دولٌ ملقحة وأخرى تنتظر رحمة الآخرين..

2021.01.21 | 00:12 دمشق

2021-01-20t145006z_1996876279_rc2qbl9evwiy_rtrmadp_3_health-coronavirus-czech.jpg
+A
حجم الخط
-A

على شاشة قناة BFMTV الفرنسية، كلما ظهر في هذه الأيام، أحد ممثلي حزب الجبهة الوطنية اليميني، يعرف جمهور المشاهدين، أن الحديث سوف يتجاوز المشكلات اليومية الراهنة، التي فرضها انتشار فيروس كورونا، لينقل هذا الضيف الجميع إلى حدود الدولة الفرنسية مع جاراتها. حيث سيؤشر للبوابات المفتوحة، وليقول: يجب على فرنسا أن تغلق الحدود، كي تنتهي المشكلة!

طبعاً وكما هو معلوم، فإن تكرار الحديث عن الحدود المفتوحة، لا يجعلها بذاتها، المدخل والمخرج للأزمة الراهنة، بل إنها وبفضل الألعاب الكلامية، المترافقة مع حرص زائف على مصالح المواطنين، ستتحول إلى كناية عن اعتقاد اليمينيين بأن الوحدة الأوروبية ومن خلفها فضاء (الشنغن)، هما المشكلة!

وبناء على هذا السياق الذي يتكرر ملحاً في كل الدول الأوروبية، ونجح سابقاً في أن يفرط عقد العلاقة بين الأوروبيين والبريطانيين، سوف يلاحظ المتابعون أن أخلاق التضامن، التي بنيت عليها فكرة السوق الأوروبي المشتركة، تواجه عدواً، يبدو لطيفاً لجهة مظهره الخارجي، ولكنه سوف يتحول إلى مقاتلٍ شرسٍ يمكن أن يفتك حتى بأصحابه، هو الانحياز الوطني، والذي عبر عنه في غير مكان بالقول: "أنا أولا"!

وفي مجال الصراع بين المبدأين المتباينين، ستمر خلال الفترة القادمة، أسئلة تتعلق بعدالة توزيع الأوروبيين للأعباء فيما بينهم، وهل تم العمل من أجل حصول جميع أعضاء الفضاء المشترك على ما يحتاجونه من اللقاحات؟

فإذا كان هناك افتراض قائم بأن إغلاق الحدود الراهن، أو التضييق على التنقل، هو حالة مؤقتة سيتم التراجع عنها، بعد انتهاء خطر الوباء، وأن هذا يرتبط بحصول الجميع على اللقاحات، فإن حصول الثغرة في إحدى هذه البلدان، سيؤدي إلى بقاء الخطر ماثلاً.

لقد ظهر المتحور الأول لكورونا في بريطانيا، فتم إغلاق الحدود معها (منع الطيران والإبحار) ورغم هذا تسرب الشكل الجديد للفيروس إلى أوروبا، وصار أمراً واقعاً!

إذن، ما جدوى الإغلاق؟

وهل يكفي كإجراء للحصول على السلامة والأمان؟

الأمر ذاته يحصل بين الأوروبيين وبين كل دول العالم التي توقف التنقل بينها! ما يدفع بأسئلة أكثر جذرية إلى الواجهة؛ هل تقف الإجراءات الاحترازية بين عالمين، أحدهما فقير وضعيف، وبين آخر غني وقوي، في وجه تسلل الأوبئة والأمراض بينهما؟

تصريحان، قاربا جانباً من الموضوع، يخصان حصول دول العالم على اللقاحات الخاصة بفيروس كوفيد 19 (كورونا) برزا على سطح أخبار الجائحة العالمية، بالتوازي مع انخفاض الضجيج الخاص بالأنواع المتحورة عنه والتي ارتعد الجميع بسببها، فقد أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن أسفه لـ "فشل التضامن" في مجال التطعيم باللقاحات ضد كوفيد-19 حول العالم. فاللقاحات وبحسب بيانه "تصل إلى الدول عالية الدخل بسرعة، في حين أن أفقر دول العالم لا تملك أيا منها"!

