icon
التغطية الحية

دول أوروبية هامشية تدرس إعادة علاقاتها مع النظام السوري

2021.07.12 | 15:58 دمشق

السفارة الصربية
السفارة الصربية في دمشق (إنترنت)
فاينانشال تايمز_ترجمة وتحرير: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

بعد مرور أسابيع فقط على إعادة انتخاب بشار الأسد رئيساً لسوريا عبر عملية تصويت اعتبرها الجميع هزلية؛ أخذت دول أوروبية صغيرة وهامشية تعيد الدفء لعلاقاتها مع النظام ببطء، حيث افتتحت قبرص سفارة جديدة لها في دمشق، في حين أعربت صربيا عن رغبتها بإرسال سفيرها إلى هناك بعد انقطاع في البعثات الدبلوماسية الصربية دام عشر سنوات طيلة مدة الحرب في سوريا.

بيد أن هذه التحركات تمثل خطوات بسيطة لا نقاط تحول، كما أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها أكبر قوتين (فرنسا وألمانيا)، من غير المحتمل أن تلحق بهاتين الدولتين خلال فترة قصيرة. إلا أن هذه التحركات، على الرغم من التردد الذي يعتريها، توضح بكل جلاء ذلك التحدي الذي ينتظر الاتحاد الأوروبي إزاء هذا الموضوع مع عودة الأمور في سوريا لطبيعتها بمرور الوقت.

لكن هذه التحركات التي قامت بها تلك الدولتان الهامشيتان "تضعف موقف الاتحاد الأوروبي، والنظام يعرف تماماً كيف يتلاعب بذلك"، هذا ما ذكرته السيدة لور فوشيه وهي من كبار المحللين السياسيين لدى مجموعة الأزمة كونها تركز على أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

إذ بعدما لقي أكثر من 500 ألف شخص مصرعهم في النزاع الذي امتد لعشر سنوات تقريباً، والذي استخدم فيه الأسد أسلحة كيماوية وبراميل متفجرة لإرهاب السكان وترويعهم، فإن سياسة الاتحاد الأوروبي تقوم على منع السفراء من تقديم أوراق اعتمادهم للنظام السوري، المتهم بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان وجرائم حرب أيضاً.

ولكن مع سيطرة الأسد على 70% من أراضي بلاده التي طحنتها الحرب، أعربت دول أوروبية صغيرة عن رغبتها بفتح خطوط وقنوات مباشرة مع دمشق، لأسباب براغماتية غالباً. ولهذا أرسلت أثينا قائماً جديداً بالأعمال إلى دمشق خلال العام المنصرم، وحول ذلك يقول نيكولاوس بروتونوتاريوس: إن "اليونان مهتمة بالوجود في دولة تؤثر التطورات فيها على مصالحنا الوطنية مثل أزمة الهجرة".

إذ بوجود حوالي 3.6 مليون لاجئ سوري في تركيا، لا عجب أن تعرب اليونان عن رغبتها "بالمساعدة... في إعادة بناء سوريا، حتى يتسنى للسوريين الموجودين في اليونان وفي تركيا العودة إلى بلادهم في مرحلة من المراحل" وذلك بحسب تصريحات لدبلوماسي يوناني. ثم إن أثينا ليست وحدها من يرغب بذلك، إذ تبعتها الدنمارك التي ارتأت خلال شهر نيسان الفائت بأن دمشق وما حولها أصبحت منطقة آمنة بوسع اللاجئين العودة إليها.

كذلك حاولت روسيا التي تدعم الأسد إقناع الدول بأن سوريا أصبحت آمنة، ولكن في الوقت الذي أخذ فيه القتال على الجبهات يبرد، يتجدد النزاع في شمال غربي سوريا الذي يسيطر عليه فصيل كان يتبع لتنظيم القاعدة في السابق، وهؤلاء الجهاديون الذين ينضوي أوروبيون بين صفوفهم، يمثلون سبباً آخر يدفع بعض الدول والأطراف للعودة للتعامل مع النظام. إذ عبرت جهات استخباراتية أجنبية عن اهتمامها "بمعلومات لدى أفرع الاستخبارات السورية حول مئات الإرهابيين أو المشتبه بانتمائهم للإرهابيين" كما ورد في إحاطة أمنية داخلية للأمم المتحدة خلال العام الماضي.  

فيما تتبع بعض الدول العربية منطق الذوبان، وعلى رأسها البحرين والإمارات اللتان أعادتا فتح سفارتيهما في عام 2018، على أمل التصدي لنفوذ إيران التي تحالفت مع الأسد عسكرياً، إلى جانب الوقوف في وجه عدوتهما تركيا، التي تسيطر على جزء من الشمال السوري. إلا أن عودة سوريا لشغل مقعدها في الجامعة العربية ما تزال محل ممانعة ورفض بسبب رفض النظام للانخراط في عملية سياسية والتوصل إلى نتائج مجدية بموجبها.

ومع عدم التوصل لأي تسوية سياسية، يبقى الاتحاد الأوروبي - الذي دفع مليارات اليوروهات على شكل مساعدات - ضد فكرة مساعدة نظام منبوذ ودفع فاتورة إعادة الإعمار الباهظة التي تصل قيمتها لمليارات الدولارات.

وحول ذلك يعلق كرم الشعار - محلل سياسي وخبير اقتصادي سوري - بالقول: "ما يهم ألمانيا وفرنسا بشكل أكبر هو التوصل لتسوية للنزاع على المدى البعيد.. إذ مع عدم التوصل لتسوية سياسية، تعتبر هاتان الدولتان الأمور قد وصلت إلى مرحلة الإخفاق".

فقد تقلصت طموحات عملية السلام التي تترأسها الأمم المتحدة والتي كانت تسعى لجمع النظام والمعارضة ودفعهما لصياغة دستور جديد للبلاد، إلا أنها لم يتسن لها بعد أن تفتخر بما حققته من نتائج.

ولهذه الأسباب جميعها، يرى دبلوماسي أوروبي بأن التحركات للعودة للتعامل مع النظام تمثل "إحدى الآليات على هامش سياستنا تجاه سوريا، كما أن الدول الأعضاء التي تشترك بحدود مع سوريا والتي يقلقها أمر الوجود التركي هناك هي من يسعى أكثر من غيرها لفتح قنوات مباشرة مع النظام في دمشق".

غير أن تذمر هذه الدول الهامشية ينذر بانقسامات قادمة، إذ بالرغم من اعتراض الاتحاد الأوروبي على تمويل إعادة الإعمار، تقوم دول كثيرة بتمويل مشاريع تصنف ضمن عملية إعادة الإعمار، مثل عملية إعادة تأهيل المدارس.

وحول ذلك تخبرنا السيدة فوشيه فتقول: "يمكن أن يستمر الموقف السياسي للاتحاد الأوروبي لفترة طويلة، بيد أن القضية هنا تدور حول ما يجري على أرض الواقع، إذ ثمة فجوة بين الموقف السياسي للاتحاد الأوروبي وما يجري على الأرض بخصوص المساعدات".

إذ في النهاية، يرى بعض الدبلوماسيين من الدول الأوروبية الواقعة جنوب هذه القارة بأن نظراءهم القادمين من الدول الواقعة في شمالها لا يستوعبون سبب رغبتهم بإقامة علاقات جيدة مع جارتهم المطلة على البحر المتوسط: سوريا، إذ يقول أحد الدبلوماسيين من الاتحاد الأوروبي: "إن ذلك يتصل بالعودة للتعامل مع النظام وليس دعمه".
 

المصدر: فاينانشال تايمز