دعوة لسحب جائزة نوبل من بيتر هاندكه

2019.10.17 | 19:52 دمشق

50771409_303.jpg
+A
حجم الخط
-A

نشرت دير شبيغل الألمانية البارحة 16/ 10/ 2019 مقالاً عنوانه (لا يريد بيتر هاندكه التحدث إلى الصحفيين بعد الآن). وإنّه لموقف غريب يقفه الروائي الحاصل على جائزة نوبل قبل أسبوع أي: في 10/ 10/ 2019، حيث يُفترض به أن يكون كتلك العروس في أيامها الأولى تتلقى التهنئة والتبريك، فتبادل الأمنيات الحلوة بالرجاءات الجميلة، لكننا سنتفهم موقفه مباشرة عندما نعلم أن المقابلات الصحفية والإذاعية والتلفزيونية لم تشاطره سروره ونشوته بحصوله على الجائزة الأدبية العالمية الأعلى والأغلى مشاطرة خالصة من دون تذكيره بموقفه غير الأخلاقي الداعم للمجرم الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش، وللحرب الصربية الشعواء التي طالت وانتهكت الأبرياء في البوسنة والهرسك وكرواتيا.

ولسنا الآن في صدد سرد أقوال الشخصيات والهيئات العالمية التي استنكرت حصوله على هذه الجائزة، فقد تداولتها معظم وسائل الإعلام، ونكتفي بذكر تساؤل وزير خارجية البوسنة السابق بيتريت سليمي عن ما إذا كانت أكاديمية جائزة نوبل قد نظرت أيضاً في خطاب هاندكه الذي ألقاه في جنازة ميلوسيفيتش بوصفه جزءاً من التأليف الأدبي؟! وتساؤله: هل سيكون الفائز التالي في السنة القادمة بشار الأسد؟

لقد سوّغ هاندكه المذابح في البوسنة والهرسك، التي وصفها الأمين العام للأمم المتحدة بأنها "أسوأ جريمة وقعت على الأراضي الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية"، كما قام بزيارة مجرم الحرب سلوبودان ميلوسيفيتش في سجنه، وأغدق عليه المديح في كل وسائل الإعلام، متحدياً دماء آلاف الضحايا ومئات الآلاف من أمهاتهم وآبائهم وأزواجهن وزوجاتهم وأولادهم وأقاربهم وأصدقائهم.

لقد سوّغ هاندكه المذابح في البوسنة والهرسك، التي وصفها الأمين العام للأمم المتحدة بأنها "أسوأ جريمة وقعت على الأراضي الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية"

وخلال هذا الأسبوع كُتبت عدة مقالات حول هذا الكاتب المثير للجدل، غير أنّ المثير للجدل حقاً ههنا هو الجائزة نفسها، وكيفية تعاطيها مع الأدباء وميزانها وسلم تقييمها؟! فعندما يَدعم فنّان الأدب فنّان الإبادة دعماً علنياً بلا تحفّظ ولا خجل، ثم يماري عنه مجمِّلاً ومكحِّلاً، ثم تأتي الأكاديمية السويدية وتمنحه جائزتها فهذا لا يثير الجدل فحسب بل الغثيان أيضاً.

ولا شكّ عندي في أنّ النقاش حول هذه الجائزة سيبقى ما بقيت الجائزة، ولو أنّنا جمعنا ما كتب عنها وحولها منذ انطلاقتها حتى هذه اللحظة، في اللغات العالمية، لخرجنا بموسوعة من أكبر موسوعات الأدب والنقد الأدبي، ناهيكم عن بقية أقسام الجائزة الخمسة (الطب ــ الفيزياء ــ الكيمياء ــ الاقتصاد ــ السلام).

وأمام نيل بيتر هاندكه هذه الجائزة لا يكفي أن نقول ونردد: إنه فوز يثير التساؤل، أو يثير الجدل! فإنكار إبادة جماعية مثبتة في المحكمة الجنائية الدولية عمل غير أخلاقي يوازي الجريمة نفسها، ومن يسوّغ الإبادة كمن يقوم بها، بل هو يقوم بها، ويمهِّد لغيرها.

