دولة حزب الله: ذعر أقلوي وتحويل الجيش اللبناني إلى حشد شعبي

2019.07.04 | 21:02 دمشق

+A
حجم الخط
-A

لقد ولى زمن الميليشيات والمناطق المغلقة. أدلى محمود قماطي وزير الدولة لشؤون مجلس النواب المنتمي إلى صفوف حزب الله بهذا التصريح تعليقا على حادثة قبر شمون، وما جرى فيها من إطلاق نار على موكب وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب من قبل مناصري الحزب التقدمي الاشتراكي، أودى بحياة اثنين من مرافقيه، خلال جولة وزير الخارجية جبران باسيل في المنطقة.

يعلن قماطي بوضوح تام إن حزب الله لم يعد مكتفيا بالمشاركة في الدولة والتغلغل فيها، بل يعمل على مصادرة تامة لها والنطق باسمها، والنظر إلى كل سلوك يخرج عن ما يؤسس له بوصفه سلوكا ميليشويا.

ما جرى في حادثة قبر شمون اتخذ طابع الخروج عن الانضباط، حيث نجح حزب الله ومن معه في تصوير وليد جنبلاط ومحازبيه بوصفهم ميليشيات. اتخذ هيئة الدولة والمرجعية العليا الناظمة لشؤون الشرعيات من ناحية، وأطلق في الوقت نفسه عبر الوزير جبران باسيل، مسالك استنفاذ السياسة، دعما لمؤتمر تأسيسي جديد، تقوم معالمه على وضع الجيش اللبناني في مواجهة الدروز والسنة، إضافة إلى فتح عمليات تنكيل واسعة باللاجئين السوريين.

معالم هذا السياق تتضح شيئا فشيئا فما تلى هذه الحادثة من مداهمات مهينة لبيوت الناس في مناطق درزية عديدة، دفعت بقيادات الحزب التقدمي الاشتراكي إلى الاحتجاج والرفض، يعيد التذكير بالسلوكيات التي أسس لها حزب الله لتعامل الجيش مع السنة ومع السوريين في لبنان.

أشارت معلومات أمنية باتت موضوعة في التداول إلى أن الوزير باسيل كان قد تلقى تحذيرات أمنية قبل زيارته

لا يمكن النظر إلى هذا الإصرار على إنجاز زيارات ملغومة في توقيت حرج إلا بأنه ينطوي تحت سقف مشروع يعمل حزب الله على تكريسه

الأخيرة إلى المناطق الدرزية، ولكنه لم يستجب لها بل أصر على تنفيذ زيارته، معززا بقوى كبيرة من الجيش ما أنتج مشهد مواجهة بقيت منضبطة بين القوة الكبيرة التي رافقته وبين المحتجين الدروز، وهو حاليا يستعد لتكرار المشهد نفسه في زيارته إلى طرابلس التي لم تلغ حتى هذه اللحظة على الرغم من كل المحاذير الأمنية العالية.

لا يمكن النظر إلى هذا الإصرار على إنجاز زيارات ملغومة في توقيت حرج إلا بأنه ينطوي تحت سقف مشروع يعمل حزب الله على تكريسه.

 تشهد المرحلة الحالية على تضييق شديد على إيران والحزب، وخصوصا بعد أن باتت الرسائل النارية والصاروخية الموجهة إليها وإليه في سوريا تخترق المجالات اللبنانية البحرية والجوية في توقيت تلى قمة أمنية إسرائيلية وأميركية وروسية.

يركّب حزب الله في مواجهة هذا المناخ التصعيدي ردا يقوم على محاولة تحويل الجيش اللبناني إلى نوع من حشد شعبي، وخلق مواجهات مباشرة بينه وبين السنة ودروز جنبلاط، واستخدام ورقة اللجوء السوري لدعم موقف إيران الذي يستجدي دعما أوروبي متضامنا معها، إثر إعلانها الخروج على مفاعيل الاتفاق النووي بشأن الكمية المحددة للتخصيب، وتهديداتها بإعادة تشغيل مفاعل آراك وغيره.

لعل البعد الأخطر في كل هذا المشروع يتمثل في نشر الطابع الأقلوي على كل المكونات الموجودة في لبنان من سنة ومسيحيين ودروز، في حين يستبقي الحزب لنفسه النطق باسم خطاب الأكثرية المتماهية مع الدولة، ملغيا بذلك كل الخصوصيات التي وسمت نظرة هذه المكونات إلى نفسها وإلى شكل وجودها خصوصيته.

لا يمكن إنكار مدى نجاحه في تكريس النظرة الأقلوية على الذات فمنذ أن أعلن الحريري أنه "بي السنة " منذ فترة، بدا وكأنه يمثل تنويعا من تنويعات طائفة مهزومة في المنطقة، ويعبر عن مدى الضيق الملازم لحراكها، وتقلص عناوين نظرتها إلى ذاتها من كونها تنطق باسم الأمة بل الدين إلى مجرد تنويع طائفي فاقد الصلة بالبعدين العربي والدولي.

 تحولت السنية اللبنانية إلى خطاب زواريب أقلوي وكذلك الأمر فيما يخص درزية وليد جنبلاط، التي حرص دوما على إلباسها الطابع العروبي والعام، ومنعها من التبلور في أي تعبير طائفي أقلوي.

فرض حزب الله منطق الضيق الأقلوي فبات سمة عامة لوجود الجماعات والتيارات في لبنان ففي مواجهة خطاب حقوق المسيحيين المرفوع بشكل دائم من قبل الوزير جبران باسيل والمعزز بالسطوة العسكرية للحزب، اندفع كل الخطاب المواجه له إلى الإقامة في المجال عينه، أي التعبير الطائفي الأقلوي الميال إلى المواجهة المسلحة.

لا يبرز باسيل ولا حزب الله بشكل مباشر في هذه المواجهة بل يريدان تحويلها إلى مواجهة

ارتفاع وتيرة العمليات الأمنية التي ينفذها الجيش ضد اللاجئين السوريين، تؤدي وظيفة الدفع في اتجاه الانفجار الأمني السوري المسلح الذي لا يستبعد أن يجد من يمده بالسلاح

بين الدولة المتمثلة بالجيش اللبناني، وبين التيارات والتعبيرات الميليشوية المنبثقة عن المخاوف الطائفية الأقلوية.

يهدف ذلك إلى ضرب مشروعية الجيش عند الطوائف، وتركيب نظرة عامة إليه تجعله وكأنه قوة خاصة في يد الحزب، وتفكيك مشروع دعمه الدولي والعربي، والأهم من ذلك التأثير المباشر على أي مشروع رئاسي لقائده المتمتع بحظوة في دوائر القرار الدولية والعربية.

ومن ناحية أخرى تجدر الإشارة إلى أن ارتفاع وتيرة العمليات الأمنية التي ينفذها الجيش ضد اللاجئين السوريين، تؤدي وظيفة الدفع في اتجاه الانفجار الأمني السوري المسلح الذي لا يستبعد أن يجد من يمده بالسلاح، وبذلك فإن الجيش اللبناني سيكون قوة المواجهة الممثلة لفكرة الشرعية، وسيتاح لحزب الله ولجبران باسيل وصف كل الأصوات المعترضة على مجزرة تُرسم سياقاتها ويتم الدفع في سبيل إنضاج ظروفها بأنها تعبير ميليشيوي.

ومن نافل القول إن جيش هذه الدولة التي يعمل حزب الله وباسيل على استكمال مؤتمرها التأسيسي سيكون النسخة اللبنانية الرديئة من الحشد الشعبي وسرايا المقاومة.