دستور تركي جديد: الدرس الأول

2021.02.07 | 00:01 دمشق

thumbs_b_c_6aa4bf28285d94e1d285cab3d05afb76.jpg
+A
حجم الخط
-A

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال مشاركته في أحد المؤتمرات العامة لحزبه أن "الوقت قد حان لكي تتخلص تركيا من الدستور الحالي، وتُعِد دستورا مدنيا يتلاءم مع تطلعات الشعب، ويواكب التطورات الحاصلة في البلاد". وزير العدل التركي عبد الحميد غل سارع على الفور لوصف ما قاله أردوغان ببشرى تبثّ الحماس في نفوس الجميع وهو ما يعكس حقيقة وجود استعدادات لإطلاق حملة إعداد دستور مدني وديمقراطي جديد "لأن ذلك سيكون أثمن إرث نتركه لمستقبلنا وأطفالنا".

من المبكر الاجابة على سؤال هل تدفع التحركات التي يقوم بها الرئيس أردوغان بالتنسيق مع حليفه دولت بهشلي إلى فتح الطريق أمام دستور جديد للبلاد أم هي مجرد مناورات سياسية لقطع الطريق على محاولات المعارضة تغيير خارطة التوازنات الحزبية والميول الشعبية؟ لكن الواضح تماما هو أن تركيا ستدخل مع هذا النقاش أجواء تفاعلات سياسية وحزبية جديدة مصحوبة بتصعيد مرتبط بتوازنات داخلية وخارجية كثيرة.

لو قالت القيادات التركية في الحكم إن الوقت حان للبحث عن دستور جديد وإنها من أجل ذلك قررت التواصل مع كل الأحزاب التركية لبحث سبل تحقيق هذه الخطوة هل كانت تغيرت الأمور وفتحت قوى المعارضة أبوابها أمام تحرك من هذا النوع؟

حزب العدالة والتنمية يتطلع إلى توجيه ضربات تهدف لتفكيك صفوف المعارضة وضمان بقائه في السلطة لحقبة جديدة بعد العام 2023

لماذا يطرح أردوغان موضوع الدستور الجديد وكيف سيتحرك لتنفيذ ما يقول وهو يعرف أن البرلمان والشارع منقسمان إلى قسمين متساويين تقريبا في المسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟

حزب العدالة والتنمية يتطلع إلى توجيه ضربات تهدف لتفكيك صفوف المعارضة وضمان بقائه في السلطة لحقبة جديدة بعد العام 2023 وقوى المعارضة تسعى إلى تغيير شكل الخريطة السياسية والحزبية تحت سقف تكتل الجمهور والعودة إلى النظام البرلماني وتردد أن لا فائدة من دستور جديد طالما أنه لن يطبق وطالما أن السلطة الحاكمة تفعل ما تريده. فلمن ستكون الغلبة؟

منح الناخب التركي حزب العدالة والتنمية الذي وعد أكثر من مرة بوضع دستور جديد للبلاد أكثر من فرصة بهذا الاتجاه لكن الحزب الحاكم لم يحسم هذا النقاش. المواطن التركي دعمه في استفتاءين شعبيين لتعديلات دستورية أساسية لكن حزب العدالة لم يذهب وراء إنجاز هدف الدستور الجديد. التعديلات التي أقرها استفتاء 2017، والتي غيرت نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي ومكنت الرئيس من صلاحيات أوسع كان بمقدورها أن تؤسس للدستور الجديد لكنها لم تصل إلى خطوة من هذا النوع؟ لذلك لا مفر من التذكير أن مشكلة الحزب الحاكم اليوم في تطبيق مسودة الدستور الجديد تحت سقف البرلمان هي حاجته إلى دعم 400 نائب يمثلون ثلثي المجلس التي لا يملكها تحالف العدالة والحركة القومية. مشكلتهما الأخرى هي في عدم امتلاكهما لرقم 367 مقعدا تعطيهما فرصة حمل مسودة الدستور إلى الاستفتاء الشعبي العام لأن مجموع أصواتهما هي 337 صوتا فقط. فما الذي سيفعلانه أمام مشهد معقد من هذا النوع؟ إقناع بعض النواب في المعارضة دعم التحرك أو تعبئة الجماهير لإعطائهما ما يريدانه في الانتخابات المقبلة؟