هنا ورغم وجوه الحق المبثوثة في كلامه، سنكتشف أن المسؤول الدولي الأبرز، احتاج إلى قرابة عشرة شهور ليعرف الوجه الحقيقي للسياسات الوطنية للدول الغنية، وهي تتنافس على احتكار أكبر كمية من اللقاحات، التي تنتجها الشركات المختصة!

فقد سبق لغوتيريش في الأول من نيسان الماضي أن دعا دول العالم إلى تحقيق التضامن فيما بينها، من أجل مكافحة الفيروس، حيث أشار إلى حاجة العالم إلى "استجابة أقوى وأكثر فعالية" وهذه المسألة "لا يمكن أن تتحقق إلا إذا تضامنا جميعا ونسينا الألاعيب السياسية ووعينا أن البشرية بأسرها على المحك".

وللمفارقة فإن ذلك التصريح واكبه تنافس شديد بين الدول القوية على شراء الكمامات والمعدات الطبية، وصل إلى درجة قيامها بعمليات قرصنة ولصوصية، تداولت قصصها وسائل الإعلام، وسط ذهول دول العالم الفقيرة مما يجري!

ولعل الصدمة الراهنة، تأتي فعلياً من أن رسائل الأحداث التي تجري على أرض الواقع، ودلالاتها، لا تصل للأمين العام بسرعة، فقد رأى في وقتٍ لاحق "أن الشعبوية والقومية قد مُنيتا بالفشل وزادتا الوضع سوءاً"، لكننا على العكس مما يقول، نشهد فعلياً انتصارهما على كل القيم المثالية، التي تتضمنها شرائع ومواثيق الأمم المتحدة!

وأيضاً، وبعد شهور من بداية التداول الدولي في مسألة اللقاحات يأتي تصريحه قبل يومين، ليوضح كيف تتحول مواقف المؤسسة الدولية وعبر ممثليها إلى مجرد تبرئة للذمة، بينما يفترض بها سياق الانهيار العام في العلاقات الدولية، أن تقوم بدور يتجاوز مجرد الحضور، إلى مرحلة الشاهد، الذي يوثق الجريمة التي ترتكب بحق البلدان الفقيرة، عندما تذهب شعوبها دائماً ضحية أولويات الدول القوية، بعد أن ابتليت بحكام عتاة، ومؤسسات دولية تفضل دور الحياد في الأزمات؛ أي في الأوقات التي يمكن للمحايد أن يصبح وبسبب حياديته شريكاً في الجريمة!

رئيس منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس لم يتأخر عن زميله، لا بل إنه فاقه جرأة، فقد أعلن الحقيقة دون مواربة: " العالم على شفا فشل أخلاقي كارثي، وسوف يتم دفع ثمن هذا الفشل من خلال الأرواح وسبل كسب العيش في أفقر دول العالم"!

الإثيوبي غيبريسوس الذي خاض مع الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب سجالات قاسية عبر الإعلام، انتهت إلى تحوله إلى عدو، وانسحاب الولايات المتحدة من المنظمة، فضح خلفيات عملية التلقيح حول العالم حين أشار إلى " إعطاء أكثر من 39 مليون جرعة من اللقاح في 49 دولة على الأقل من الدول مرتفعة الدخل، و25 جرعة فقط في إحدى الدول ذات الدخل المنخفض – ليس 25 مليون جرعة ولا 25 ألف جرعة، بل 25 فقط"!

كثيرون من حولنا يظنون أن ثمة ارتباك غير مسبوق في عمل إدارات الدول المتقدمة تجاه تداعيات كارثة الوباء، يفتح المجال لهجوم الجميع عليها، بدءاً بالمنظمات اليسارية الفوضوية، وانتهاءً باليمين المتطرف، لكن أحداً لم يفكر بأن سوء التدبير هذا، ليس سوى الجزء الظاهر من جبل جليد قوامه صراع أقطاب المصالح، فيما بينهم من جهة، وبينهم وآخرين حول العالم، يريدون مقاسمتهم الأرباح، وعدم دفع الأثمان محلياً! أليس هذا بعض من جدول أعمال رأسماليي الكوارث؟!