icon
التغطية الحية

دمشق.. الاعتقال نصيب من يتحدث عن الدولار والجوع للصامت

2020.01.21 | 18:34 دمشق

news-100219-23_0.jpg
دمشق – فايز دياب - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

يتدخل أخيراً رأس النظام بشار الأسد، لينقذ ذات البين بين حكومته، المشلولة والشعب المسكين، ليصدر مرسوماً ينكر فيه ما يحدث من خراب، ولعب بأرواح الناس وأرزاقها، ويهدد فيه بملاحقة السوريين، الذين يتحدثون عن الانهيار الاقتصادي في البلاد بين بعضهم بعضاً، أو على حساباتهم المختلفة في مواقع التواصل الاجتماعي.

المرسوم التشريعي رقم ٤ الذي أصدره الأسد، يقضي بملاحقة المتعاملين بالعملات الأجنبية، وتجريم ما سماه "الأخبار الوهمية" عن سعر صرف الليرة.

يأتي هذا التهديد الجديد بالاعتقال والغرامة بعد ساعات من تصريحات لكبيرة مستشاري القصر الجمهوري الدكتورة بثينة شعبان، والتي أكدت أن الاقتصاد اليوم أفضل بخمسين مرة من الاقتصاد في العام ٢٠١١.

فقد أشعل هذا التصريح كل مواقع التواصل الاجتماعي وسبب الكثير من ردود الفعل المستهجنة والساخرة، من قبل الموالين للنظام قبل المعارضين منهم.

" ترمب وقانون قيصر متل رجلي"

يقول أبو شفيق أحد الرجال الذين يعملون بأعمال الذهب وصياغته ليستقيم وينهض واقفا، ويسأل: "لكن ما هو قانون قيصر، الذي تتحدثون عنه؟"

الأمر الذي يثير ضحكات الآخرين في جلسة بين أصحاب الكار، للتداول عن حال ذهبهم وأوضاعهم.

أما (أبو عبود) صاحب الصاغة في جرمانا فيقول علينا ترك هذه المهنة، لا يمكن أن نستمر كذلك فمنذ أسبوع لم أشتغل إلا بأجرة حلق صغيرة، لا تتجاوز الـ ٧٠٠ ليرة، ويضيف الخمسيني، ربما سيتجه الناس للتعامل بالذهب بعد هذا المرسوم الأخير وخوفهم من التعامل بالدولار.

تحت مطر كانون البارد تتطاير الحكايات، والقصص، الكثيرة عن قلق التجار وتخبطهم، أمام ما يحدث.

خاصة، بعد اعتراف رئيس وزراء النظام عماد خميس أمام مجلس الشعب أمس الأول بعدم قدرة حكومته على حماية الليرة من الانهيار أمام الدولار بعد تجاوز حاجز الـ ١١٠٠ ليرة سورية، الدولار الواحد.

هذه التصريحات لرئيس وزراء النظام كانت اعترافاً ضمنياً من الحكومة بأن سعر الصرف في البنك المركزي، والذي يعادل ٤٣٠ ليرة سورية، هو السعر الوهمي.

أسعار السلع

عبد الرحمن تاجر المفرق لبعض المواد الغذائية، في أحد أحياء جرمانا، يجلس بتثاقل على كرسيه الخشبي، ويقول:

لقد فقدنا القدرة على العمل، كل يوم هناك أسعار جديدة للبضاعة، هذه الأسعار مرتبطة بشكل كبير بسعر الدولار الذي صرنا ممنوعين من ذكر اسمه، الأمر الذي ربما سيكلفنا، السجن، والغياب في أقبية أحد الفروع الأمنية.

من الداخل ينادي محمد الشاب الصغير الذي ترك مدرسته ويعمل عند عبد الرحمن: "كم صار ثمن كيلو الرز الإسباني معلمي اليوم".

 يرد صاحب المتجر على استحياء: "اليوم كيلو الرز سيدي هشام بـ ١١٥٠ ليرة سورية، ولجارتنا بـ ١١٠٠، تكرمي أم سامر".

تخرج الجارة شاكرة له حسن جيرته، وتهم خارجة وهي تهمهم، "لن أشتري شيئاً من عندكم اليوم سأذهب إلى المؤسسة ربما سأجد بعض السكر وزيت دوار الشمس".

من السويداء "بدنا نعيش"

تزامنت هذه الأحداث الدراماتيكية في اليومين الماضيين، مع خروج أهل السويداء جنوب البلاد للتظاهر في ظل ظروف معيشية صعبة، منذ الأسبوع الماضي تحت شعار (بدنا نعيش). مما دعا جهات إعلامية موالية للنظام لإطلاق حملة لدعم الليرة السورية بعد انهيار سعر صرفها أمام الدولار الأميركي. الحملة بعنوان "ليرتنا عزنا".

 فبشرط إحضار ليرة سورية معدنية واحدة، يمكنك شراء سندويشة شاورما مجانية، أو الحصول على لصاقة غير قابلة للكسر للموبايل أو شراء بعض المواد الغذائية بسعر مخفض جداً.

حملات دعائية لا تغني من جوع، ولن تساهم بشكل فعلي بتخفيض سعر الصرف، هي فقط لكسب الوقت.

صدى ما يجري في السويداء وصل إلى آذان محافظ ريف دمشق، الذي أمر بتوفير أكثر من عشرين سيارة من الغاز المنزلي وتوزيعها في جرمانا نظراً للطابع الديني الذي يجمعها بالسويداء ذات الغالبية الدرزية.

تمّ توزيع العشرين سيارة بلمح البصر، لكن طوابير الناس عادت في اليوم التالي لأن ثلاثة آلاف أسطوانة غاز لا تكفي مدينة فيها أكثر من 1200000 نسمة حسب إحصاءات محافظة ريف دمشق.

بنوع من اللامبالاة والسخرية تعامل الناس مع هذه الحملات بكثير من الحذر والاستغراب.

كوميديا الخوف

تخويف الناس لن يطول كثيراً. وسيعود الناس بعد فترة لتداول الدولار وقصصه التي لا تنتهي. بعد أن غابت تسمية الدولار عن وسائل التواصل الاجتماعي منذ صدور المرسوم رقم ٤.

سياسات النظام صارت بادية للعيان، في كل يوم مفاجأة جديدة أسوء من سابقاتها لعل المواطن الأبي ينسى التقنين، والبرد، ورائحة القهوة مع الهال. وفصل جديد من الكوميديا السوداء، تبدأ فصوله في دمشق.