دير الزور.. ضحية الإرهاب المتلون

2018.11.18 | 18:23 دمشق

+A
حجم الخط
-A

بعيداً عن اللجنة الدستورية، ومناوشات الراية الجديدة شمال البلاد، وفي صورة أشد ألماً وتنكيلاً لما يجري في مخيم الركبان المحاذي للحدود مع الأردن، فإن ما يجري في دير الزور- عاصمة سوريا الشرقية، لا يمكن تصنيفه إلا في خانة الإبادة الجماعية للمدنيين لأطراف الصراع المحليين والدوليين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، إذ يموت الأبرياء على شكل جماعات وأفراد، ليكون الناجي الوحيد من المحرقة، هو النفط الذي لأجله تباد البشرية وتنتهك المواثيق الدولية وأدنى الحقوق الإنسانية، ألا وهو حق الحياة.

الحرب المستمرة شرقي سوريا منذ شهرين، بقيادة واشنطن، وحليفها الكردي المحلي ضد تنظيم الدولة، خلفت بين جولاتها مئات الضحايا المدنيين، بينهم أكثر من 65 طفلا، وعشرات السيدات ومئات الرجال والشيوخ، ممن لا ناقة لهم ولا جمل في حرب الاقتصاد التي تدور بين الأطراف آنفة الذكر، ممن يريدون الظفر بآبار النفط، بغض النظر عن الخسائر البشرية التي يبدو بأن المقاتلات الحربية والمدافع العمياء وأفخاخ الألغام لا تحظى من جانبهم بأي اهتمام، في حين لا يسمع للأمم المتحدة ومجلس الأمن أي حسيس تجاه المجازر الجماعية، أما بقية الجهات السورية المنخرطة في الصراع، فهي تتقمص شخصية غير المهتم، والعاجز عن إحداث معجزة.

كانوا يحاولون الهرب بعائلاتهم من غارات التحالف الدولي، ومدفعية الوحدات الكردية والجيوش الداعمة

ما إن تتخطى قدماك نهر الفرات حتى يمكنك رؤية عشرات الجثث من المدنيين، ممن كانوا يحاولون الهرب بعائلاتهم من غارات التحالف الدولي، ومدفعية الوحدات الكردية والجيوش الداعمة، حتى وصف أحد الناجين في وقت سابق، تلك المنطقة بأنها مقبرة جماعية، ولكن لا قبور فيها، وما قد ترمقه عيناك، تشيب من أهواله الرؤوس، بشر متفسخون وأعضاء بشرية منحلة، بعضهم مات بالفوسفور، وآخرون قطعت أجسادهم وتناثرت، ورائحة الموت تملؤ الأجواء، والإبادة الجماعية امتدت لمساحات أكبر تخضع لسيطرة التنظيم.

من يتم قتلهم من أبناء دير الزور والنازحون إليها، بدماء باردة، لم يكونوا نواة "الخلافة" في تنظيم الدولة، وليسوا عائلات إرهابية تستحق عمليات القتل الجماعي التي تعرضوا لها، أما قاتلوهم، فهم طرفان داخلان على مدنهم وقراهم، إذ إن تنظيم "الدولة" تحصن في بلداتهم طمعاً بالذهب الأسود الذي يعده أحد أهم الأركان الأساسية لتحصيل الأموال للمحافظة على الوجود، بغض النظر عمن يقتل ويباد من المدنيين، وهو لا يسمح لهم بالعبور خارج أسوار مناطقه، أما التحالف الدولي، فهو يمارس سياسة الإبادة الجماعية طمعاً منه بانتزاع ذلك الذهب من تنظيم، واستبدال التنظيم الأسود بالتنظيم الأصفر إن صح التعبير! 

الميليشيا الصفراء، التي يعومها الغرب على أنها حمامة سلام لشرق سوريا، تساهم بشكل مباشر وفعلي بكل ما أوتيت من قوة بعمليات القتل العمد للمدنيين، ولو كانت قوات – سورية – ديمقراطية – كما تدعي لجمدت حربها، وأغلقت فوهات مدافعها، حتى يتم التوصل لأي صيغة مع تنظيم الدولة لإخراج المدنيين من مناطق المواجهات إلى مناطق آمنة لا تتبع لأي طرف من الجهات المتصارعة على النفط، وهذا بكل تأكيد ليس بالحدث المعجزة، فمن أجرى وما يزال الصفقات مع تنظيم الدولة لإطلاق سراح عناصره أو جنود التحالف المساند له، بمقدوره فعل ذلك، ولكن لو أراد! فما الفائدة بأن تنهي عما تسميه "إرهاب" وتحاربه، وتفعل في ذات الزمن والمكان إرهاباً مضاعفاً وبصور أبشع!

ولا يبدو بأن الإرهاب الذي اجتمع ضد أهلنا في دير الزور سينتهي قبل أن تنتهي فصول الحرب العمياء المستمرة على وضعها الراهن، وأن عداد ضحايا الأطماع المحلية والمشاريع العابرة للحدود سيتصاعد رويداً وريدا، مقابل تحقيق الاحتلالات الاقتصادية لثروات سوريا المفيدة.

دمروا كل شيء من حجر وبشر، لكنهم لم يدمروا حقل نفط واحد!

إذا ما قارنا بين التحالف الدولي لما يسمى بـ"مكافحة الإرهاب"، وبين الادعاء الروسي لمحاربة الفكرة ذاتها، نجد أنهم وتنظيم الدولة يجتمعون على قاسم مشترك أكبر (هدف)، وهو أن القذائف والصواريخ يسمح لها بإصابة أي هدف بشري أو بنيوي، ما عدا حقول النفط، وفي ذلك أمثلة لا تعد ولا تحصى من وسط سوريا بما فيها من بادية غنية بالنفط والغاز، وحتى شرق البلاد، فقد دمروا كل شيء من حجر وبشر، لكنهم لم يدمروا حقل نفط واحد!، وهنا جوهر القتل والصراع فيما بينهم، وأن الذهب الأسود أغلى من الدماء الحمراء مهما كان حجم الإبادة فيها.

لا يمكن الاعتماد على هذه الجهات الدولية التي لم تتوانَ في سفك دماء السوريين بشتى الأدوات العسكرية، بإيجاد أي حل سياسي عادل في سوريا، وهي أقحمت نفسها في المشهد العام لتحقيق مآربها الخاصة البعيدة كل البعد عن المواقف السياسية التي تبديها، حتى أصبحت بصواريخها وطائراتها طرفاً مباشراً في الحرب، وما تفرضها من مراحل متضاربة ناتج عن منطق القوة لا العقلانية، ولعل هذه الأسباب جعلتهم يستسيغون قتل المدنيين دون أن ترتجف لهم عين، وجل أهدافهم ابتلاع سوريا المفيدة ودفن الأحياء تحت ركام المنازل.

وما يقع على عاتقنا نحن كسوريين ضعفاء أمام الذئاب الدولية والمحلية التي تنهش أجساد أهلنا في دير الزور على وجه التحديد، هو الحراك السلمي والإعلامي المكثف على كافة المساحات لتحقيق رأي عام يوقف تلك الحرب المسعورة، حتى إخراج المدنيين من مناطق النزاع نحو مناطق آمنة على أقل تقدير، وهذا أضعف الإيمان.