وإذا كنّا جميعاً متيقنين أنّ هذه الجائزة لا تعطى لمن يُنكر الهولوكست، ولمن يسوّغه، فيجب أن نصل إلى يقين مماثل بأنّ هذه الجائزة لن تعطى لمن ينكر الجرائم المشابهة التي لا يماري فيها إلا صفيق مصفّق لمجرم مثله، يشرب معه أنخاب النبيذ من دماء الضحايا ومن مهجهم وأرواحهم.

في 1976 كان الكاتب الأرجنتيني خورخي لويس يورخيس من أبرز المرشحين لهذه الجائزة، واستقر عليه الرأي تقريباً، وقبل إعلان النتيجة بشهر زار الكاتب في احتفال كبير ديكتاتور تشيلي الجنرال بنيوشيت، وخطب أمامه: "إنّه لشرف لا أستحقه أن تستقبلني يا سيدي الرئيس [...] أنقذتم الحرية، ويحدث ذلك في قارة غارقة في الفوضى وتخنقها الشيوعية".

وإذا سحبت هذه الجائزة من هذا الكاتب الأرجنتيني بعد أن كادت تصل إلى فمه، فإنَّ جريرة هاندكه أفظع وأفدح، فقد وقف وحيّا وصفّق وهتف وكتب وألّف وبيّض وزوّر وافترى، مدّعياً أنّ الضحايا قتلوا أنفسهم بأنفسهم

ومن يومها اختفى اسمه من قائمة المرشحين نهائياً، وتوفي سنة 1987 ولم ينلها، واختير على عجل الكاتب الأمريكي سول بيلو رغم أنه كان دون الجائزة بكثير باتفاق كل النقاد.

وإذا سحبت هذه الجائزة من هذا الكاتب الأرجنتيني بعد أن كادت تصل إلى فمه، فإنَّ جريرة هاندكه أفظع وأفدح، فقد وقف وحيّا وصفّق وهتف وكتب وألّف وبيّض وزوّر وافترى، مدّعياً أنّ الضحايا قتلوا أنفسهم بأنفسهم. فإنّ دواعي سحبها منه أشد وأوثق.

ومن أجل ذلك فالواجب على دعاة السلام ورعاته، ودعاة الحقوق وداعميها، ودعاة الإنسانية ومروّجيها أن يقفوا وقفة صدق وعدل ورجولة، وينادوا بصوت واحد: اسحبوا هذه الجائزة من هذا الأثيم جزاء تسويغه وكفاء تدليسه.

ونحن ههنا لا نطالب المنظمات الإسلامية ولا روابط الأدب الإسلامي ولا الأزهر الشريف ولا كليات الآداب واتحادات الكتاب العربية والإسلامية بذلك فحسب بل نطالب عامة المنظمات والهيئات والمجالس والاتحادات على اختلاف توجهاتها وانتماءاتها، وكل من له علاقة بالأدب والفكر والثقافة وحقوق الإنسان. ويمكن أن تكون البداية بإطلاق حملة عالمية من خلال منظمة آفاز، ويمكن اعتماد نصّ بيان رابطة المؤلفين الأمريكيين P.E.N الذي تأسف غاية الأسف لهذا الاختيار: "لقد صُعقنا باختيار كاتب استخدم صوته لتقويض الحقيقة التاريخية وتوفير العون لمرتكبي جرائم الإبادة الجماعية".

إنّ التغاضي عن الجريمة جريمة، يسهّل على المجرم إجرامه، ويمده بالنسغ اللازم لاستمرار انتهاكه، ومن أولى أوليات محاربتها تجريدها من مجمّليها ومزوّقيها ومزوّري حقائقها، وتبكيتهم وازدراؤهم والحط من شأنهم، غير أننا ويا للمصيبة نراهم يتقلدون أعلى وسام وأرفع جائزة.

لم يفعل هاندكه الكثير: أنكر وقوع الإبادة، وحوّل القتلة إلى ضحايا، والضحايا إلى مجرمين. لذلك وجب سحب الجائزة منه.

كلمات مفتاحية