمكن للأثر الذي تركناه هنا أن يكون أقوى مما هو عليه، إلا أن ما يقلقني هو الأضرار الجانبية، إذ ماذا عنها؟ إذن إذا كنت امرأة في أفغانستان فهذا من حسن حظك". غير أن هذا الرجل الذي صار يلقب بقيصر الحرب خلال إدارة جورج دبليو بوش عبر عن موقف أكثر تفاؤلاً وذلك حين قال: "لقد قمنا بعمليات مكافحة إرهاب في الفلبين والصومال والساحل واليمن وسوريا، بعدد جنود يقل عن 2500".

هذا ولقد تعرضت عمليات سحب الجنود التي أمر بها ترامب إلى انتقادات واسعة من قبل بعض الحلفاء الموالين له في الحزب الجمهوري، فقد حذر زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل من عواقب سحب الجنود الأميركان قبل الأوان من أفغانستان، ورأى أن ذلك: "سيكون على الأرجح أسوأ من قرار الرئيس أوباما بالانسحاب من العراق عام 2011، والذي دفع لظهور تنظيم الدولة ولجولة جديدة من الإرهاب على مستوى العالم"، وقارن ذلك بالانسحاب الأميركي من فيتنام. فيما عبر ماك ثورنبيري من تكساس وهو أحد أرفع أعضاء الحزب الجمهوري في لجنة الخدمات المسلحة التابعة لمجلس النواب، عن موقف أصلب وأشد قسوة في انتقاداته. وذلك لأن الضغوطات العسكرية التي قامت بها الولايات المتحدة وقوات حلف شمال الأطلسي أجبرت طالبان على المضي لطاولة المفاوضات، ويعلق على ذلك بالقول: "لقد وافق كثيرون على أن عمليات خفض تعداد الجند ستتم بناء على شروط معينة، أي بمعنى أنهم سيقدمون ونحن سنقدم، لذلك لست أرى أي شرط يبرر خفض عدد الجنود الموجودين في أفغانستان".

أما الديمقراطيون فقد اتهموا ترامب بمحاولة تدمير سياسة بايدن الخارجية، إذ يرى ديك دوربين من إلنوي الذي يعتبر سوط الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، بأن ترامب انتابته نوبة سياسة بعد خسارته في الانتخابات، ولهذا: "يتعين على أحد أفراد أسرته أو أصدقائه المقربين أن يجلس معه ويقول له: كف عن هذا" وذلك في لقاء له في محطة سي إن إن. أما آدم شيف من كاليفورنيا ورئيس لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس النواب فقد رأى بأن الرئيس كان "يحاول على الأرجح أن يحاصر" بايدن في أفغانستان والعراق "بقرارات لا يمكن تنفيذها بشكل كامل". ما يعني أن بايدن لابد أن يعاني على المستوى السياسي في حال أحس بالحاجة لإعادة نشر الجنود في أفغانستان بعدما قلص ترامب عدد الأميركيين هناك من 4500 إلى 2500.

إلا أن خطة ترامب التي تقضي بسحب خمسمئة جندي أميركي من العراق، مع ترك 2500 منهم لم تثر كثيرا من الجدل، بالرغم من أن تنظيم الدولة مايزال لديه عدد كبير من المقاتلين الذين يقدر عددهم بعشرة آلاف مقاتل يقومون بتنفيذ تفجيرات واغتيالات بشكل دوري، وحول ذلك يعلق بريت بروين وهو مدير سابق في البيت الأبيض مختص بشؤون التدخل في العالم، وقد أصبح اليوم رئيس غرفة الأوضاع العالمية، فيقول: "إننا لم نخرج من منطقة الخطر بوجود تنظيم الدولة في العراق أو بوجود طالبان في أفغانسان أو أي مجموعة متطرفة مقبلة في المنطقة".

غير أن التقويم الشخصي لترامب هو من دفع لظهور هذه القرارات الاستراتيجية التاريخية بالإضافة إلى الانطباع السائد بين الحلفاء والخصوم بأن مستقبل الالتزامات الأميركية يمكن أن يحدد أيضاً عبر السياسة الأميركية وليس فقط بموجب الوقائع العسكرية القائمة في مناطق الحروب. ولهذا انتشرت إشاعات في واشنطن حول الانسحاب العسكري لأميركا من مناطق أخرى مثل ألمانيا وكوريا الجنوبية والصومال وذلك قبل أن يترك ترامب منصبه.

إن أنفاس ترامب الأخيرة مثيرة للاستغراب، فهو يود أن يترك منصبه مخلفاً إرثاً دبلوماسياً لا قرار له. فإلى جانب الاتفاقية النووية الجديدة مع إيران، كان هذا الرجل يقامر على اتفاقية نووية أخرى مع كوريا الشمالية. وعقب ثلاث قمم حميمية والعديد من رسائل الحب التي تبادلها مع كيم يونغ أون، أصبحت الترسانة النووية التي يملكها رئيس كوريا الشمالية أكبر بكثير مما كانت عليه عندما تسلم ترامب السلطة. ففي شهر تشرين الأول الماضي، كشف كيم عن أحد صواريخه البالستية التي تعتبر الأكبر على مستوى العالم، إذ بالأصل لدى كوريا الشمالية صواريخ بوسعها أن تصيب أهدافاً في الولايات المتحدة، والآن زادت من كل ذلك، ولهذا يصف بروين الأيام الأخيرة لترامب بالمكيافيلية، وذلك لأن الرئيس برأيه يحاول أن يدعم ما سيخلفه من إرث استعداداً لجولة جدية في عام 2024، مع تهيئة الظروف لبايدن حتى يفشل، ويعلق على ذلك بالقول: "لا بد أنه يقول: كيف لي أن أهيئ الظروف لتصبح مليئة بالتحديات أمام بايدن وهاريس بحيث يمكنني أن أشير إلى كل ذلك فيما بعد وأقول: ما كل هذه الفوضى التي خلفتماها؟!" إلا أن المأساة تكمن في أن مستقبل أميركا أصبح في خطر وليس مستقبل ترامب، وهنا يضيف بروين بالقول: "إنه لأمر يثير الرعب والدهشة عندما تفكر كيف استطاع رئيس أميركي أن يستغل الأمن القومي بهذه الطريقة القاسية لتحقيق مكاسب شخصية وسياسية".

المصدر: نيويوركر