دستور عام 1982 الذي أقر تحت حراب العسكر بعد انقلابهم على السلطة المدنية سنة 1980 هو المعمول به اليوم. وتلتقي جميع الأحزاب السياسية والتنظيمات والتجمعات الاقتصادية والفكرية والاجتماعية بمختلف توجهاتها وميولها عند ضرورة تغييره ووضع دستور جديد للبلاد يلبي احتياجات تركيا وتطلعاتها الداخلية والخارجية. مواجهات التحضير لدستور تركي جديد قديمة عمرها عشرات السنين. الدستور المعلن قبل 40 عاما فرغ أساسا من الكثير من مواده وفقد معظم معالمه وأسسه لناحية شكل النظام وبنيته. كيف سيكون شكل الدستور الجديد: ابتعاد عن معالم الأتاتوركية وأفكارها والقطع معها بعد مئة عام أم إرضاء الاتحاد الأوروبي والغرب من خلال إدراج الكثير من المطالب والتعهدات التي لا مفر منها على طريق العضوية التركية؟

لم يكشف أردوغان عن أوراقه بعد وهو يطرح موضوع الدستور الجديد للبلاد. لكنه يعرف تماما أنه سيحتاج من أجل تنفيذ ما لم يفعله قبل سنوات، إلى أكثر من مناورة سياسية وحزبية. مع من وكيف سيتحرك الرئيس التركي؟ هل يضحي بمقعد رئاسة الحزب، ويختار الاحتفاظ بمقعد رئاسة البلاد، كما ينصح بذلك البعض؟ حتى لو فعل ذلك فهو أعلن باكرا أن موضوع تغيير شكل النظام خارج أي نقاش.

ردد الرئيس أردوغان دائما أن من يحاول عرقلة قرار الإرادة الوطنية واحتكارها في قطعِ الطريق على ممارسة المواطن حقه القانوني لن ينجح في ذلك، فالمواطن يَعرف من الذي يخدم تركيا، ومن الذي يحاول منعَ انطلاقها في الداخل والخارج. هو حصل على ما أراده في العام 2017 عندما أقنع الناخب التركي بدعم النظام الرئاسي الذي أنهى النظام البرلماني وموقع ودور رئيس الحكومة، وأطلق يدَ رئيس الجمهورية في صلاحيات دستورية أوسع، وأعطاه حقّ أن يكون رئيساً حزبياً خلال أداء مهامه. فهل يكون له ما يريده هذه المرة أيضا في الإعلان عن دستور جديد ينتظره الكثير في الداخل والخارج؟

فشلت القيادات السياسية والحزبية التركية أكثر من مرّة في الاتفاق حول إعلان دستور جديد، رغم توافقها على أنه مطلب شعبي واسع

الدستور هو عقد قانوني وسياسي واجتماعي ينظّم العلاقة بين المكونات التي تتبناه. المطلوب إذا هو إشراك أوسع الكتل الشعبية في مناقشة تفاصيله وإقراره. مشكلة تركيا كانت دائما في الدعوة إلى التخلص من دستور العسكر المعلن عام 1982 لكن مشكلتها الأكبر هي فشلها في تنفيذ هذه الخطوة. العدالة والتنمية أهدر الكثير من الفرص السانحة خلال العقدين الأخيرين. ربما هو نجح في الالتفاف على الدستور المعمول به وتغيير الكثير من مواده لا بل قلب شكل النظام بأكمله قبل 4 سنوات لكنه أهدر الكثير من الفرص السانحة ولم ينجح في حسم النقاش حول الإعداد لدستور تركي جديد. لا بل مشكلته التي تتركه أمام الامتحان الأصعب ستكون الرد على ما تقوله بعض الأصوات المعارضة التي تتحدث عن استبدال ديباجة الدستور القائم وكتابة نص قانوني جديد يقطع مع الثوابت المعتمدة في كل الدساتير التركية منذ العام 1921 وحتى اليوم؟

فشلت القيادات السياسية والحزبية التركية أكثر من مرّة في الاتفاق حول إعلان دستور جديد، رغم توافقها على أنه مطلب شعبي واسع. تناقش تركيا دساتيرها منذ 140 عاما يوم تعرفت إلى أول نص من هذا النوع. ودستور عام 1982 الذي عدل 19 مرة خلال 4 عقود من الزمن بقي واقفا على قدميه حتى اليوم. النقاشات حول الدستور في تركيا لن تعني الداخل التركي فقط هي ستحظى حتما بمتابعة الخارج أيضا فتركيا دعمت دائما حركات التغيير والتحديث في المنطقة وهناك أكثر من ثورة تبحث عن دستور جديد لها تطلعت صوب النموذج التركي الناجح فكيف ستسير الأمور؟